tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 99 – الأحد 12/1/2014

399289_528474067165567_1101547426_nبهاء زيادة – عنب بلدي

تعاني مدينة داريا نقصًا في الكوادر على كافة المستويات، الطبية والعلمية والدينية والعسكرية والحرفية، ما يزيد من تفاقم المشاكل الناتجة عن الحصار الخانق الذي تعيشه منذ قرابة عام. فغنى المدينة بالكوادر المؤهلة من أبنائها ذوي الكفاءات العالية مكنها من تسيير أمورها على أكمل وجه حتى بداية الحملة العسكرية في تشرين الثاني 2012، حين غادرت معظم هذه الكوادر المدينة، ما حمّل من بقي فيها أعباء ومهام مضاعفة، وألزمهم بسد ثغرات كبيرة فرضتها ظروف المعركة؛ وبذلك أفسح المجال للكلام عن الأخطاء المتراكمة نتيجة نقص المؤهلات وغياب القائد والحكيم والمتخصص في شتى المجالات.

  • الكوادر والمؤهلات بين غائب ومغيّب

بدأت المشكلة حين عمل النظام على اعتقال جل الكفاءات من العلماء والمشايخ والأطباء والجامعيين ممن يمكن أن يكون لهم دور ريادي في المدينة، وتفاقمت بشكل أكبر إثر استشهاد عدد من الشباب ذوي الكفاءات وأصحاب الأدوار في تسيير أمور المدينة، فترك غيابهم فراغًا كبيرًا أتعب من جاء بعدهم، إذ لم يوجد من يسد مكانهم أو يؤدي مهامهم كما أدوها هم.

وتحتاج مدينة داريا، حسبما ذكر أبو نذير، عضو المجلس المحلي للمدينة، خلال حديثه لعنب بلدي، إلى كل شاب مخلص وغيور خرج منها، كما أن الحاجة ملحة إلى القاضي والقانوني الذي يفصل بين الناس ويلجؤون إليه لحل مشاكلهم، الحال نفسه بالنسبة للعلماء والدعاة الذين تقع على عاتقهم مهمة توجيه الناس وتقديم الفتاوى في الأمور التي طرأت وتطرأ في ظروف المعركة؛ وكذلك من المقاتلين والميدانيين والمخططين العسكريين والمهنيين والحرفيين، بالإضافة إلى الأطباء من كافة الاختصاصات، كي يخففوا من معاناة الجرحى والمصابين ويدعموا الكادر الطبي الموجود حاليًا.

وأضاف أبو نذير أن «كثيرًا من الأعمال تتوقف بالدرجة الأولى على الموارد البشرية التي تتحمل أعباء إنجازها، والتي تقوم بابتكار المشاريع بما يتوافق ومصلحة المدينة في ظل الظروف القاسية»؛ إذ يوجد داخل المدينة العديد من المثقفين والدعاة وأصحاب المهن، لكن قلتهم لا تتناسب مع المسؤوليات الكبيرة التي تلقيها ظروف المعركة على عاتقهم، بحسب أبو نذير، ولا يزال هناك الكثير من الأعمال والمشاريع المدنية والعسكرية التي تجعل المدينة أقوى في وجه النظام، وأكثر تنظيمًا لتسيير أمور المعركة.

  • محاولات استقطاب وحلول لسد الحاجة

ومنذ بداية الحملة لاحظ الناشطون في المدينة ضرورة تكثيف الجهود وحشدها ضمن عمل منظم قادر على الاستمرار مع طول أمد المعركة، ما يستدعى وجود أشخاص لهم تأثير على الأهالي والناشطين وقدرة على توجيههم كالعلماء والخطباء، فقام بعض الشباب بتوجيه دعوة للخطباء والمشايخ بشكل رئيسي للدخول إلى المدينة -عندما كان ذلك ممكنًا-، إلا أن الدعوات لم تلق استجابة «للأسف كانت حجة أحدهم بأنه لم يكن في الحراك الثوري في البداية، ولم يؤخذ رأيه بأي نشاط ثوري وغير مستعد أن يشارك الآن، فضلًا عن آخر نصب نفسه مرشدًا أعلى من خارج المدينة»، كما ذكر أحد أعضاء المجلس المحلي.

وفي سياق ذلك، يقول الأستاذ علاء رئيس المخفر، أن الحاجة الملحة خلال الفترة الماضية دعت إلى تشكيل هيئة قضائية تحكم في المنازعات والمشكلات، ما دعا المخفر للتواصل مع هيئة قضائية ثورية خارجية لعدم وجود الكفاءات من القضاة والمحامين ممن لديهم باع في التحقيق داخل المدينة.

ورغم النقص الكبير في الكوادر المتوفرة إلا أن ذلك لم يحد من المبادرة والمحاولة للوصول إلى الأفضل بأقل الخسائر الممكنة، ورغم أن المدينة تحتاج إلى أضعاف الموارد البشرية الموجودة فيها لتستمر في معركتها المصيرية على كافة الأصعدة، فقد تمكنت الكوادر المتوفرة من تغطية النقص الموجود قدر المستطاع بالتكاتف والتعاون ومضاعفة ساعات العمل، حيث يقوم بعض الأشخاص بمواصلة الليل بالنهار من أجل تعويض النقص الحاصل على كل المستويات وخاصة على جبهات القتال حيث يضطر المقاتل أن يرابط خمس عشرة ساعة متواصلة أو يزيد.

ويوضح أبو براء، أحد عناصر الجيش الحر، أن صمود المدينة خلال الفترة الماضية تم بوجود عدد قليل جدًا من المقاتلين ذوي الخبرة العسكرية والضباط ممن لهم باع في المعارك طويلة الأمد،» لو كان بين صفوفنا ضباط يوجهون عملنا ويزيدون خبرتنا لما استطاع النظام إحكام حصاره علينا، ولكن مع ذلك استطعنا أن نكبده خسائر جيدة».

 وكذلك الأمر بالنسبة للعاملين في المجالات الطبية والخدمية والإغاثية وغيرها، إذ تحتاج المدينة، بحسب مراسل عنب بلدي، إلى ذوي الخبرة في إصلاح مولدات الكهرباء وإصلاح السيارات وإصلاح القطع الإلكترونية والكهربائية كالموبايلات و(العواكس) الضوئية ومحولات الطاقة، فضلًا عن أنه يوجد بعض الأشخاص من ذوي الخبرة والممارسة أخذوا على عاتقهم هذه المهام، ولكن ذلك لم يكن كافيًا فعددهم قليل ولا يلبي احتياجات الأهالي والعاملين في المدينة.

وبدوره أيضًا طلب المجلس المحلي المساعدة من بعض الأطباء المختصين كي يدخلوا إلى المدينة ويسدوا النقص الحاصل في الكادر الطبي، فهو بحاجة لأطباء في عدة اختصاصات كالعينية والقلبية والنسائية والسنية، كما يقول الدكتور حسام مدير المشفى، الذي أوضح أنه في البداية كان طبيب الجراحة العظمية يمارس دوره في كل الاختصاصات مضطرًا بسبب نقص الكوادر، إلى أن انضم فيما بعد طبيب في الجراحة العامة، ليخفف وجوده عبئًا عن العاملين في المجال الطبي.

كما طُلبت المساعدة من بعض الشباب القادرين على تقديمها والمتواجدين داخل المدينة؛

حيث استجاب بعضهم وانضم إلى جبهات القتال، ومنهم من عمل في المجالات الإعلامية والإغاثية والطبية وغيرها. إلا أنه وفق ما يقول أمين سر المجلس المحلي «معظم من طلبنا منهم الدخول لم يستجيبوا لذلك، فضلًا عن الذين لديهم أعذارهم الخاصة».

  • انعكاسات ومشاكل

وإذ تعيش داريا اليوم مرحلة صعبة جدًا، وتتعقد ظروف المعركة يومًا بعد يوم، فإن معظم المشكلات التي حصلت وتحصل ينتج جزء كبير منها عن غياب العنصر الأهم في المعركة، وهو الإنسان المتخصص الذي يجيد القيام بالأعمال الموكلة إليه بكفاءة ومسؤولية. إذ إن معظم الشباب ممن يتصدون للعمل هم بحاجة للخبرة، ما يسبب كثيرًا من المشاكل التي لا يتحملون مسؤوليتها بشكل مباشر، فتلقي بظلالها على الناس داخل المدينة، وتجعلهم يضيقون ذرعًا بالخلافات الناتجة جراء ذلك. فيما يستمر بعض العاملين ممن ثبت عدم كفاءتهم بعملهم لعدم وجود البديل الكفؤ المناسب، كما يقول أبو أمجد من داخل المدينة.

  • مسؤولية مشتركة

ولا أحد ينكر أن المعركة قد أفرزت كثيرًا من الأشخاص الذين ساهموا بسد فراغ كبير في ميادين العمل المختلفة، ولكنها لا تزال بحاجة إلى أعداد كبيرة منهم لتستطيع الصمود والاستمرار في المعركة، «وهذا ما يجعلنا نسعى جاهدين للبحث عن كفاءات خارج المدينة تضيف شيئًا جديدًا يطور واقع المعركة وينهض بها»، يضيف أبو نذير، «وهذا صعب جدًا في ظل الحصار المطبق على المدينة».

ومن المتوقع أن تؤول الأمور إلى مزيد من التأزم والتعقيد في ظل الخلافات الناتجة جراء نقص القدرة البشرية المثقفة والواعية في المدينة، والقادرة على بث روح الجماعة والتوحد بين كافة العاملين في المدينة، «وهذا يتحمل مسؤوليته كل من يستطيع المساعدة ولم يفعل» كما يقول أبو نذير.

مقالات متعلقة