tag icon ع ع ع

جودي سلام – عنب بلدي

خلّف اشتداد العنف في سوريا آثارًا سلبية كثيرة على المجتمع من قتلٍ ودمارٍ وتهجير، لكن ذلك ساهم من ناحية أخرى في تسهيل أمور الزواج والخطبة على الشباب والفتيات، إذ لا يحتاج أغلب الشباب اليوم لتأمين المسكن والذهب وتكاليف الزفاف وبدل اللباس، نظرَا لتردي الأوضاع المادية لدى معظم العائلات.

«هي فرصتك يا ابني… الفتيات أصبحن بعد النزوح يتمنين الزواج دون أي شروط؛ حتى أن أهل الفتاة لا يهمّهم شيء الآن، وباتوا يزوجون بناتهم دون مهرٍ يذكر أو ذهب أو مسكن»، هذا ما قالته «الحاجة أم محمود» لولدها بعد أن نزحوا إلى لبنان من مدينتهم المعضمية، وتضيف إنّ «أغلب الشباب الآن يتزوجون على فراش المعونات والبطانيات التي توزعها الأمم المتحدة والجمعيات على النازحين».

إلّا أنّ ذلك لم يكن كافيًا لدى بعض الشباب للإقدام على الزواج، خصوصًا في ظل غياب العمل وفقدان المخزون المادي إثر النزوح من بيوتهم، ويقول أبو محمد (٢٥ سنة) النازح إلى لبنان، وقد تزوج العام الماضي «اليوم أنا مضطر لأدفع أجرة منزل تكسر الظهر»، كما أنه يعاني من توتر علاقته مع المشرفين في عمله، ما قد يدفعه لترك العمل ليبقى حينها مع زوجته «دون منزلٍ يأويهما أو مردودٍ مالي يأمن متطلباتهما».

أما أحمد، المتخرج من المعهد الطبي، فيقول إنه لن يتزوج حاليًا لأنه «لا يستطيع تأمين أجرة منزل يسكن فيه»، كما أنه يخجل من أن يطلب فتاةً للزواج، وهو لا يستطيع تأمين أيّ من متطلباتها.

  • زواج مبكر وتغيير في الأولويات

بدورها أم عامر، وهي أمّ لثلاث فتيات، أكدّت لعنب بلدي أنها «بعد النزوح غيرت رؤيتها بالنسبة لبناتها؛ بعد أن كانت في سوريا مصرّةً على متابعة نشاطهم وإكمال تعليمهم الجامعي»، لكنها اليوم ترجو أن «يفتح الله نصيبهم وأن يبعث لهم الشباب المناسبين، حتى تشعر بالراحة»، إذ تخشى عليهم من هذه الفترة السيئة معيشيًا، ومن المستقبل المجهول في ظل غياب الحلول وتفاقم الأزمة؛ بينما تعتبر أم عصام، وهي نازحة أخرى في لبنان، بأن الوضع المادي للعريس لم يعد يهمها، فهي مستعدة لتزويج ابنتها «ولو في خيمة».

ولم يقتصر تغيير الأولويات على الأمهات، بل تعدى ذلك إلى الفتيات ذاتهن، إذ كانت ناريمان، البالغة من العمر 26 سنة، تحلم بـ «حفل زفاف وبيت جميل، وفترة خطوبة تتذكرها فيما بعد»، لكنها لم تحصل على ذلك كله، وأجرت خطبتها لمدة يومين فقط، ثم كان الزفاف بحضور أمها وأم زوجها في «غرفة صغيرة في بيت النزوح دون أبسط مظاهر الزفاف».

أما عبير، التي تبلغ 16 عامًا، فتخبرنا أنها كانت تحلم «بذلك الشاب المثقف الذي يملك بيتًا وسيارة وعملًا محترمًا»، أمّا الآن فقد تمت خطبتها على شاب «يعمل بالزراعة ولا يملك أي شهادة علمية، وهو شابٌ بسيطٌ جدًا».

كما أن بعض الشباب أصبحوا يفكرون بالزواج في سن مبكرة، قبل إتمام تعليمهم أو تأمين مستقبلهم، ويقول علاء، الذي تزوج وعمره 20 عامًا، «لم أستطع إكمال دراستي في لبنان، في الوقت الذي عشت فيه حالة عاطفية ثم تزوجت لوحدي دون وجود أهلي بجانبي.. أنا سعيد بحياتي مع زوجتي».

  • حاجات عاطفية تسرّع الزواج

ونظرًا للظروف الصعبة التي يعيشها الشباب السوري، نشأت حاجة عاطفية من قبل الجنسيين، ما يسرّع اتخاذ القرار بالزواج والارتباط بالشريك؛ وتقول أسماء، الاخصائية بعلم النفس، إن «أغلب الشباب والشابات بسبب الحرب وما عانوه من فقدان للأهل والأحبة، أصبح لديهم نوع من الفراغ العاطفي والحاجة للعطف والحنان، بأي علاقة عاطفية وغرامية قد تملأ لهم هذا الفراغ».

وتضيف الإخصائية أن هذه العلاقات «تكون وسيلة للهروب من الألم والمعاناة اليومية، وقد تكون وسيلة للتنفيس عما عانوه ويعانوه»، مشيرة إلى «رغبة الطرفين بوجود من يشاركهم ظروفهم الصعبة ومن يتكلموا معهم، أو يرفع معنوياتهم ويخفف لهم مرارة الغربة».

وتردف الإخصائية في حال لم تلبى هذه الاحتياجات «كلا الطرفين لديهم حاجات وعدم إشباعها سوف يخلق توتر انفعالي مستمر، لكن هذه العلاقة من الممكن تكون فرصة وبداية لحياة جديدة لكليهما».

محمد، وهو شاب من مدينة داريا يبلغ من العمر 25 عامًا، يتحدث لعنب بلدي بأنه يتمنى الزواج اليوم ويشعر بحاجة ملحّة لذلك وخصوصًا بعد أن نزح وأصبح يعيش وحيدًا في لبنان».

ولم يقتصر الأمر على الشباب النازحين بل بدأ شباب الجيش الحر في المناطق المحررة يفكرون بالزواج والاستقرار، فلقد خطب عدة شباب من داريا فتيات موجودات معهم في المدينة، وقد حصلت الزيجات دون تقديم أي شيء من العريس حتى «محبس الزواج»، تحت رضىً كامل من الطرفين.

  • وسائل التواصل الاجتماعي تبسط المسألة

ولانفتاح الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي بعد الثورة دورٌ كبيرٌ في تسهيل الزواج خلال الآونة الأخيرة، إذ يخفف الشاب على أهله عناء البحث عن فتاة تناسبه، كما أن ذلك يساعد على التوافق بينهما بعد التفاهم على أمور حياتهما بعد الزواج، متلافين ما كان يحدثه الزواج التقليدي من خلافات.

لكن ذلك ما زال يخلق نوعًا من التوتر بين الأهل والشاب أو الفتاة أحيانًا، بينما تجده النسبة الأكبر من العائلات أمرًا طبيعيًا، مقدمين الموافقة لهما ومحاولين تقديم شيء من المساعدة.

ويجد السوريين في الزواج اليوم الطريقة الأفضل لحفظ أخلاق الشباب وسلوكياتهم، خصوصًا في ظل الاكتظاظ في مخيمات اللجوء وانتشار حالات من التحرش والاغتصاب، لكن ذلك يشكل أيضًا مخاوف حول مصير الأولاد في المستقبل، أو حتى مصير هذه العلاقات غير المدروسة بشكل كافٍ.

مقالات متعلقة