عنب بلدي – الغوطة الشرقية
يتكرر الحديث عن “اتفاق” أو “مصالحة” يجري العمل عليها في الغوطة الشرقية لدمشق، وسط مساعٍ من النظام السوري إلى إنهاء ملف المنطقة، بعد اتفاقات هجّرت قرابة عشرة آلاف مدني من ثماني مناطقَ في محيط العاصمة.
تعرض عنب بلدي في هذا التقرير، نظرة فصائل الغوطة الشرقية ومسؤولي المؤسسات المدنية والهيئات الرسمية فيها، بخصوص مبادرات طفت إلى السطح قبل شهرين، وبقيت مجرد أنباءٍ يجري تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي، ولم تحمل صفة رسمية من قبل الأطراف المعنية بها حتى اليوم.
الفصائل ترفض الهدن و”المصالحات”
خلال الأيام القليلة الماضية، ومنذ مطلع كانون الأول الجاري، طرحت فصائل الغوطة الشرقية رؤيتها حول مصطلح “المصالحة”، من خلال بيانات عبّرت عن رفضها لأي حديثٍ بهذا الخصوص، وبينما وصفها البعض بـ “الإذلال”، اعتبرها آخرون “خيانة”.
تحدثت عنب بلدي إلى محمد علوش، رئيس الهيئة السياسية في “جيش الاسلام”، وقال إن ما يجري من مصالحات وهدن محلية، ينفذها النظام تحت تهديد القصف والتجويع والحصار، “ما هي إلا هدن إذعان ومصالحات إذلال وإعادة بالقوة إلى حظيرة الاستعباد”.
واعتبر علوش أن المصالحات، إن تمت، “فلن تجري إلا بالإرادة الحرة للشعب السوري أو الأهلية القانونية، وليس تحت تهديد الدبابات وقصف الطائرات والحصار حتى الموت جوعًا، كما في مضايا وغيرها من المناطق”، لافتًا إلى أنه “كان من الخطأ في بعض المناطق قبول هذه المصالحات التي تاجر بها النظام دوليًا، عندما ادعى أنها عادت طوعًا إلى حضن الوطن بحسب تعبيره، في حين سلط آلة القتل والتدمير وميليشياته على المناطق التي رفضتها”.
وحول موقف “الجيش” من الهدن والمصالحات في الغوطة تحديدًا، أكد علوش أنها “مرفوضة من قبل الثوار على أرض الغوطة، فهي لا تفضي إلى إرادة الشعب السوري في تحقيق الحرية التي خرج يطالب بها، كما أن النظام يعتقل من يخرج ويعيد توطين الميليشيات الطائفية في مساكنهم، وهذا ما حصل في داريا”، مشددًا أن “الحصار والتجويع والتغيير الديموغرافي كلها جرائم حرب، وسوف يحاسب النظام ومن سانده عليها”.
فصيل “فيلق الرحمن” عبّر عن رأيه بخصوص “المصالحة ” في الغوطة، من خلال بيانٍ نشره في الخامس من كانون الأول الجاري، رافضًا “أي هدنة أو مصالحة مع النظام المجرم”، بحسب توصيفه.
وأكد “لن نقبل بأي حل لا يحقق مطالب الثورة التي قدمت مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، بل ماضون في مقاومتنا وحماية أهالي الغوطة وهم مازالوا رأس حربة في الثورة”.
ويرى “الفيلق” أن النظام “لن يستطيع كسر شوكتنا وإضعاف عزيمتنا، ولا حتى المرجفين والمخذّلين”، معتبرًا أن الحديث عن “مصالحة”، ما هو إلا “حرب نفسية تمثلت بمناشير استسلام ألقيت فوق الغوطة والتي ستكون مقبرة لقوات النظام”.
وللتعليق على البيان تحدثت عنب بلدي إلى “أبو نعيم يعقوب”، الناطق العسكري في “فيلق الرحمن”، والذي اكتفى بالقول إن موقف الفيلق واضح من خلال البيان، ولدى سؤاله عن سبب إصدار بيان فردي بهذا الخصوص، أجاب “هذه كانت ثغرة، كما أننا لم نعتد على إصدار بيانات مشتركة في وقت سابق”.
