قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة اليوم، الأربعاء 15 من تشرين الثاني، بأن خطة الحكومة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا غير قانونية، ورفضت المحكمة بالإجماع استئناف الحكومة ضد حكم سابق يقضي بعدم جواز إرسال المهاجرين إلى رواندا، إذ لا يمكن اعتبارها دولة ثالثة آمنة.
ووجه القرار ضربة قوية لسياسة الهجرة التي ينتهجها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وتعهده الانتخابي الكبير قبل الانتخابات البرلمانية المتوقعة العام المقبل.
وقال رئيس المحكمة روبرت ريد، إن القضاة الخمسة المعنيين اتفقوا على وجود “أسباب جوهرية للاعتقاد بأن طالبي اللجوء الذين يتم إرسالهم إلى رواندا سيكونون معرضين لخطر الإعادة القسرية”، ما يعني إعادتهم إلى بلدهم الأصلي حيث يمكن أن يتعرضوا لخطر سوء المعاملة.
وأضاف ريد، أنه لا يمكن الاعتماد على رواندا في الوفاء بوعودها بعدم إساءة معاملة طالبي اللجوء الذين يرسلون من بريطانيا.
وأشار إلى سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والتعذيب، قائلًا، إن رواندا تمارس “الإعادة القسرية” بحق المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية غير الآمنة.
وشدد القاضي ريد على أن “القاعدة القانونية التي تقضي بعدم جواز إعادة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي، إذا كانت حياتهم أو حريتهم معرضة للخطر”، منصوص عليها في العديد من قوانين المملكة المتحدة والمعاهدات الدولية، وليس فقط الاتفاقية الأوروبية.
وحكم قضاة المحكمة العليا بأن “التغييرات الهيكلية وبناء القدرات اللازمة” لجعل رواندا بلدًا آمنًا قد تتم في المستقبل، لكنها لم تنفذ حتى الآن.
وفي تعليقه على قرار المحكمة، قال رئيس الوزراء البريطاني اليوم في بيان، “لقد رأينا الحكم اليوم، وسنفكر الآن في الخطوات التالية”.
وأضاف، “لم تكن هذه هي النتيجة التي أردناها، لكننا أمضينا الأشهر القليلة الماضية في التخطيط لجميع الاحتمالات، وما زلنا ملتزمين تمامًا بإيقاف القوارب”.
وفي إشارة لقرار المحكمة ذاتها السابق، قال سوناك، إن “الأهم من ذلك أن المحكمة العليا أكدت أن مبدأ إرسال المهاجرين غير الشرعيين إلى دولة ثالثة آمنة لمعالجة طلباتهم هو أمر قانوني، وهذا يؤكد وجهة نظر الحكومة الواضحة منذ البداية”.
ودافع سوناك عن وجهة نظره في سياسة الهجرة قائلًا، إن “الهجرة غير الشرعية تدمر حياة الناس، وتكلف دافعي الضرائب البريطانيين ملايين الجنيهات الاسترلينية سنويًا، نحن بحاجة إلى وضع حد لها، وسنفعل كل ما يلزم للقيام بذلك”.
سلسلة قرارات
رحبت جماعات اللاجئين وحقوق الإنسان بقرار المحكمة، ووصفته منظمة “ActionAid UK” الخيرية بأنه دفاع عن “القيم البريطانية المتمثلة في الرحمة والكرامة”، وحثت منظمة “العفو الدولية” الحكومة البريطانية على “وضع حد لهذا الفصل المشين في التاريخ السياسي للمملكة المتحدة”.
ويترك هذا الحكم سياسة كلفت الحكومة البريطانية ما لا يقل عن 140 مليون جنيه استرليني (175 مليون دولار) على شكل مدفوعات لرواندا، دون إرسال أي طالب لجوء إلى ذلك البلد، إذ أوقفت رحلة الترحيل الأولى في اللحظة الأخيرة في حزيران 2022، عندما تدخلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي كانون الأول 2022، قضت المحكمة العليا في لندن بأن خطة رواندا “قانونية”، لكن يتعين على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار الظروف الفردية لكل حالة، قبل وضع أي شخص على متن طائرة.
وفي حزيران الماضي، أيدت محكمة الاستئناف الطعن الذي قدمه طالبو اللجوء من دول مثل سوريا وفيتنام وإيران، وقضت المحكمة بأن الخطة “غير قانونية”، لأن رواندا ليست “دولة ثالثة آمنة”.
وقد طعنت الحكومة في ذلك الحكم أمام المحكمة العليا، حيث زعمت في جلسة استماع الشهر الماضي أنها أجرت تقييمًا شاملًا للمخاطر، وأنها ستضمن التزام حكومة رواندا باتفاقها بشأن حماية حقوق المهاجرين.
ويكافح جزء كبير من أوروبا لإيجاد أفضل السبل للتعامل مع طالبي اللجوء الذين يبحثون عن ملجأ هربًا من الحرب والعنف والقمع.
وعلى الرغم من أن بريطانيا تتلقى طلبات لجوء أقل من دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا، لا يزال آلاف طالبي اللجوء من جميع أنحاء العالم يسافرون إلى شمال فرنسا كل عام على أمل عبور القناة “الإنكليزية”.
عبر أكثر من 27300 طالب لجوء القناة هذا العام، بينما وصل أقل من 46 ألف شخص في عام 2022، وهو ماتعده الحكومة انخفاضًا ناجحًا جاء نتيجة “نهجها الصارم”.