“سوسة” تربية العصافير في سوريا تتراجع في مناطق المعارضة والنظام

tag icon ع ع ع

مراد عبد الجليل – عنب بلدي

“كنار وعاشق ومعشوق وحسون” أسماء متعددة وأنواع مختلفة تحت مسمى واحد يطلق عليها “عصافير الزينة”، لا يكاد بيت من البيوت الدمشقية القديمة يخلو منها ضمن قفص يضم أنواعًا ذات الشكل والصوت الحسن.

راج الاهتمام بـ”عصافير الزينة” في سوريا قبل الثورة، من قبل أشخاص ذوي هواية وعشق لها، وكان هناك قسمان من المربين، الأول يقتني أنواعًا محدودة للاستمتاع بمنظرها وصوتها العذب كـ”الكنار والحسون”، والآخر لديه “سوسة” تربيتها من أجل التجارة فيها، حتى انتشر في سوريا مصطلح “اقتصاد العصافير”.

الخبرة من ضروريات تربية العصافير

طعام محدد وأدوية وفيتامنيات وعناية خاصة، إضافة إلى خبرة ومزاج خاص، يجب أن تتوفر في الشخص الراغب في الدخول إلى “عالم العصافير”، فليس بوسع أي شخص الخوض في هذا العالم، فهو يحتاج إلى خبرة كافية ودراية بالأنواع والأشكال وطبيعة الطعام المقدم، وإلا سيكون مصيرها الموت بسبب “سوء التغذية”.

العصافير، بعرف المربين، كالإنسان، تحتاج لمن يطعمها ويهتم بها ويقدم لها العلاج والأدوية التي تساعدها على “عملية التزاوج” من أجل التفريخ والتكاثر، كما توجد أنواع لها طقوس معينة من التربية، كطائر “الحسون”، الذي يتم وضعه في قفص بقياس صغير بعد اصطياده من البر من أجل ترويضه وعدم إيذاء نفسه.

الخبرة ضرورية في كيفية التعامل مع هذه “الأرواح”، كما يقول المربي ياسين سويدان من الغوطة الشرقية، لعنب بلدي، وخاصة إذا ما كان المربي يمتلك كميات يفوق عددها المئة، فيجب عليه اختيار مكان مناسب لها وتنظيف الأقفاص دائمًا، وعرضها على طبيب بيطري أو خبير في حال مرضها.

إضافة إلى ذلك، لا بد من وجود خبرة في كيفية عملية التزاوج بين الذكر والأنثى من أجل ولادة أشكال معينة، إذا كان المربي يريد الحصول على “كنار” من نوع “بندوق كوبرا” مثلًا، يجب أن تكون عملية التزاوج بين عصفورين من نوع “كوبرا أصلية مع فحل بلدي”.

20 ألف ليرة كلفة عصفورين.. واللحن يحدد السعر

غلاء الأسعار الذي رافق سنوات الثورة لم يثن الكثير من المربين عن استمرارهم في مزاولة هذه الهواية، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام كدمشق، لاعتبارها تجارة رابحة، فأقل سعر لأي عصفور الآن يعادل ثلث راتب موظف حكومي.

خالد علي، وهو أحد المربين في دمشق، قال لعنب بلدي إن سعر “عصافير الزينة” ارتفع بشكل كبير فلا يقل سعر أي عصفور عن عشرة آلاف ليرة سورية، وهناك أنواع تصل إلى 30 و 40 ألف ليرة بحسب نوعها وشكلها وألحانها.

فقد وصل سعر زوج العصافير من “الكنار البناني”، بين 10 و 12 ألف ليرة، أما الكنار نوع “حب الرمان”، فوصل سعره إلى 17 ألف ليرة، أما “الأبيض الفحل”، القادر على التلقيح، فيبلغ بين 15 و20 ألف ليرة، وسعر الزوج منه نحو 33 ألف ليرة سورية.

وتلعب ألوان العصفور والألحان وعدد النغمات التي يرسلها دورًا في تحديد سعره، فكلما زاد عدد النغمات غلا سعره، وخاصة طائر “الحسون”، الذي كان يحظى باهتمام المربين سابقًا لما يتمتع به من صوت ساحر، فأحيانًا كان يباع بمئة ليرة وأحيانًا يصل سعره إلى 25 و 50 ألف ليرة، والأمر يعود إلى توازن ألحانه، فكانوا يطلقون عليه اسم “مشقف” أي يرسل ألحانه كشقف موسيقية بانتظام دون انقطاع، بحسب سويدان.

وإلى جانب أسعار العصافير ارتفعت أيضًا تكاليف طعام الطيور، فسعر كيلو “البريق”، بين 400 و 500 ليرة، وسعر كيلو الخلطة الأجنبية، وهي خلطة تحتوي على فيتامينات تساعد على تنشيط العصفور وتهيئته لعملية التلقيح، أصبح بـ 1200 ليرة، بعدما كان بـ 100 ليرة قبل الثورة.

وقد وصلت تكلفة إطعام عشرة عصافير بين 1500 و 3000 ليرة سورية، بحسب علي، وذلك يعود إلى عدد فراخ العصافير لدى المربي، فكلما كان عدد الفراخ كبيرًا كلما توجب عليه تقديم طعام جيد لهم كـ “البيض والجزر والفيتامنيات”، من أجل النمو السريع.

صفحات وأسواق خاصة بالعصافير

ولكثرة شغف السوريين بهذا العالم، خصصوا له أسواقًا خاصة معروفة لديهم، يجتمع فيها أصحاب الهواية لعرض ما لديهم بغرض البيع، وأهم هذه الأسواق “سوق الطيور” في دمشق الذي يقع بالقرب من ساحة المرجة، فلا يمكن لأي شخص أن يمر من هناك إلا ويمتع ناظريه بالألوان المختلفة للأقفاص ويطرب أذنيه بألحان العصافير مختلفة الأشكال والأنواع.

وإلى جانب سوق دمشق كانت هناك أسواق خاصة في مناطق مختلفة، مثل منطقة “الكباس” في دمشق، وفي جرمانا والدويلعة في ضواحيها، كما كان هناك سوق قبل الثورة في مدينة دوما بريف دمشق.

الآن، وبعد مرور سنوات من الحرب، ماتزال هناك أسواق خاصة بالعصافير والحمام تقام أسبوعيًا، كسوق يومي الأحد والجمعة في المنطقة الصناعية قبل كراج السيدة زينب في دمشق.

كما تم إنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يصل فيها أعداد المشاركين إلى الآلاف، تهتم بعرض العصافير والمشكلات التي تعترض المربين وتقديم بعض الحلول والنصائح.

أما الهدف الأساسي من إنشاء هذه الصحفات فهو التجارة، بحسب ما قال المربي محمود الأحمد لعنب بلدي من دمشق، وأوضح أنه عندما يريد أن يبيع أي نوع من العصافير ما عليه إلا أن يضع صورهم على إحدى هذه الصفحات لتبدأ العروض بالانهمار عليه، وليتم بعدها التواصل في مكان معين وتتم عملية البيع.

سوسةالعصافير تنقرض في مناطق المعارضة

“سوسة” تربية العصافير تراجعت في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وأصبحت مقتصرة على اقتناء الشخص لعصفور أو اثنين لمجرد الهواية والمزاج فقط.

أسباب كثيرة أسهمت بتراجع هذه التجارة في مناطق المعارضة، منها القصف المستمر، والذي أدى إلى خوف العصافير وبالتالي تراجعت عملية “التزواج والتكاثر”، إضافة إلى الحصار الذي فرض على هذه المناطق، فلم يعد بمقدور المربي أن يوفر الطعام لأولاده وعائلته حتى يوفره للعصفور.

وهذا ما أكده، أبوعبدو النعيمي، صاحب محل لبيع الطيور في درعا البلد، وقال إن هذه الهواية اختفت تقريبًا بسبب القصف المستمر والنزوح والفقر الذي أصاب الناس، وأصبح كل همهم تأمين أساسيات الحياة لأدولاهم أكثر من العصافير، إضافة إلى أن الطيور بحاجة إلى عناية دائمة وتأمين الطعام الخاص بهم، وهذا ما لم يعد بمقدور الناس.

وعن مصير هذه العصافير أكد سويدان أن معظم المربين في الغوطة الشرقية قاموا بإطلاق سراحها بعد فرض الحصار، إضافة إلى مقتل واحتراق الكثير منها أثناء القصف العشوائي الذي طال المنطقة، “العفصور في الغوطة انظلم كالإنسان”.

يبدو أن نار الحرب السورية لم تقض على البشر والحجر فحسب، وإنما كان للطيور والعصافير نصيب من الظلم الذي يعيشه السوريون منذ خمس سنوات.

سوق الطيور في دمشق

كان سوق الطيور في دمشق يقع في الجهة الغربية من شارع الملك فيصل وسط دمشق، على الطرف الأعلى من سوق القرماني من جهة ساحة المرجة قبل أن تأمر محافظة دمشق بإزالته وتحويله إلى حديقة في 2006، ليتحول سوق الطيور فيما بعد إلى بعض من المحلات والبسطات الصغيرة عند مدخل ساحة المرجة تباع فيها أنواع مختلفة من الطيور.

ويرجع السوق إلى العصر المملوكي، بحسب شهادات أهل السوق لصحيفة الحياة في 2004، وأطلق عليه أسماء عديدة بحسب تبدل نشاطه، فقد كان يعرف بسوق “التبن” أو سوق الدجاجين، وكانت تباع فيه اللحوم والأسماك، ثم أصبح أواخر العهد العثماني يعرف باسم سوق “العلافين” نسبة إلى بيع الأعلاف والحبوب فيه.

لكن في العصر الحديث ونتيجة تخصصه في بيع الطيور بكافة أنواعها “الجارحة والحمام وعصافير الزينة” أصبح اسمه “سوق الطيور”، وكان مقصدًا لكثير من “كشاشي الحمام” في سوريا وأصحاب الهواية في تربية عصافير الزينة حتى أصبح سوقًا تجاريًا مشهورًا لدى تجار الطيور.

كما كان مقصدًا أيضًا لكثير من السائحين الذين يزورون سوريا، إضافة إلى الزائرين من دول الخليج الذين كانوا يبحثون في سوريا عن أنواع معينة من الطيور الجارحة “طير حر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة