قيامة أرطغرل استحضار التاريخ من الواقع

نجوم مسلسل قيامة أرطغرل

camera iconنجوم مسلسل قيامة أرطغرل

tag icon ع ع ع

محمد جغيف

لم تعد قصة مسلسل “قيامة أرطغرل” بن سليمان شاه خافية على أحد بعد النجاح الكبير الذي حققه المسلسل، الذي تدور أحداثه حول قبيلة قايي وزعيمها أرطغرل، في فترة اشتد فيها الضغط المغولي على القبائل التركمانية التي كانت تقطن أواسط آسيا واضطرت إلى التوجه غربًا، خوفًا من هذا الخطر المدمر، والموت القادم من الشرق.

كانت قبيلة قايي إحدى تلك القبائل، وبدأ زعماؤها بالبحث عن موطن لهم وسط تخبط يعيشه العالم الإسلامي آنذاك، فالخلافة العباسية تحتضر، والإمارات الإسلامية في تناحر، والخطر الصليبي يتحين الفرص للانقضاض من جديد على الأماكن المقدسة.

وأرطغرل هو والد عثمان الأول، مؤسس السلالة العثمانية، التي حكمت البلقان والأناضول والمشرق العربي وشمال إفريقيا طيلة 600 عام، إلى أن انقضى أجلها مع إعلان قيام الجمهورية التركية عام 1922.

مرت القبيلة التي هاجرت باتجاه الأراضي السلجوقية في الأناضول بعدة مناطق جغرافية يكفي أن نذكر منها حلب، حتى ننطلق من الواقع باتجاه التاريخ الذي عاشته شخصيات المسلسل، إذ يروي لنا التاريخ مستحضرًا إياه من روح الواقع الذي نعيشه، ونعاني آلامه في كل لحظة، وما نجاح المسلسل إلا لمحاكته الواقع الذي قد يكون أقسى مرحلة تاريخية تمر بها الجغرافية التي تدور عليها أحداثه بعد الغزو المغولي.

يضع المسلسل المشاهد أمام الواقع مباشرة ليصف الوضع الإسلامي، ولا سيما وضع تركيا، في مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة في إطار القصة التاريخية.

إن الحالة التي تعيشها قبيلة قايي في العمل تستمد إحساسها بعدم الاستقرار من الواقع المبعثر للأمة، والصراع، والضغط الذي تقع تحته تركيا بالدرجة الأولى في وسط فوضى عارمة تعيشها الجغرافية.

ويستبشر العمل الولادة للأمة من جديد من خلال طرحه لحلم أرطغرل في تأسيس دولة إسلامية تحمل الراية، وتمنع الظلم.

كما يطرح مفاهيم تتصف بعمقها بالنسبة للشخصية المسلمة ولا سيما في ظل واقعها المعاش كالإيمان من خلال ارتباط المسلم بالله، وقناعته بالنصر المحتم، والعدالة التي يدعو لتطبيقها من أجل الخلاص، والظلم الذي يدعو لمواجهتة، ونصرة المظلوم التي يراها واجبًا لا مفر منه يقع على عاتق المسلم بالدرجة الأولى،  والهجرة التي يجسدها من خلال هجرة القبيلة المستمرة للوصول إلى بر الأمان، إذ تعتبر أنها البداية في المكان الذي ينتهي فيه كل شيء.

ويحذر من الخيانة في عالمنا الإسلامي ولا سيما من الأقربين، وأنها أصعب من مواجهة العدو الواضح، واقتتال الإخوة الذي يرى فيه هلاكًا محققًا لهما، مبديًا ذلك بعبارات صريحة ومخاطبًا بها المشاهد معتبرًا دم الإخوة خطًا أحمر متى ما سال يصعب إيقافه، إضافة لكل هذا يدعو إلى عدم فقدان الأمل بالله، واليأس المحرم.

ويمكن لمشاهد المسلسل أن يلمس التقارب بين قضية الانقلاب الفاشل في تركيا، وخيانة كورتوغلو لوالد أرطغرل سليمان شاه، وطريقة التعاطي مع الحادثتين، رغم أن الجزء الأول من المسلسل صوّر قبل حادثة الانقلاب.

حتى أن المسلسل في بعض الأحيان يستحضر عبارات كثيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد ألقاها في خطاباته، وعليه يمكن أن نقول: إنه يحاكي الواقع، ويجاريه، ويستحضر من خلاله التاريخ المماثل لما نعيشه من أحداث.

في النهاية هو عمل فني ذو بعد إسلامي يروي التاريخ بإحساس الواقع، فالتاريخ يعيد نفسه وفقًا لبعض النظريات.

ورغم أنه يعتمد “الفانتازيا” ويشوبه بعض المغالطات التاريخية، إلا أن المسلسل هادفٌ يرتقي للمستوى المرجو من الفنون التي مازلنا دون تسخيرها لخدمة قضاينا.

ولا ننسى ختامًا أن شخصيات المسلسل هي شخصيات تاريخية عاشت حقبة حقيقة مشابهة لما نعيشه، وأسست لقيام دولة حكمت ثلاث قارات لقرون عدة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة