tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

دون ضوابط مهنية، أو قوانين صارمة تحدّ من انتشار خطاب الكراهية في فضاء الإنترنت، تنشط عشرات المواقع الإلكترونية والحسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتبع أو تسوق لجماعات فكرية أو سياسية أو عسكرية في سوريا، غير آبهة بمجموعات ومكونات بشرية متجذرة في الأرض السورية، فتدفع بخطاب مثقل بالحمولات السياسية والقومية والدينية، يزيد الاحتقان المجتمعي، الذي خلفته ست سنوات من الثورة والحرب، والتداخلات الدولية المعقدة.

ومن الطبيعي، اليوم، لمتتبع الشأن السوري عبر “السوشال ميديا”، أن يلحظ مرور عشرات المفردات والمصطلحات التي تحمل الكثير من الكراهية، في خطاب تغذى على الحرب، وانحاز لفصائل وأحزاب وجماعات دينية أو عرقية، كأن نرى أخبارًا تحمل مفردات “النصيرية المشركون، الأكراد الملاحدة، العرب الدواعش، المرتدون، الإرهابيون، الصحوات… وغيرها”.

صحفيون سوريون التقينا بهم، أجمعوا على ضرورة الاعتراف أولًا بوجود “الكراهية”، التي عززت الخلافات بين مكونات المجتمع، والسعي لمعالجة “الغوغائية” الإعلامية المفرطة، بالعمل على تهذيب الخطاب الإعلامي، وتحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه المجتمع السوري بمختلف مكوناته، دون المساس بحرية التعبير التي لجمها النظام السوري عقودًا طويلة.

كيف تعزّزت الكراهية بين مكونات المجتمع؟

رافق اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في آذار 2011، منعطف إعلامي، حوّل المشهد من إعلام شمولي في قبضة حزب “البعث” الحاكم، إلى فضاء واسع، شهد ولادة صحف وإذاعات ووكالات ومواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية، أطلق عليها وصف “الإعلام السوري الجديد”، وكان لها دور بارز في نقل الوقائع المحلية إلى العالم.

كذلك شهدت الساحة، مع اتجاه النظام إلى العنف، نشوء منصات إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذات اتجاهات سياسية وعسكرية وإثنية مختلفة، حوّلت الاختلاف الذي تتميز به سوريا إلى ساحة خلاف، وتبلورت في الأثناء مصطلحات مستحدثة، أطلقت على مجموعات بشرية بأكملها، فأحدثت شرخًا مجتمعيًا، وغذّت خطاب الكراهية.

المسؤول الأول عن الحالة الراهنة، وفقًا لصحفيين استطلعت عنب بلدي آراءهم، هو النظام السوري، الذي أطلق أحكامًا مسبقة على المتظاهرين ضده عبر المنصات الإعلامية الرسمية أو المقربة منه، واصفًا إياهم بـ “المخربين، الإرهابيين، العملاء، المندسين، والسلفيين”، لتكون أولى حالات الاصطفاف السياسي إعلاميًا، فإما أن تكون وطنيًا مع الدولة أو “إرهابيًا” ضدها.

تطورت حالة الاصطفاف السابقة، لتشمل معظم شرائح المجتمع، مع التعقيدات العسكرية والسياسية في سوريا، ونشوء تنظيمات أصولية تبنّت أفكارًا مؤدلجة انعكست على خطابها الإعلامي. على سبيل المثال تنظيم “الدولة الإسلامية”، ذو الذراع الإعلامية المتطورة نسبيًا، والمتغلغلة في معظم أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي، أطلق أوصافًا تحضّ على الكراهية ضد مناهضيه كـ “الملاحدة الأكراد، النصيرية المشركون، الصحوات المرتدون، الغرب الكافر، الصيلبيون، وغيرها”.

كذلك كان لمنصات بعض الأحزاب السياسية أو الفصائل العسكرية دور في تغذية هذا الخطاب السلبي، الموجه عبر الإنترنت ضد مجموعات بشرية بعينها، ما يهدد السلم الأهلي على أرض الواقع، كبعض المواقع الإلكترونية والصفحات عبر “فيس بوك”، المقربة من حزب سياسي كردي، تبنت بدورها خطابًا معاديًا للعرب، بوصفهم “الدواعش”، وأخرى عربية، تبنت وصف الكرد بـ “الانفصاليين”، على سبيل المثال.

الصحافة السورية.. “معًا لنبذ الكراهية”

بدعوة من عنب بلدي، انعقد في مدينة اسطنبول التركية في الثامن من أيار 2017 ملتقى إعلامي سوري لمناقشة واقع الإعلام المحلي ودوره في معالجة خطاب الكراهية. حمل الملتقى عنوان “الصحافة السورية معًا لنبذ الكراهية”، وحضرته 14 مؤسسة إعلامية سورية، مرئية ومسموعة ومقروءة.

وخرج المشاركون بمجموعة من التوصيات، الموجهة إلى وسائل الإعلام السورية وإلى العاملين فيها، بهدف التقليل من الرسائل الإعلامية التي تحتوي أفكارًا أو معلومات أو مفردات من شأنها أن تسبب أو تزيد الاحتقان بين مكونات المجتمع السوري، بما يؤدي للوصول إلى خطاب إعلامي مهني ووطني، يعزز السلم الأهلي في سوريا.

وتوصّل الملتقى إلى تعريف اتفق عليه المشاركون، حدّد خطاب الكراهية بأنه “كل خطاب يتضمن إقصاءً أو تهميشًا أو إهانة أو تحريضًا أو تمييزًا سلبيًا أو تنميطًا مسيئًا أو ذمًا موجهًا ضدّ مجموعة بشرية، بشكل مباشر أو مبطّنٍ، وفق سياسة ممنهجة أو اعتباطية”.

بماذا خرج المجتمعون؟

على مستوى المصطلحات والألفاظ، شدد الملتقى على ضرورة “تجنب المفردات والمصطلحات التي قد يثير تعميمها حفيظة أي مجموعة بشرية في سوريا، واستخدام مصطلحات تميّز بوضوح بين تقييم الجهات السياسية أو الحزبية أو العسكرية، وبين وصف مجموعة بشرية بأكملها، واستخدام مصطلحات جامعة، تكرّس مفهوم المواطنة، وتسهم في الحفاظ على السلم المجتمعي”.

أما على صعيد المحتوى الإعلامي، فشدد المشاركون على ضرورة تطبيق وسائل الإعلام السورية للمعايير المهنية في الصحافة، ونقل المعلومات للجمهور وشرحها بموضوعيّة وتوازن، وتحري الدقة باختيار المصادر في القضايا المثيرة للجدل، وعدم الخلط بين الرأي والخبر، والتمييز بين العمل السياسي والعمل الصحفي، وإغلاق المنابر في وجه الأصوات التي تثير الكراهية.

كذلك أوصى الملتقى بضرورة “تنويع المحتوى الإعلامي بما يضمن تغطية عادلة لكل المكونات السورية، وتخفيف التوتر في الرسائل الإعلامية بين العرب والكرد، وتطبيق ذلك بين بقية المكونات”.

مجموعات عمل في ملتقى ”الصحافة السورية معًا لنبذ الكراهية“ - 8 أيار 2017 (عنب بلدي)

مجموعات عمل في ملتقى ”الصحافة السورية معًا لنبذ الكراهية“ – 8 أيار 2017 (عنب بلدي)

واتفقت الوسائل المشاركة على تضمين الرسائل الإعلامية التي تحض على “الامتناع عن نشر كل ما يشكل دعوة إلى العنف والتمييز وإثارة النعرات، ونشر مواد إعلامية تهدف إلى تعزيز ثقافة تقبّل الآخر والتعريف به، وتسهم في ترسيخ قيم العيش المشترك، وإطلاق حملات إعلامية ضدّ التطرف والإقصاء والإلغاء”.

ورأى المجتمعون ضرورة انضمام المؤسسات الإعلامية السورية لمواثيق شرف إعلامية، محلية أو دولية، تحض على نبذ الكراهية، وتبني سياسات توظيف “تعزز التنوع المناطقي والعرقي والإثني، ضمن كوادر المؤسسات الإعلامية السورية”، ووضع قواعد سلوك للعاملين في المؤسسات الصحفية، تضمن ابتعادهم عن خطاب الكراهية، في تغطياتهم الصحفية، وفي منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وشدد الملتقى على أهمية تكثيف البرامج التدريبية التي تتناول القضايا الميثاقية والحقوقية في الإعلام، وإبرام شراكات بين المؤسسات الإعلامية المحلية من خلفيات مختلفة، من أجل تعزيز التعاون الإعلامي بين المؤسسات الوطنية، والوصول إلى الجمهور السوري بكل مكوناته، والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية السورية، لإنتاج دليل مشترك للمصطلحات الإعلامية “الإيجابية والسلبية”، التي قد تؤدي إلى زيادة أو تقليل الكراهية في الخطاب الإعلامي.

مؤسسات إعلامية عربية وكردية:
ننبذ الكراهية وننادي بالسلم الأهلي

تحدثت عنب بلدي إلى إداريين وصحفيين يمثلون ثماني وسائل إعلامية سورية، حول تجاربهم في معالجة خطاب الكراهية، والتحديات التي يواجهونها في هذا الإطار، وذلك على هامش ملتقى “الصحافة السورية معًا لنبذ الكراهية”.

لجينة حاج يوسف، رئيسة تحرير الأخبار في راديو “روزنة”، رأت أن خطاب الكراهية المنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، له انعكاس على المؤسسات الإعلامية، باعتبار أن الجمهور مستعدٌ لمثل هذا الخطاب.

“حاولنا في روزنة أن نكون حياديين مع الأطراف، وموضوعيين في الطرح، والتركيز على تعزيز التعايش بين السوريين، ومحاولة الحرص على المواضيع الثقافية، كالثقافة الكردية وتعريف السوريين بهذا المكوّن”، مضيفة “المواضيع التي خرجت عبر روزنة تندرج تحت إطار السياسة التحريرية للمؤسسة، مع التركيز على بناء السلم الأهلي، وضرورة الحفاظ على السلم المجتمعي، والابتعاد عن نشر مواد تخلق حساسيات لا تستند على توثيق صحيح”.

من جهته أوضح مدير عام قناة “حلب اليوم” (طلب عدم ذكر اسمه)، أن السياسة العامة للقناة منذ تأسيسها، تقوم على احترام المكون الكردي واعتباره مكونًا أساسيًا في المجتمع السوري، واحترام خصوصياته من لغة وعادات وتقاليد، وأضاف “اعتبرنا أن الموجز الكردي عبر القناة هو احترام لهذه اللغة، وتغطية الشأن العام في المناطق الكردية هو أمر أساسي لنا، بما فيها المواضيع الثقافية والفلكلورية”.

وأشار مدير “حلب اليوم” إلى حساسية استخدام المصطلحات، “نحن حريصون من هذا الجانب، فعملنا على فصل الخطاب وتحديده وعدم تعميمه، كأن نقول هاجم الفصيل وليس هاجم الأكراد”، مضيفًا “هناك خطاب مسيّس في المناطق الكردية، وحسابات سياسية معقدة، فلذلك حاولت القناة الحفاظ على خطابها بهذا الشأن، في أن الكرد مكون سوري أساسي وجب تخصيص تغطية جيدة له”.

الصحفي في مؤسسة “أورينت”، عمر الخطيب، شدد على ضرورة تحديد ما هي “الكراهية”، ووجوب “عدم السماح بالتعميم وإلباس مجموعة بشرية بحزب أو شخصية سياسية، وتوجيه انتقاد لهذه المجموعة”، وقال “نحن في أورينت توجهنا لجميع السوريين، ونمثل كل السوريين كرد وعرب وباقي القوميات والطوائف، لكن هذا لا يعني أن يكون لدينا خوف ورقابة معاكسة، والابتعاد عن انتقاد أطراف سياسية معينة”.

عمر الخطيب، صحفي في "مؤسسة أورينت"

عمر الخطيب، صحفي في “مؤسسة أورينت”

وأضاف الخطيب “المرحلة الحالية في سوريا واضحة، من خلال المشاريع السياسية والتحالفات، من يتحالف مع نظام الأسد وروسيا وإيران وجب اعتباره معاديًا للشعب السوري، وعندما نهاجم أو ننتقد هذه الجهة المتحالفة هذا لا يعني أننا ننتقد أو نذم المجتمع المحلي، نحن كصحفيين وإعلاميين سوريين نعتبر سوريا هي سوريا الواحدة، وطبيعي أن نرفض الآراء ونعرضها دون خوف ودون أن نكون مهددين من الرقابة العكسية، نحن إعلاميون ولسنا سياسيين، وظيفتنا نقل وتوضيح الصورة والمواقف”.

وتحدث محمد علاء، مشرف التحرير في “سمارت” عن منهجية عمل الوكالة فيما يخص الشأن الكردي، وقال “لدينا عدّة مكاتب في محافظة الحسكة وفي مدن عين العرب وتل أبيض وعفرين، حيث تسيطر (الإدارة الذاتية)، ونتبع آنية الحدث فيما يخص السياسة التحريرية، وننشر المواضيع الاجتماعية والاقتصادية بشكل متوازن”.

تركّز “سمارت” في تغطيتها على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في الحسكة، وخاصة التغطيات الخاصة بالمناسبات والأعياد، بحسب علاء، مضيفًا “مكاتب سمارت مرخّصة من الإدارة الذاتية، نتعرّض لبعض المضايقات، إلا أنّ هناك نوعًا من التعاون في المقابل”.

هيئات إعلامية لضبط الخطاب

وعن دور رابطة الصحفيين السوريين في التصدي لخطاب الكراهية، أوضحت الصحفية رزان أمين، رئيسة لجنة “الإعلام الجديد”، أن “الرابطة عملت على استقطاب جميع الصحفيين السوريين من كافة التوجهات والقوميات والأديان، ضمن المبادئ الأساسية التي اعتمدناها في الميثاق، وعندما تكون هناك إساءة من مؤسسة أو صحفي بعينه، يتم توجيه التنبيه له، ويصدر بيان عن الرابطة حول الموضوع، وبالتالي نتخذ إجراءات مباشرة”.

وأضافت أمين “من خلال الملتقى الأخير وجدنا تفاعلًا ونقاط التقاء إيجابية، وتوصلنا إلى تعريف واضح لخطاب الكراهية، والمصطلحات التي تعزز هذا الخطاب، ومن الممكن أن ننشئ دليلًا لهذه المصطلحات، وهي خطوة ستكون كبيرة إن تحققت”.

وقال حسين برو، عضو ميثاق شرف الإعلاميين السوريين، إن “ميثاق الشرف حاول ضبط خطاب الكراهية وقوننة المسألة بطرحها كشعار كبير، ولكن حتى الآن لم ننجز على الأرض في هذا الخصوص، ولكن بعد أن صدر الميثاق لمسنا انضباطًا ذاتيًا كبيرًا للمؤسسات التي وقعت عليه”.

حسين برو عضو ميثاق شرف الإعلاميين السوريين

حسين برو عضو ميثاق شرف الإعلاميين السوريين

وأوضح برو أن 45 مؤسسة إعلامية وقعت على الميثاق حتى الآن، وسيكون هناك لجنة استشارية من صحفيين ورجال قانون ومنظمات مجتمع مدني، وبعدها نبدأ بتلقي شكاوى من الجمهور للرقابة على عمل المؤسسات الموقعة، وإصدار تقارير إعلامية كل ثلاثة أشهر للرأي العام، تحدد مَن الملتزم بالميثاق ومن لم يلتزم، كشكل تشاركي للجمهور مع المؤسسة”.

واعتبر برو أنه “كون الملتقى طرح الفكرة، وتبادل الرأي حولها، فهو أمر جيد، هناك كثير من القضايا كنا نغيبها على مبدأ (تبويس الشوارب). خطاب العنف والكراهية موجود، واليوم الناس أقرت بالمشاكل والأخطاء من بعض المؤسسات الإعلامية، وهو بداية الطريق، واستمراريته منوطة بحماس الزملاء في مناقشة الأمر”.

مساهمة كردية في “نبذ الكراهية”

فاروق حجي مصطفى، رئيس منظمة “برجاف” للإعلام والحريات، أوضح لعنب بلدي أن “برجاف” ركزت منذ نشأتها عام 2013، على كيفية صياغة وبناء الانسجام الاجتماعي بين العرب والكرد، وخاصة أن منطقة “كوباني” (منشأ المنظمة) المتاخمة للمناطق العربية، والملتقى اليوم كان مهمًا لتبلور المفاهيم حول نبذ الكراهية وتعريفها، واستحقاقات المرحلة المقبلة.

وأضاف أن “السلم الأهلي يبدأ من خلال ورشات العمل والتواصل واللقاءات. المرحلة السورية المقبلة ستدخل في بناء القدرات وتأسيس جسور التواصل، بين المكونات المجتمعية والمكونات السياسية بإيديولوجياتها أومشاربها المختلفة”.

