tag icon ع ع ع

محمد صافي – حماة
نصف قرن من مسلسل صراع مرير عانته حماه، بدأت أولى حلقاته منذ أن كان «حافظ الأسد» وزيرًا للدفاع عام 1964 لتكون أحداث حماه الأولى التي هُدم فيها صرح حماه «مسجد السلطان» بأمر من «الراحل» نفسه.

وتوالت بعدها الحلقات إلى أن وصل الأسد –الأب- لسدة الحكم عام 1970، ومنذ ذلك التاريخ وحتى شباط 1982 كانت حماه مسرحًا لنشاطٍ ثوريٍ سلميٍ، حاول الأسد كبح جماحه فكانت مجزرة بستان السعادة في آب 1980 حيث لم يتبق من أهالي الحي سوى «بضع أرامل».

وفي الثاني من شباط لعام اثنين وثمانين من القرن المنصرم بدأ ما يسمى بـ «مأساة العصر» والتي كانت حماه مسرحًا لأحداثها.

  • «مأساة العصر»

هي أوسع حملة عسكرية شنّها النظام السوري ضد مدينة حماه بذريعة القضاء على الإخوان المسلمين، وأودت بحياة عشرات الآلاف من أهالي المدينة، إذ استمرت 27 يومًا قام خلالها النظام السوري بتطويق المدينة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكريًا، وارتكاب المجازر.

  • أحداث المجزرة

مرت أحداث اليوم الأول من المجزرة بثلاث مراحل: المرحلة الأولى بدأت عند منتصف الليل حين داهمت قوات النظام منازل ومخابئ المطلوبين، وحينها أخفق النظام في الإمساك بأي منهم. المرحلة الثانية بدأت مع قرار المقاتلين والمجاهدين من أبناء حماه بالدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وذلك بعد أن وسعت قوات النظام دائرة العدوان. المرحلة الثالثة بدأت في الصباح الباكر مع تعزيز السلطة لقواتها بنقل وحدات كبيرة من القوات الخاصة والكتائب الحزبية المسلحة وسرايا الدفاع عبر مطار حماه العسكري، وتوجيه اللواء 47 دبابات واللواء 21 إلى المدينة؛ ما يميز ذلك اليوم هو استطاعة الثوار صد محاولة الاقتحام التي قامت بها قوات الأسد وعلى عدة محاور في المدينة، وخسرت قوات الأسد يومها العديد من الآليات وأعداد كبيرة من القتلى، مما جعل النظام يسارع بتعزيز تواجده، وبنقل قوات إضافية من محاور المدينة الأربعة.

بدأت أولى الاقتحامات لأحياء حماه في اليوم الثالث من المذبحة بعد ما تعرضت المدينة لقصف عنيف استمر ليومين متتالين ودون توقف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدافع وراجمات الصواريخ. حينها اقتحمت قوات الأسد حي جنوب الملعب وقامت بقتل 1500 شخصًا من أهالي الحي، فيما اعتقلت الكثيرين، لتتوالى بعدها الاقتحامات حيًا بعد حي، وليتراجع مقاتلو الطليعة المقاتلة بقدراتهم البسيطة لوسط المدينة وبالتحديد للأحياء الشعبية القديمة: العصيدة، الزنبقي، الكيلانية، البارودية الشرقية، حيث اشتدت فيها المقاومة إلى أن قام النظام بتهديمها بالكامل فوق رؤوس أهاليها ولينهي بذلك المقاومة داخل المدينة. واكتمل مشهد العنف بما تلا ذلك من تمشيط أحياء المدينة، وقتل أي شاب يخرج في وجه قوات النظام، واغتصاب أي فتاة يرونها، وسرقة كل ثمين، إضافة للانتقامات الشخصية التي قامت بها المليشيات الحزبية ضد أهالي مقاتلي الطليعة المقاتلة.

سبع وعشرون يومًا أسودًا عاشتها المدينة كان أقساها يوم كان رفعت الأسد يتجول في شوارعها، وذلك بعد أن فك حظر التجوال وسمح للناس بمغادرة منازلهم، خرج الأهالي يومها إلى صلاة الجمعة، فقال العبارة التي لا يزال يذكرها أهالي حماه إلى الآن «لسا في رجال بحماه!»، وأمر قواته بجمع أكبر عدد من الرجال وخرجوا بهم إلى المقبرة الخضراء، أو ما تسمى مقبرة سريحين، وتم تنفيذ الإعدام الميداني بحقهم، ويقدر عددهم بـ 5000 رجل بحسب شهود من أهالي المدينة.

ومنذ ذلك الوقت وهناك ظاهرة تستدعي الانتباه، فسلطة الأسد قديمًا وحديثًا ركزت على تدمير المساجد كعنوان طائفي اتخذه الأسد الأب ومن بعده الابن في حروبهم ضد السوريين. فقد هدم النظام 88 مسجدًا إما تدميرًا كليًا أو جزئيًا؛ ولم يكتف بهدم المساجد، وتأكيدًا على نيته بهدم كامل المدينة، قام بقصف كنيسة حي المدينة ما أدى لتهدم جزء كبير منها.

  • شهادات من أهالي حماه

السيد «عطاف تركاوي» والمعروف في الأوساط الثورية بالشيخ «صالح الحموي» عضو الهيئة العامة للثورة السورية وقائد عسكري في تجمع ألوية أبناء حماه، نقل شهادته على المجزرة لعنب بلدي مؤكدًا هول ما جرى حينها «كل شيء كان قاسيًا عام 1982، لم يكن بإمكاننا أن نفعل شيئًا، الجميع في البيوت ينتظرون الموت، أول مرة في حياتي أرى البشر تتحول إلى غنم يساقون إلى حتفهم بكامل الاستسلام، دخلوا حارتنا وأخرجوا كل رجال الحارة، وساقوهم، بعضهم تم ترحيله إلى اللواء 47، وبعضهم تم إعدامه ميدانيًا، كان هذا من أقسى المشاهد، أن ترى عشرات الجثث متراكمة فوق بعضها يسبحون في دمائهم».

وأضاف الشيخ صالح عن الأضرار البشرية والمادية التي لحقت بالمدينة «ربع سكان المدينة بين قتيل ومفقود، لا يوجد بيت لم تصبه مصيبة، الدمار في بعض الحارات كان كاملًا، الأعراض التي انتهكت كثيرة جدًا»، وأوضح أن انتهاك الأعراض لم يتوقف بانتهاء المجزرة، إذ استغلت قوات النظام زوجات الشهداء بأن «يقدمن أنفسهن» ليحصلن على التعويض عن أزواجهن -الذين قتلتهم قوات النظام- ليطعموا أيتامهن. وحسب رأي الشيخ صالح فإن أكبر أضرار المجزرة كان «اختلاط الذل باللحم والدم».

«عميد علواني» المعروف ثوريًا «عمران تاج الدين»، وهو أحد مؤسسي كتلة أحرار حماه ومن منسقي الحراك الثوري في المدينة، تقدم أيضًا لعنب بلدي بشهادته عن تلك الفترة قائلًا «الأضرار كثيرة جدًا ومعلومة ولكن من أكبر الأضرار أنه قتل جيلًا كاملًا منتجًا ومثقفًا، وذلك بداعي الحقد وشرد ألوف النخب واعتقل ما بقي منهم فقتل المدينة حين قتل نخبها ولم يُبقِ إلا الخوف من هذا النظام ومن التفكير في الحرية الذي دأب من بقي من أهلها يعلّمونه للجيل اللاحق، فلم يكن لديهم القدرة على نفض الذل»، وأضاف السيد علواني أن «الجيل الجديد استفاد من آلام الماضي التي رويت له، ودمجها مع ما عنده من أمل فنتجت عن ذلك ثورة حماه»؛ ويؤكد علواني «إننا نعلم علم اليقين أن العالم الذي لم تحركه الـ 82 لن تحركه هذه الثورة الحق، ولن يكون عونًا لنا فقطعنا الأمل منه».

ويتابع عميد سرد الأحداث التي شهدها «من أبشع المواقف حين أرادوا دخول البيوت، فخافت النساء على أنفسهن، وقامت والدتي بدهن نفسها بالشحار وتوافق كل من في البيت من جدتي وغيرها على وضعها في غرفة على أنها امرأة مجنونة كي لا يفكروا بالاقتراب منها. ومن نافلة القول إن كل نساء البيت -بيت جدي- كنّ يلبسن العديد من طبقات الملابس خوفًا على أنفسهن من ضباع حافظ الأسد، فلمّا خرجت قوات الأسد من البيت كان كابوسًا قد زال بالرغم من أنهم كانوا قد سرقوا كل الذهب ومقتنيات المنزل».

  • تقدير عدد الضحايا

وفقًا لما نقله الصحفي الأمريكي توماس فريدمان فإن رفعت الأسد تباهى بأنه قتل 38 ألف شخص في حماه، فيما أوضحت إحصاءات اللجنة السورية لحقوق الإنسان بأن عدد القتلى بين 30 و40 ألفًا، غالبيتهم العظمى من المدنيين. وقضى معظمهم رميًا بالرصاص بشكل جماعي، ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية.

  • التحقيقات بخصوص المجزرة

بدلًا من أن تتخذ السلطات السورية الإجراءات الكفيلة بالحد من آثار المجزرة وتداعياتها على سكان المدينة المنكوبة والمجتمع السوري بشكل عام، والتحقيق في أعمال التنكيل والعنف التي وقعت ضد الأهالي، فقد عمدت إلى مكافأة العسكريين المشتبه في تورطهم فيها أو الذين كان لهم ضلوع مباشر في أعمال القمع، ومن بين هؤلاء العقيد رفعت الأسد الذي عين نائبًا لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى ترقية ضباط كبار في الجيش والمخابرات إلى رتب أعلى، كما تم تعيين محافظ حماه آنذاك محمد حربة في منصب وزير الداخلية؛ وكانت تلك الإجراءات بمثابة استهتار غير مسوّغ من قبل الحكومة بالمشاعر العامة، وتأكيدًا واضحًا على استمرار منهجية القوة بدلًا من الحوار في التعاطي مع الشؤون الداخلية. ما يدل على أن المجزرة جرت بغطاء دولي لتثبيت حافظ الأسد في سدة الحكم.

مقالات متعلقة