فصيل “فجر الأمة” الذي ينضوي مع جبهة “فتح الشام” ضمن “جيش الفسطاط”، وجه بيانه الخميس 8 كانون الأول، بخصوص “ما يروجه النظام والمرجفون عن المصالحات”، داعيًا أهالي الغوطة إلى “الحفاظ على الهوية الشامية السنية والوقوف أمام مشاريع التغيير الديموغرافي لقوى الشر العالمية”.
واعتبر بيان الفصيل أن “أولئك الذين التصقوا بالثورة زورًا على أمل الانتفاع منها، أو بعض الشراذم التي صنعها النظام واستسلمت له، فضلت العودة للموت في صف النظام المجرم بدلًا من الثبات بجهاد يفضي إلى نصر مشرف أو شهادة عزيزة”، محذرًا “كل من تسول له نفسه الترويج لأكاذيب النظام التي تدعو للاستسلام، تحت مسمى هدن ومصالحات لا تجلب إلا الذل والعار”.
“المصالحة” بعيون الهيئات المدنية
أصدرت قيادة فرع ريف دمشق في حزب “البعث”، قرارًا بتاريخ 27 تشرين الثاني الماضي، سمّت فيه 30 شخصًا من منتسبي الحزب في الغوطة الشرقية، للتواصل مع الأهالي بغية إخلائها من فصائل المعارضة.وأطلق أهالي الغوطة الشرقية الموجودون في مدينة دمشق، مبادرة عنوانها “المسامحة”، بغية الوصول بالغوطة الشرقية إلى منطقة هادئة خالية من السلاح، وتشمل وفقًا للقرار، كلًا من مدن وبلدات كفربطنا، عربين، بيت سوى، جسرين، حمورية، سقبا، حزة، زملكا، حتيتة التركمان، شبعا، زبدين، ودير العصافير. |
لم يكن موقف الهيئات المدنية وأهالي الغوطة مغايرًا لما تراه الفصائل، فقد تظاهر المئات خلال الأيام الماضية داخل الغوطة، رافضين أي “مصالحة” مع النظام، بينما تحدث وزير الأخير لشؤون “المصالحة الوطنية”، علي حيدر، مطلع الشهر الجاري، عن وجود لجان “تعمل من تحت الطاولة لإنجاز المصالحات في الغوطة الشرقية لدمشق”، معتبرًا أن “هذه الثقافة منتشرة في المناطق المختطفة من قبل المسلحين”.
ومنذ تموز الماضي شهدت مدينة دوما أربع زيارات للجنة النظام إلى المدينة، اطلعت عنب بلدي على مضمونها، وكان الأمر سريًا وعلى نطاق ضيّق، إلى أن نُشر بيانٌ حول لجنة التواصل ومجريات الاجتماع معها منتصف تشرين الأول الفائت، ولكنها كانت محدودة بأشخاص من دوما، بعيدًا عن أي صفة رسمية.
رئيس مجلس أهالي دوما (الأمناء سابقًا)، مصطفى محمد، اعتبر في حديثه إلى عنب بلدي أن الغوطة جزء
يضمّ المجلس أشخاصًا منتخبين من أحياء المدينة، وهناك مجالس أخرى في بعض مدن وبلدات الغوطة وليس جميعها. |
واحدٌ لا يتجزأ، مشيرًا إلى أن “المصالحات وما يقدمه النظام لأهالي الغوطة هو محاولة لتجزئتها من خلال مبتعثين يرسلهم إلى بعض المناطق”.
ورفض محمد أي مصالحة وفق مفهوم النظام ووصفها بـ”الاستسلام”، موضحًا “بمفهومنا يمكن وقف إطلاق النار والأعمال القتالية، وإخراج المعتقلين، وفتح المعابر، وإخلاء المصابين والمرضى، باعتبارها طلبات محقة لكل الأهالي، ولكن النظام يحاول تنفيذ ما فعله في بعض مناطق ريف دمشق”.
وأكد رئيس المجلس وجود تنسيق مع بقية مدن الغوطة الشرقية “ننسق مع أهالي الغوطة بألا يتحدث أحد باسم مدينة أو بلدة لوحدها وإنما باسم الغوطة كاملة”، لافتًا “عندما يكون الطرح جديًا فهناك لجنة من الغوطة ستتحدث بهذا الخصوص”.
رئيس الهيئة العامة في الغوطة الشرقية، محمد سليمان دحلا، وصف موضوع المصالحات “بين قوسين” بأنه “وقاحة”، مؤكدًا أن “المصالحة مصطلح قانوني متعارف عليه دوليًا في حالات الصراعات والحروب، ولا يأتي إلا بعد العدالة الانتقالية وفي إطار حل سياسي شامل وكامل، يوقف بموجبه إطلاق النار، ويطلق سراح المعتقلين ثم تجري المصالحات الوطنية بعدها”.
ويرى دحلا أن النظام يلعب على المصطلحات، معتبرًا أن الأمر في عيون أهالي الغوطة يشبه الاستسلام، كما أنه مرفوض من كافة قوى الثورة مدنية كانت أم عسكرية، “فالغوطة وحدة جغرافية متماسكة، وكل محاولات شق الصف وإرسال أزلام النظام إلى البلدات بشكل منفصل ستبوء بالفشل”.
بدوره وصف حسام البيروتي، نائب رئيس المجلس المحلي لمدينة حرستا، الأمر بأنه “ترويج وليس مصالحة”، على اعتبار أن الأمر “مازال مجرد تسريبات عرضت أسماءً من البلدات، فوضها النظام لرعاية مبادرات”، مؤكدًا أنه “ليس للمجالس المحلية تصريح رسمي حتى اليوم، ورغم أن الموضوع طرح خلال اجتماعات متكررة على نطاق ضيق، إلا أن الموقف كان موحدًا وهو أنه لا مصالحة ولا مبادرات فردية”.
ويرى البيروتي، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن المفاوضات يمكن أن تبدأ “في حال اجتمعت كل الغوطة على قرار واحد، وهذا القرار بين الفصائل العسكرية والمجالس المدنية، إلا أنها مازالت إشاعات على صفحات النظام الذي يروج أحيانًا لحملات عسكرية، وأخرى لموضوع اللجان التي تتواصل في الغوطة”، رافضًا أي مبادرة “تؤول نتائجها إلى تهجير وتغيير ديموغرافي”.
بما أن الغوطة تعيش قصفًا مكثفًا يوميًا، يعتبرها البيروتي أقرب إلى نموذج داريا، منها إلى باقي المدن الأخرى التي هجر النظام أهلها، “الوضع هنا ليس كما قدسيا والهامة والتل وغيرها، فهي كانت مهادنة ولا تعيش تحت الضغط كما نحن اليوم، فما زلنا محاصرين والطرقات مغلقة وممنوع خروج أي شخص من الغوطة”.
ختامًا أكد رئيس المجلس المحلي لمدينة دوما، خليل عيبور، لعنب بلدي، أن المجلس كرر مرارًا أنه “مع أي حل يطرح ويعطي للسوريين الحق بالعيش، ويوقف نزيف الدم، ويساهم في إطلاق سراح المعتقلين، كما يضمن حقوق الشعب بما لا يتنافى مع مقتضيات الثورة”.
رغم عودة موجة “المصالحات” إلى ريف دمشق خلال الأسابيع الماضية، ومع إصرار مؤيدي النظام السوري على إخلاء ريف دمشق من “الأسلحة والمسلحين” مطلع العام المقبل، إلا أن الأمور مازالت غامضة بخصوص الغوطة، وخاصة مع رفض مجلس محافظة ريف دمشق، مطلع الشهر الجاري، أي مبادرة مطروحة، معتبرًا أن “الغوطة الشرقية ماتزال ترفع البندقية من أجل تحرير البلاد من القوى الغاشمة التي تكالبت عليها”.