سيروان بيركو مدير عام إذاعة "آرتا إف إم"

سيروان حجي بركو مدير عام إذاعة “آرتا إف إم”

كذلك تحدث سيروان حجي بركو، مدير عام إذاعة “آرتا إف إم”، عن إسهام مؤسسته في تعزيز السلم الأهلي، ونبذ خطاب الكراهية في المجتمع السوري عمومًا، وقال “نهتم بالشأن السوري ككل، لكن نختص بالتحديد في شؤون الجزيرة وكوباني، ولذلك أحدثنا شراكات مع عدد من وسائل الإعلام السورية (عنب بلدي، وإذاعة حارة)، لنستطيع إحياء حوار بين المناطق السورية ككل”.

وأضاف “يهمنا أن يعرف المستمعون ماذا يحدث في المناطق الثانية، ويستمعوا إلى أصوات سوريين يقطنون أماكن أخرى عن أمور متنوعة، كالحوار العربي الكردي، وأمور متعلقة بالقضايا الاجتماعية، وجود آرتا منذ البداية، وكونها تنشر بأربع لغات محلية، ساهم في بناء جسر بين جميع المكونات القومية والدينية، لا يوجد عربي وكردي، يوجد أبناء المنطقة”.

وختم سيروان حجي بركو قائلًا “آرتا ليست إذاعة كردية، هي إذاعة لجميع أهالي منطقة البث (الحسكة، الجزيرة، وكوباني)، لا نستخدم فيها خطابًا قوميًا ولا دينيًا، وحتى المفردات نستخدمها بمهنية”.

مساعٍ دولية لمكافحة خطاب الكراهية

شهد القرن الماضي حربين عالميتين وعددًا هائلًا من الثورات في كافة دول العالم، الأمر الذي يمكن أن يعكس بشكل كبير حالة من الصراع بين المطالبة بالحرية والحقوق المدنيّة من جهة، وبين حالة العنف المرتبط بالكراهية والانتقاص من حقوق الآخرين، من جهة أخرى.

وكون نهضة وسائل الإعلام عاصرت كل هذه التخبطات الأمنية والسياسية وإرهاصاتها الاجتماعية، كان من الطبيعي أن تتأثّر بها بشكل أو بآخر، وأن تعكسها في المضامين الصحفية، والرسائل الموجّهة، وبالتأكيد، كانت في كثير من الأحيان وسيلة لتعزيز هذا الصراع، عبر توظيفها من قبل مؤسسات أو شخصيات حزبية أو سياسية أو ذات توجهات عنصرية متطرفة، أو جماعات مهمشة أساءت استخدام وسائل الإعلام للتعبير عن نفسها.

ومع تزايد وتيرة هذا الصراع، نتيجة الانتشار الكبير لوسائل الإعلام في النصف الثاني من القرن العشرين، زاد التوجّه إلى البحث عن قوانين ومواثيق دولية تحدّ من توجّه وسائل الإعلام لتضمين خطابات تحرّض على الآخرين وتثير الفتن أو تساهم في إقصاء وتهميش مجموعات بشرية، فكان أن بدأ الإعلام بتشريع حرّيته، وتحمّل مسؤوليتها.

قرارات أممية

في العام 1948 تبنّت الأمم المتحدة “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، وجاء في المادّة 19 منه “لكل شخص الحق في حرّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حقّ اعتناق الأفكار دون مضايقة، وتلقي المعلومات والأفكار بغض النظر عن الحدود”.

وتعدّ “الاتفاقيّة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” (1965)، والتي رعتها الأمم المتحدة، أوّل معاهدة دولية تتناول موضوع “خطاب الكراهية” بشكل مباشر، إذ اعتبرت أنّ “كـل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عـرق أو أي جماعة من لون أو أصل إثني آخر (…) جريمة يعاقب عليها القانون”.

أما “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، فيدعو إلى ضرورة تجريد الرسائل الإعلامية من أدوات الكراهية، إذ تنصّ المادة 19 منه على “احترام حقوق الآخرين واحترام سمعتهم”، فيما تنصّ المادة 20 على “حظر أي دعاية للحرب بموجب القانون، وحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.

وإلى جانب هذه القرار، اعتمدت عدة دول واتحادات حول العالم مواثيق خاصّة بحرية التعبير، إلّا أنها بدت في المجمل غير مفصّلة فيما يخصّ خطاب الكراهية، بحسب تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بعنوان “التحريض على الكراهية العنصرية والدينية وتعزيز التسامح” (2006).

قوانين “ردع” دولية ومحلية

حدّد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العقوبة القانونية في حال ثبت استخدام “خطاب الكراهية بثلاثة مستويات حسب نوع التعبير، الأول هو ما يتطلّب متابعة جنائية، والثاني ما يتطلّب المتابعة عبر قضايا مدنيّة، والأخير هو التعبير الذي لا يتطلب متابعة قانونية إلا أنه يوضع في خانة الـ “مثير للقلق”.

إلّا أن مثل هذا المعيار الدولي الفضفاض، تطلّب وجود قوانين محلّية تضبط خطاب الكراهية، وهو الأمر الذي غالبًا ما يتم توظيفه وفقًا لسياسة الدولة والنظام الحاكم.

وفي حين تنصّ “الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان” على أن “الدعوة إلى الكراهية لأسباب وطنية أو عرقية أو دينية هي جريمة جنائية” وتلزم القانون بذلك، لا تطلب “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان” و”الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب” أن يحظر القانون خطاب الكراهية.

كما ترتبط العقوبات القانونية بنوع الخطاب الموجّه عبر وسائل الإعلام (تشهير، تحريض، تمييز عنصري)، وذلك ما يزيد من تعقيد القوانين المتعلّقة بمكافحة خطاب الكراهية، وزيادة الثغرات التي تقلل من فاعليتها.

مواجهة الكراهية عبر الإنترنت

قد يكون الإنترنت وفّر مساحة كبيرة للتعبير عن الرأي، بعيدًا عن الضوابط المتعلّقة بسياسات النشر، أو الملاحقة القانونية، إلّا أنه وفي الوقت ذاته شكّل حالة من الوعي لدى المؤسسات الإعلامية المهنية، والمستخدمين، والحكومات، للتنبه من أخطار هذا الخطاب، والتوجّه لتحديد ماهيته وقنواته ومروّجيه.

ففي آذار الماضي، أطلق الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع أربع من كبريات شركات الإنترنت في العالم، “مدونة السلوك” التي تهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام الرقمي الجديد، وهي مبادرة انضوت تحت مظلتها كل من شركات “فيس بوك”، “تويتر”، “يوتيوب”، و”مايكروسوفت”.

أما على المستويات المحلّية، فبرزت توجّهات جدّية في بعض الدول لسنّ قوانين في هذا الإطار، إذ وافق مجلس الوزراء الألماني مؤخرًا على مشروع قانون يُلزم الشركات المشغلة لشبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت بمحو أو حجب المحتويات التي تقع تحت طائلة القانون مثل التشهير أو التحريض.

وتعدّ الأردن من الدول الرائدة عربيًا في مكافحة “خطاب الكراهية”، عبر سنّ قانون، يفرض غرامات مالية كبيرة وعقوبات بالحبس قد تصل إلى ثلاث سنوات بحق كل من تثبت عليه ممارسته لخطاب الكراهية.

الإعلام كمنهج سلام.. لا تتأخروا أرجوكم!

د. زيدون الزعبي - مدرب سوري

د. زيدون الزعبي – مدرب سوري

زيدون الزعبي

في آذار 2011، استيقظ السوريون على مجتمع تعصف به شروخ اجتماعية تهدد وجوده، بعد أن كنا، على جهلنا أولًا، وعلى التعمية على مثل هذه القضايا التي مارستها السلطة على مدى عقود، نظنه واحدًا موحدًا ومتماسكًا.

طفت على السطح ثنائيات كان كثير منا يجهل وجودها، مدن كبرى- مدن صغرى، ريف- مدينة، غرب سوريا- شمال شرق مهمش، عربي- كردي، إسلام- مسيحية، سنية- علوية، محافظ- علماني.

فوق كل ذلك ظهرت ثنائيات جديدة، تنامت مع تعمق الأزمة واشتدادها، كثنائيات: المعارضة- الموالاة، الخارج- الداخل، مسلح- مدني، وربما سواها، ما جعل المجتمع السوري مفتتًا بكل معنى الكلمة، يبحث كل طرف في كل ثنائية، عن وجوده في إقصاء الطرف الآخر أو تهميشه أو حتى إفنائه، حتى غدا المجتمع السوري برمته معرضًا لخطر شديد يهدد كيانه، وحتى وجوده.

من الممكن القول، إن الإعلام كان سببًا أساسيًا لخطاب الكراهية بين هذه الثنائيات، وعرضًا من أعراضه، داخلًا دائرة شر يغذيها ويتغذى بها.

فُتحت منابر لشيطنة مكونات اجتماعية برمتها، بشكل معلن وصارخ، بل ومتباه في حين، ومنابر أخرى ادعت خطابًا بعيدًا عن الطائفية والعنصرية، غير أنها كانت تدس خطابًا عنصريًا مسمومًا، ربما أخطر من سابقه في أحيان أخرى.

أدّعي هنا، شرف الاطلاع المباشر على تجربة فريدة عملت على جعل الإعلام مادة سلام ومنبرًا لمناهضة خطاب الكراهية، وأقصد “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، الذي كنت ميسّر غالبية جلساته.

ربما لم يكن القائمون على الملتقى الأخير قد قصدوا أن يكون الميثاق مادة لتحاور السوريين، أو منهجًا لمحاربة خطاب الكراهية والتفرقة والعنصرية، إلا أنه كان كذلك، وربما كان من أفضل المحاولات التي قدّمت منصة حقيقية يتحاور عبرها إعلاميون من أطياف مهمة في المشهد الإعلامي، ليضعوا ناظمًا أخلاقيًا واحترافيًا للعمل الإعلامي.

هذا الناظم الذي سيفتح المجال ليعود الإعلام إلى رسالته الأساسية في بناء المجتمع، بعد أن كان على مدى عقود أداة لهدم المجتمع.

ففي ظل هذا الميثاق، وفي ظل رغبة عدد من المؤسسات التي تعتمد مواثيق أخرى لا تقل أهمية عن ميثاق الشرف، اجتمعت 14 مؤسسة إعلامية لتدخل الميثاق في صلب مهمته الأساسية في رأب الصدوع الحاصلة في المجتمع السوري، ولتتناول واحدة من الثنائيات المهمة التي تحمل في طياتها ثنائيات عديدة أخرى، ثنائية العرب- الكورد أقصد.

لم تكن هذه الورشة، التي حظيت بشرف تيسير نقاشاتها، كالعديد من الورشات التي تصرف بها الأموال ولا تحظى بأي أثر بعيد انتهائها، وإنما كانت فرصة مهمة أتاحتها “عنب بلدي” و”آرتا إف إم”، وأتاحتها معهم مؤسسات مهمة أخرى، كي ندخل في صلب النقاش الفاعل والمؤثر.

ونسأل أنفسنا أسئلة من قبيل: كيف ننتقل بالإعلام من خطاب الكراهية إلى خطاب يبحث عن الحقيقة ويبني المجتمع؟ كيف نعالج المشكلة الحقيقية الراهنة والمتمثلة في خطاب الكراهية بين العرب والكورد وتغذية الإعلام بقصد وبغير قصد في تذكيتها؟ هل نتصدى فعلًا للمشكلة أم أننا اكتفينا بما ذكرته المادة الخامسة من ميثاق الشرف ونركن إلى إراحة الضمير عبر التنظير؟

لم يتمكن اللقاء، ولم يكن مطلوبًا منه ذلك، من الإجابة على جميع الأسئلة، إلا أنه فتح الباب واسعًا نحو الحلول العملية والأسئلة الصعبة، عبر مشاركات راغبة وبتصميم جاد بإيجاد المخارج والحلول. لم يكن أي من المشاركين راغبًا أن ينتهي هذا اللقاء كغيره من اللقاءات. كان الحوار جادًا، وقلق الأسئلة الصعبة حائمًا يبحث عن أجوبة غير تقليدية.

كانت هذه خطوة أولى وجريئة، لكنها ستبقى عرجاء، إن لم نتمكن من أن نخطو خطوات أبعد، وربما أكثر جرأة. إن لم يتمكن القائمون عليها من تعميق الخطاب وأخذه إلى الجانب العملي، والتطرق إلى مواضيع ربما أكثر حساسية، كقضية المعارضة والموالاة، والمحافظ والعلماني، لكان من الأولى عدم أخذ الخطوة الأولى أساسًا. لا تتأخروا أرجوكم!


حلقة خاصة حول الملف في راديو ARTA FM


أعد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع راديو ARTA FM

مقالات متعلقة