“ننتظر فرجًا”

سكان “درعا المحطة” حائرون

السوق المدمر في درعا المحطة (أرشيفية)

camera iconالسوق المدمر في درعا المحطة (أرشيفية)

tag icon ع ع ع

محمد إبراهيم – درعا

منذ بداية الثورة في مدينة درعا، كانت مشاهد اندماج المتظاهرين القادمين من درعا البلد، برفقة أولئك القادمين من درعا المحطة، المشهد الأبرز على ساحة المدينة، فعلى الرغم من الانتشار الكثيف للأفرع الأمنية التابعة للنظام في درعا المحطة، إلا أن المظاهرات لم تغب عن أحيائها، وشهدت ساحةالسراياأبرز تلك المظاهرات، وكذلك شهدت شوارع حي شمال الخط أفظع مجازر قوات النظام عندما فتحت نيرانها على آلاف المتظاهرين في آذار 2011، لتردي العشرات منهم بين قتيل وجريح.

تحولت المنطقة بعد أسابيع قليلة على بداية الثورة إلى ثكنة عسكرية كبيرة، استطاع النظام أن يحد من النشاطات المعارضة له بشكل كبير، ولم تستطع الفصائل المسلحة كذلك من الوصول إليها رغم عديد المحاولات، حيث كانت معركة “عاصفة الجنوب” منتصف العام 2015 أقوى محاولات المعارضة للدخول نحو درعا المحطة، وكان لفشل تلك المعركة الأثر الكبير على كامل جبهات المحافظة.

تدمير العصب الاقتصادي

مع انطلاق معركة “الرماح العوالي” في بدايات العام 2013 في أحياء مدينة درعا، تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على أجزاء واسعة من درعا البلد، بالإضافة لحيي طريق السد ومخيم درعا المحسوبين إداريًا على درعا المحطة، وفرضت تلك المعركة على مدينة درعا مشهدًا عسكريًا جديدًا، فقد دخلت أطراف درعا المحطة بأجواء حروب الشوارع بين الأجزاء الخاضعة لسيطرة المعارضة وتلك الخاضعة لسيطرة النظام.

ومنذ ذلك التاريخ أصبح “سوق درعا” منطقة للفصل بين الطرفين، لتبذل حينها جهود لإبقاء السوق خارج دائرة المعارك، لما يشكله من عصب اقتصادي مهم للمدينة، قبل أن تنهار كل المحاولات بعد أن دخل السوق دائرة المعارك منتصف 2013، لتخرج منطقة السوق عن الخدمة وتتحول الأبنية والمحال التجارية فيه إلى ركام، وتنتقل المحال التجارية إلى داخل الأحياء السكنية وفي غرف البيوت وعلى أرصفة الشوارع.

أحياء محتلة بالثكنات

بعد أكثر من خمس سنوات على بداية الثورة، وبعد أكثر من ثلاث سنوات على دخول درعا المحطة على ساحة المعارك، لا يبدو أن النظام استطاع عزل درعا المحطة عن محيطها، فتداخل خطوط الاشتباكات وتمسك النظام بوجوده السيادي في المحافظة، جعله ينزع عن درعا المحطة صفتها السكنية، ويحولها إلى منطقة عسكرية تعج بالحواجز والدبابات.

تحدثت عنب بلدي مع ماهر أبو محمد، وهو من سكان درعا المحطة، ووصف أن الحياة فيها تسير يومًا بيوم، ولا يستطيع أحد أن يضع خططًا لليوم التالي، موضحًا “ننام ونحن لا نعلم هل سنستطيع الذهاب إلى أعمالنا صباحًا، أم أننا سنستيقظ على أصوات القصف، وإغلاق الدوائر الحكومية وخلو الشوارع من المارة”.

بالإضافة للوجود العسكري الكثيف للنظام، تنتشر في درعا المحطة أكثر من ثلاث ثكنات تتمركز فيها مدافع ثقيلة وراجمات صواريخ، تستخدمها قوات الأسد في قصف الأحياء المحررة، ما يستوجب ردًا من فصائل المعارضة على هذه النقاط، وأضاف أبو محمد “هذه الثكنات تقع وسط الأحياء السكنية، فالقصف الصادر منها والقصف المضاد عليها، يصيب الأحياء السكنية بالشلل الكامل نتيجة السقوط العشوائي للقذائف”.

وتشير أرقام مكتب “توثيق الشهداء” في درعا إلى أن أكثر من 120 ضحية سقطوا خلال العامين الماضيين نتيجة قذائف عشوائية، مصدرها فصائل المعارضة على أحياء درعا المحطة، حيث ترتفع وتيرة القصف مع اشتداد المعارك في محيط مدينة درعا بشكل كامل.

الدولةبالاسم فقط

الدوائر الحكومية الخاضعة لسيطرة النظام، أصبحت شكلية أكثر من كونها تمارس مهامها فعلًا، بحسب ما أوضحت السيدة هيام، وهي موظفة في إحدى مؤسسات النظام في درعا المحطة، “الدوام شكلي رغم سعي النظام الدائم لإجبار الموظفين عليه.. الموظفون اليوم بلا عمل حقيقي بسبب فقدان معظم الدوائر الحكومية لقيمتها الخدمية”.

