جولة ميدانيّة في حارات حمص المؤيدة

tag icon ع ع ع

مؤمن الحمصي – حمص

بسيارة طرطوسية معتّمة، وبطاقة أمنيّة تمنح صاحبها ضمان «عدم التعرض»، انطلقنا أنا ومرافقي من إحدى الحارات المتبقيّة في حمص، إلى الضفة الأخرى من الوجود، حيث مؤيدو الرئيس بشار الأسد، يقطنون..
كانت نقطة مرورنا الأخيرة قبل الدخول «شارع البرازيل»، الذي أطلق عليه لقب شارع الموت، ليتشارك اللقب مع شوارع أخرى، مثل شارع الستين، دلالةً على الخطورة الشديدة لهذا الشارع، باعتباره نقطة تماس -سابقًا- بين قوى الأمن والجيش النظاميّ من جهة، وكتائب الجيش الحرّ من جهةٍ أخرى.. ورغم مضيّ سنة كاملة على استعادة الجيش السيطرة عليه، ومدّه بالخدمات مجددًا، وعودة جزء كبير من السكان إليه، إلا أنه مفتقدٌ للحركة، إذ لا تزال عشرات المحلات التجاريّة والخدميّة مغلقة من قبل أصحابها، مع بعض الاستثناءات، إذ يتخوف الأهالي من غدر المستقبل مجددًا، وتكرار ما حصل سابقًا..
عند نهاية الشارع، حاجزٌ للجيش، مقسّم إلى ثلاث خطوط، خط عسكريّ، وآخر مدنيّ، وثالثٌ للشاحنات، مررنا من خلال الخط العسكريّ، أبطء مرافقي من سرعة سيارته، وبحركة خفيفة لوّح ببطاقة «عدم التعرض» الصادرة من مكتب الأمن الوطنيّ العام التابع لعليّ مملوك… «أهلا وسهلًا» ردّ العسكريّ مفسحًا الطريق للسيارة، لتشق دربها باتجاه دوار الرئيس، حيث بوابة الدخول إلى الحارات المؤيدة.
ما هي إلا دقائق بسيطة جدًا، لتلاحظ الفرق الهائل، في حركة الشوارع، النشاط التجاريّ، الكثافة السكانيّة، بين الحارات الثائرة، وتلك المؤيدة للنظام، إذ تفيض شوارع هذه الأخيرة بحركة المارّة، الطلاب، النساء، والشيوخ، تغذيها محلات تجارية وخدمية متلاصقة، حيث لن تجد محلًا مغلقًا، ويمكن ببساطة ملاحظة حركة الشراء القوية في السوق، وامتلاء المحلات بالبضاعة، في حين لا تقوى المحلات العاملة على الجانب الآخر من حمص على ملئ مخازنها بالبضاعة خوفًا من عدم الاستقرار، أو لقلّة السيولة الماليّة.
حاولت استقراء أوجه الناس، فلم أجد ذلك الخوف الذي يشاع على صفحات الفيسبوك، حاولت استقراء البيوت، فلم أجد ذلك النزوح (أو الهروب) الذي يروّج له.. لا أدري، لعليّ لم أحسن القراءة.
ها نحن ذا نصل إلى وادي الذهب، وتحديدًا إلى مكان مستودع الذخيرة، الذي كان لانفجاره منذ أكثر من شهر، دورٌ كبير في تهدئة جبهة حمص، اللافت للنظر، هو غياب كل مظاهر الانفجار، زجاج النوافذ تم استبداله، الجدران تمّ طلائها، الشوارع تمّ تنظيفها، لا يبدو أن هناك شيءٌ ما قد حصل هنا، وهذا بالتأكيد يعطي انطباعًا بإرادة الحياة.
العساكر، المسلحون المدنيون، المظاهر العسكريّة لا تغيب عن متر مربع واحد في تلك الحارات، مما يوحي إليك بأنك ضمن ثكنة عسكريّة كبيرة، كنا نسمع رشقات من الرصاص أحيانًا، سألت مرافقي عن السبب، فأخبرني بأنه الرصاص المرافق في تشييع قتلى قوى الجيش والأمن.
سوق السنّة الذي سمعت عنه كثيرًا، رأيته بعيني، أسواق للسنة إن صحّ التعبير، تعجّ بكلّ شيء يخطر على بالك، من خلاطات المياه المنزليّة، وحتى الثريات الفاخرة، كل المسروقات تباع هنا، بأسعار أقرب ما تكون للرمزيّة، أحد تلك الأسواق حمل اسما مستفزًا «سوق الشهداء»، يقصدون بهم شهداء الأمن والجيش الذين «لولا دمائهم لما تطهرت الحارات الأخرى من الإرهابيين»، ولما غنموا تلك الغنائم.
ملصقاتٌ ولافتات كثيرة، تحمل صور قادة النظام، أو صور قتلى قوى الأمن والجيش، إضافة إلى المنشورات التي تحثّ المواطنين على مساعدة القوات المسلّحة أثناء تأدية مهامها.
استفسرنا عن كثير من أسعار المواد، الأساسية وغيرها، وكانت دومًا أرخص من أسعار مختلف المناطق السورية، وهذا ربما يفسّر حركة السوق النشطة.
أيضًا مما لاحظناه وجود الكثير من المحجبات في شوارع تلك الحارات، إذ يقطن فعلًا الكثير من أهل السنّة الحارات المؤيدة، بعد أن نزحوا من مناطقهم، بحثًا عن الأمان والرخص.
عدنا أخيرًا  إلى شارع البرازيل، حيث المقارنة الحيّة الصارخة، التي لا ندري متى سيؤذن لها أن تتغيّر.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة