tag icon ع ع ع

أدخل أبو عبد السلام، الرجل الأربعيني المقيم في مدينة كفرزيتا شمال حماة، ابنه حسين ذا الأربعة عشر عامًا، إلى مقر عسكري لفصيل محلي، معلنًا على الملأ رغبته بتطويع الطفل لـ “الجهاد في سبيل الله”، فهو ذو بنية جسدية قوية، فارع الطول، عريض المنكبين.

حالة وثقتها عنب بلدي قبل عامين في ريف حماة الشمالي، ولا تمثل استثناءً على الإطلاق، بل كادت تغدو قاعدةً معمولًا بها وسط جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، من الميليشيات الرديفة للنظام السوري، وفصائل المعارضة، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، والفصائل الكردية والعربية في قوات “سوريا الديمقراطية”.

في الطرف النقيض، يعتمد النظام السوري على ميليشيات محلية زجت بدورها بالأطفال في ساحات المعارك، وهو ما رصدته مؤسسات حقوقية وإنسانية وإعلامية، ولعل حادثة مقتل عبد الله تيسير العيسى، في تموز 2016، أظهرت انتهاكات كبيرة بحق الأطفال من قبل الميليشيات المحلية في سوريا، بعدما تبين أنه جُنّد للقتال ضد فصائل المعارضة قبل أن يتم الثامنة عشر من عمره.

كما يدفع “حزب الله اللبناني” بالأطفال إلى خطوط القتال الأمامية في سوريا، وتعدّ حادثة مقتل محمد حسين عواضة (16 عامًا)، في تموز 2014، في معارك ضد فصائل المعارضة السورية، نقطة فارقة في تاريخ تجنيد القاصرين. إذ رأى مراقبون أن الإعلان عن مقتل الشاب، والإفصاح عن عمره آنذاك، يعتبر تخليًا من قبل “حزب الله” عن شرط اعتمده سابقًا، بأن أعمار كافة مقاتليه الذين يزج بهم في القتال يجب ألا تقل عن 18.

ورغم أن الحزب تنصّل من القضية التي أثارت ضجّة في لبنان، إلا أن حسابات ومواقع مقربّة منه، على غرار “SouthLebanon.org”، تنشر بشكل دوري نعوات لقاصرين يقاتلون في صفوفه.

المشهد يتكرّر أيضًا عند فصائل المعارضة السورية، التي تنعي بشكلٍ مستمر مقاتلين تحت 18 عامًا.
وعلى العلن، لا يخفي تنظيم “الدولة الإسلامية” تجنيد الأطفال في مناطق سيطرته، تحت مسمى “أشبال الخلافة”، وقد شاركوا في أكثر من عمليةٍ في سوريا أو ظهروا في تسجيلات مصورة لإعدام أسرى في مناطق سيطرة التنظيم.
وتناقلت بعض وسائل الإعلام خبر مقتل عشرات الأطفال السوريين من “الأشبال” إلى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال معارك الموصل الأخيرة، وهو ما أكده “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

الأطفال بين التحضير النفسي والمشاركة الفعلية في القتال

يمازح عبد الله صديقه في المدرسة الإعدادية، “هل تستطيع فك البندقية وإعادتها؟ في الرقة كانوا يعلموننا ذلك”، حوار لا يبدو عاديًا، لكنه طبيعي في هذا الظرف الاستثنائي.

يعتبر سن الثامنة عشر العمر القانوني للتجنيد في القانون الدولي، فيما يعتبر تجنيد أقل من 15 سنة انتهاكًا دوليًا، بينما يعتبر تجنيد بين 15 إلى 18 تجنيدًا قاصرًا، وهو السن الذي يشهد رغبة أكبر بالمشاركة في العمليات الحربية، ما يجعل الكثير من القادة يخضعون للموافقة على ضم عناصر من هذا العمر ضمن مجموعاتهم.

ثمة اختلاف بين المشاركين الفعليين في المعارك والعمليات القتالية، وبين المنتسبين للفصائل، لا سيما مع توزيع المهام إلى مهمات قتالية وأخرى إدارية تابعة للفصائل، فلا يشارك جميع المنتسبين في المعارك، والكثير منهم توكل إليهم مهام إدارية داخل المقرات.

إلا أن المثبت أن معظم الفصائل تقبل انتساب مقاتلين أقل من 15 سنة، على مستوى ضيق، والأمر يكون سريًا، وفق ما خلصت إليه عملية عنب بلدي في التقصي عن الأسباب وراء الظاهرة، والذي واجه مصاعب عديدة، أبرزها رفض المقاتلين والمعلّقين على الموضوع الكشف عن أسمائهم كاملةً.

عبد الرحمن (23 عامًا)، وهو مقاتل في إحدى الفصائل، قال إن أحدهم رفض انتساب ابنه ذي الثلاثة عشر عامًا، رغم رغبة الطفل بالانتساب، ونجحوا بإقناعه للعودة مع والده، على أن يعود للقتال بعد الخامسة عشر، وأكد أن الكثير من الجنود على خطوط التماس الأولى بأعمار بين 15 و19 عامًا.

وجود أطفال بين صفوف المقاتلين ينبع من رغبتهم بذلك، الكثير من الأهالي يعارضون أطفالهم، ما يوقفهم عن إكمال مسيرتهم، البعض الآخر يفضلون بقاء أطفالهم في ذلك الطريق رغم صعوبته، إذ ربما أكسبه ذلك خبرة بالسلاح وقوة بالبنية، معتبرين ذلك أفضل من بقائه في الشارع دون فائدة.

وقد عزز موقف الأهل وتشكيل الجو العام الراضي عن تجنيد الأطفال، عدم اليقين السياسي بالوصول إلى حلّ والشعور بالعجز عن تقديم شيء لصالح الموقف من النظام السوري، سوى التقدم في المعركة، والذي يتمّ، بحسب اعتقاد الأهالي، بزيادة عديد المقاتلين.

سمير (21عامًا) مقاتل آخر في كتيبة تحوي 20 مقاتلًا، قال إن خمسة من مقاتلي الكتيبة لم يتجاوزوا 18 عامًا، أحدهم 15 عامًا ويعمل “قناص دوشكا”، والآخر “ملقم بي كي سي”، والثالث 16 عامًا “اقتحامي”، وأضاف “جميع المنتسبين يتم قبولهم إن كانوا يستطيعون التعامل مع سلاحهم”.

بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقًا للمعاهدات والأعراف المتعلقة، يُحظر تجنيد واستخدام الأطفال دون الخامسة عشر من العمر للعمل بوصفهم جنودًا، حيث تعرفه المحكمة الجنائية الدولية كجريمة حرب.

أما قانون حقوق الإنسان فينص على أن سن الثامنة عشر هو الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال إلى قائمة العار التي يصدرها الأمين العام للأمم المتحدة سنويًا.

رفع “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة” السن الأدنى للتجنيد الإجباري في القوات المسلحة إلى 18 سنة، والذي تعتبر سوريا طرفًا فيه.

الأفكار القتالية تنتشر بين الأطفال بكثرة في مراهقتهم، تحت تأثير قدواتهم من آباء أو أشقاء أو أصدقاء، بسبب الظروف التي يعيشونها، ويبقى أمر انتسابهم غير إجباري، لكن القادة يقبلون انتسابهم، معتبرين أن ذلك “ضروريٌ” لأن المعركة “حرب وجود”.

“أبو طلحة”، “شرعي” لفصيل مقاتل، قال إنه رفض قبول أي طفل تحت الثامنة عشر، لكنه من وقت لآخر يشرح للأطفال بأعمار مختلفة الواقع الذي يعيشونه والأسباب التي تدعوهم للقتال، موضحًا لهم أنه “جهاد دفع الأعداء” وليس “جهاد فتوحات”، ومضيفًا “الكثير من المقاتلين لم يخرجوا بدافع دين إنما بدافع من الظلم الموجود، المقاتلون المنتسبون هم أبناء المناطق التي يقاتلون فيها”.

أما “أبو محمد”، وهو معلّم في مدرسة خاصة، فيوجد بين طلابه مجموعة من الأطفال فقدوا آباءهم في المعارك، وأوضح أن “بعضهم لديه رغبة بالثأر”، لكنه يذكرهم مرارًا بفكرة “الجهاد بالعلم، وليس بالسلاح”.

ولدى رصدنا لتقرير مصور أصدرته حركة “أحرار الشام الإسلامية”، أيلول الفائت، لمجموعة فتية قادوا معارك ضد قوات الأسد في ريف حلب الجنوبي، أظهر التقرير قائد المجموعة، ويدعى “طارق أبو زياد”، وبدا عليه أنه دون الثامنة عشر من عمره، ليتبين عند سؤالنا عنه، أنه دون السابعة عشر، تطوع في الحركة منذ فترة ليست ببعيدة، وأصبح قائد مجموعة فيها، قبل أن ينفصل عن الحركة مع لواء “صقور الشام” مؤخرًا.

وتوجهت عنب بلدي بسؤال إلى قسم الموارد والانتساب في حركة “أحرار الشام”، حول ظاهرة التجنيد، وأوضح رضا الحمصي، الإداري في القسم، أن من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص المنتسب هو العمر، فلا يتم قبول أي شخص تحت عمر الـ 17 عامًا، كشرط أساسي للقبول، كما يتم الأخذ بعين الاعتبار البنية الجسدية للأشخاص المنتسبين، فإن كانت بنية الشخص ضعيفة رغم تحقيقه للعمر المطلوب لا يتم قبوله.

تجنيد الأطفال ظاهرة لا يمكن نفيها في منطقة الجزيرة

وإلى المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” المعلنة من قبل حزب “الاتحاد الديمقراطي”، والتي جوبهت بانتقادات محلية بخصوص تجنيد الأطفال، تعترضنا حادثة اختطاف الطفلة لافا أنور حنان (14 عامًا) من أمام منزلها في قرية معراتة، التابعة لمدينة عفرين شمال حلب، في كانون الثاني من العام الجاري، ليتبين لناشطين أنها اقتيدت لأحد مراكز التدريب التابعة لوحدات “حماية الشعب” الكردية.

حادثة لافا كانت مثالًا لكثير من الحوادث المشابهة التي تداولها ناشطو مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين، حيث تسيطر فصائل “الإدارة الذاتية”، رغم صدور قانون “واجب الدفاع الذاتي” مطلع العام الجاري، والذي ينص على أن السن القانوني للتجنيد بين 18 و30 عامًا للذكور فقط.

وفي حديث لعنب بلدي مع عضو ديوان المجلس التشريعي في “مقاطعة الجزيرة”، عبد الكريم سكو، أوضح أن تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات المسلحة ليس بالأمر الجديد، بل له ارتباطات وثيقة بثقافات ووعي المجتمعات والشعوب.

وقال سكو “بالنسبة لي، أعتبر ظاهرة تجنيد الأطفال مخالفة للمواثيق الدولية، ويجب حثهم على التعلم واكتساب العلوم والمهارات، كي يصبحوا أجيالًا يحتذى بهم في قيادة مجتمعاتهم وشعوبهم، والأجدى أن يلقوا نصيبهم من العلم والمعارف، إلى جانب ممارسة الهوايات التي ينجذبون إليها”.

وحول تجنيد الأطفال في مناطق الإدارة الذاتية، أو ما يطلق عليها “روج آفا” (غرب كردستان)، لا سيما ضمن وحدات “حماية الشعب” ووحدات “حماية المرأة”، قال المسؤول إنه “لا يمكن نفي هذه الظاهرة عن روج آفا، فمثلها مثل أي منطقة من مناطق سوريا والعالم، لا بد من وجود حالات، ولكنني أؤكد أنها قليلة جدًا مقابل هذا التضخيم الإعلامي، إضافة إلى أن القائمين كانوا دومًا يتجنبون مشاركة القاصرين في العمليات القتالية مهما كانت الأسباب”.

وأشار سكو إلى أن “الإدارة الذاتية” وجدت ضرورة في العمل على إعادة دمج القاصرين، الذين تم تجنيدهم سابقًا، في المجتمع والعمل، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم، وبالتالي سارعت إلى تسريحهم بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية والإنسانية، وأضاف “أستطيع القول اليوم بأنه لا يوجد بين المقاتلين قاصرون، ولكن هناك بعض الأطفال في شوارع مدننا يتباهون بالزي الرسمي لوحدات حماية الشعب… لا أدري إذا كان البعض يظنهم من الوحدات”.

كلام سكو لا يتفق تمامًا مع تقريرٍ لمنظمة “هيومين رايتس ووتش” في تموز 2015، تحت عنوان “قوات كردية تنتهك حظر تجنيد الأطفال”، الذي أوضح أن وحدات حماية الشعب وقعت، في حزيران 2014، “صك التزام” مع منظمة نداء جنيف غير الحكومية، تعهدت فيه بتسريح جميع المقاتلين دون سن 18 عامًا في غضون شهر. وبعد شهر، قامت الوحدات بتسريح 149 طفلًا.

ورغم الوعد الذي قدمته، وتحقيق بعض التقدّم، وثقت “هيومن رايتس ووتش” على امتداد سنة من تاريخ التوقيع، التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف الوحدات، ويبدو أن بعض الأطفال قتلوا في معارك في 2015، بحسب التقرير.

وأكدت “هيومين رايتس ووتش” أن عشرة من بين 59 طفلًا ذكرت تقارير أنهم التحقوا بوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في السنة الماضية هم دون سن 15 سنة.

بدوره أكّد أمين حسام، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، أن كثيرًا من التنظيمات “الراديكالية” جنّدت الكثير من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، في معسكراتهم الإلزامية التدريبية بالشكلين الترغيبي والترهيبي.
وحذر حسام من أن ذلك سيخلق جوًا من عدم الاستقرار وفقدان جيلٍ كاملٍ في المستقبل، داعيًا الأمم المتحدة لمراقبة التنظيمات وضبط آليات العمل لديها بالشكل الملائم.

عمليات تجنيد الأطفال ظاهرة يصعب كبحها والقضاء عليها، طالما أن الحرب مستمرة، وفق مسوغات ثورية ودينية وقومية ومادية، من جميع الأطراف المتصارعة في سوريا.

تابع قراءة ملف: من المهد إلى الحرب.. أطفال سوريا كبروا

– أطفال مقاتلون في سوريا.. جميع الأطراف تنتهك القانون

– أرقام “مخيفة” عن واقع الأطفال في سوريا

– “يونيسف” لعنب بلدي: لا نستطيع الوصول لكل الأطفال وتحديد المجرم ليس مهمتنا

– المعاهد الشرعية للأطفال.. منهجٌ يلقى قبولًا في إدلب

– معلمون يعملون “آباءً” لأبناء الشهداء في إدلب

– الغوطة الشرقية.. المجالس المحلية ومديرية التربية ترعيان التعليم

– مكتب “أصدقاء اليتيم” يرعى نشاطاته في دوما

– “بيت العطاء” مدرسة داخلية لرعاية الأيتام في الغوطة الشرقية

– “لمسة عافية” يرعى ذوي الاحتياجات الخاصة

– روضة “البيان” تنفرد برعاية الصم والبكم في الغوطة

– إصلاحية للأطفال “الأحداث” تُعيد تأهيلهم في الغوطة الشرقية

– حوران.. “غصن زيتون” تجربة رائدة في العناية بالطفل

– أطفال أطلقوا شرارة الثورة ثم غطوها إعلاميًا

– نشاطات لإنقاذ أطفال حلب.. التسرب من التعليم طال نصفهم

– حمص.. المنظمات والهيئات تُخفف معاناة الأطفال والمشاكل مستمرة

– “الإدارة الذاتية” تُجهّز منهاجًا جديدًا للتلاميذ والطلاب في الحسكة

– أطفال سوريون أثارت مأساتهم الرأي العام العالمي

– الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.. معركة بعد المعركة

– المسرح والتمثيل طريقٌ للسلام في “بسمة وزيتونة”

– الطفل السوري ضحيةٌ لجميع الحروب

لقراءة الملف كاملًا: من المهد إلى الحرب.. أطفال سوريا كبروا

مقالات متعلقة