وعلى سبيل المثال، مديرية التربية الخاضعة لسيطرة النظام لا تبعد عن خطوط الاشتباكات أكثر من 50 مترًا، والمصرف التجاري يقع بجانب كتيبة للمدفعية التي يستخدمها النظام بشكل دائم لقصف المناطق الخارجة عن سيطرته، ومشفى درعا الوطني تبعد أمتارًا قليلة عن نقاط الاشتباكات، وهذه الأخيرة وبسبب موقعها غير الآمن، تشير مصادر طبية إلى أن عدد مراجعيها من المرضى انخفض لنحو 98% عما كان عليه قبل العام 2011، وسط توجه المرضى لمراجعة نقاط الهلال الأحمر الموجودة في مواقع أكثر أمنًا.

وأضافت هيام أن المدارس نادرًا ما تنهي دوامها الكامل، فأولادها يعانون من التقطع الدراسي بشكل كبير، موضحة بأنه “في حال كانت الأجواء هادئة صباحًا، واستطاع الطلاب الوصول إلى مدارسهم، قد لا يستطيع المدرس من الوصول، أو نتفاجأ بتوتر الأجواء بعد ساعات واضطرار الطلاب للمغادرة”.

استيطان بشكل جديد

هذه الأجواء دفعت المئات من أهالي درعا المحطة للنزوح نحو العاصمة دمشق، أو اللجوء إلى خارج سوريا، وبعضهم اختار التوجه إلى المناطق المحررة هربًا من سلطة النظام، وفي ذات الوقت شهدت درعا المحطة نزوح المئات من أهالي القرى الخاضعة لسيطرة المعارضة، والذين وجدوا أجواء درعا المحطة على صعوبتها أفضل من أجواء القصف المستمر الذي يمارسه النظام على المناطق “المحررة”، فشكلت هذه التنقلات تغييرًا محليًا في الطبيعة السكانية.

ومع هذه المتغيرات السكانية شهدت درعا المحطة مظهرًا جديدًا من مظاهر الاستيطان، حيث شكل تموطن جنود النظام داخل أحيائها عاملًا يدفعهم إلى الاستيلاء على بعض منازلها والسكن فيها، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك، بعدما استقدم عددًا من أفراد عائلته للسكن معه في ذات المنازل “المحتلة”.

تعتبر “درعا المحطة” النصف الثاني المكمل لمدينة درعا “درعا البلد”، يفصل بينهما وادي الزيدي، وأخذت “درعا المحطة” اسمها نسبة إلى محطة القطار الحجازي، حيث كانت المنطقة نقطة عبور رئيسية، ما جعلها تحمل الثقل الاقتصادي للمدينة ككل، فتتركز فيها الأسواق التجارية والدوائر الحكومية والمشافي العامة والخاصة، بالإضافة لمدينتين رياضيتين، وكذلك أفرع النظام الأمنية والعسكرية.

لم تكن المنطقة تعج بالسكان كما هي اليوم، فقد شهدت السنوات الخمسون الأخيرة توجهًا نحو إنشاء الأحياء السكنية فيها بعد أن كانت مقتصرة على درعا البلد، وتعتبر “السبيل والكاشف والمطار والسحاري” أبرز أحيائها، وشهدت المنطقة استضافة آلاف النازحين من الأحياء المحررة بالإضافة لريف درعا، وتقدر أوساط محلية بأن عدد سكان أحياء درعا المحطة وصل لأكثر من 200 ألف نسمة.

وأوضح ماهر أبو محمد أن ظاهرة سكن جنود النظام أصبحت شائعة بشكل كبير، “لم يعد جنود النظام يستولون على المنازل المحيطة بالحواجز فقط، بل كثير منهم يبحث في الأحياء عن المنازل الفارغة، حتى تلك البعيدة عن حواجزهم، ثم يستولون عليها ويسكنونها، وبعد فترة زمنية قصيرة نجد أنه أحضر عائلته لتسكن معه وتمارس حياتها الطبيعية كأنها إحدى عائلات المدينة”، بدورهم يحاول أهالي المدينة تفادي هؤلاء “المستوطنين” قدر الإمكان، فوجودهم في أي مكان بحسب “أبو محمد” هو “مبعث للقلق وعدم الارتياح”.

شلل كامل للمواصلات

بعد أن كانت درعا المحطة تمثل عقدة مواصلات توزع على كافة قرى محافظة درعا، وإلى باقي المحافظات كذلك، أصبحت حركة المواصلات فيها ضعيفة جدًا.

ونوه أبو محمد إلى أن عدد باصات “البولمان” التي كانت تعمل على خط دمشق قبل الثورة يتجاوز 50 باصًا، أما اليوم فلا وجود لأي منها للعمل على هذا الطريق، “يجب على المسافر أن يستقل السرافيس القليلة أيضًا، أو سيارات الأجرة التي أصبحت وسيلة النقل الرئيسية نحو العاصمة”، أما المواصلات الداخلية ضمن أحياء درعا المحطة فهي مشلولة بشكل شبه كامل، فالنظام أغلق كثيرًا من الطرق، بينما تنتشر حواجزه بكثافة في باقي الطرق.

“ننتظر فرجًا يخرجنا من حالة اللاحياة واللاموت”، يصف ماهر أبو محمد واقع درعا المحطة اليوم، بينما تعتبر السيدة هيام أن “عداد الزمن توقف قبل ثلاث سنوات.. لسنا بمنطقة محررة تنعم بحريتها، ولسنا منطقة خاضعة للنظام تعيش حياة الدولة والخدمات”. وفي المقابل لا يبدو أن “فرجًا” يلوح في أفق درعا المحطة القريب، فالنظام يحكم سيطرته على المنطقة ويسعى لتوسعتها دائمًا، والمعارضة تتشبث بمواقعها في “مهد الثورة السورية”، وبين هذا وذاك سكانها يرتقبون.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة