بدنا نعيش .. عامان على مجزرة داريا

tag icon ع ع ع

عنب بلدي ــ العدد 132 ـ الأحد 31/8/2014

ذكرى مجزرة داريا بيلسان عمر

لئن كتب عزيز نيسين “أيها الموت: تعال باحترام فأنا في انتظارك”، فأنا سأكتب وفي الذكرى الدامية الثانية لمجزرة داريا، ومن بين الأشلاء ورائحة الموت والبارود تملأ المكان “أيتها الحياة نحن بانتظارك، نحلم بكل تفاصيلك يوميًا، برائحة رغيف خبز في وطني، وضحكات أطفال يملؤون الساحات العامرة”، فأنا لا أريد أن أتذكر شيئًا من تلك المجزرة، وكل أملي أن أُخرج نفسي من بين ضحايا الحرب وتجار الأزمة، وأن أوقف رائحة الدم في أنفي، فلا أبقى بين الأشلاء أتنفس الموت، وأتغذى على لحوم بني أمي الأحياء منهم والأموات.

يفرض علينا الطغاة واقعًا مريرًا، بل وأكثر من ذلك فهم يريدوننا أن نبقى حبيسي تلكم اللحظات، نتذكرها ونعيد تفاصيلها بعد أن عايشنا أحداثها، ولكن لن نسمح لهم بذلك، وسنستل أنفسنا من بين ركام وطني، ونصنع من حجارة بلادي كهفًا نلجأ إليه، ونحن جاهدون أن يؤتينا الله من لدنه رحمة، ويهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

ولكن لنتفكر قليلًا، ما الفائدة إن تذكرنا؟! هل هو دافع الانتقام أم مزيد من الآلام؟ أم حجة نبرر فيها تراجع أدائنا بسبب قهر اعترانا، وهل هناك أصعب من قهر الرجال؟ أو ربما لنحسب عدد من خذلنا وتاجر بدمائنا؟ أم لنوثّق عدد شهدائنا وكأنهم مجرد أرقام؟ أم وفاء لدم شهدائنا؟! وإن كانت الأخيرة فأظن أن شهداءنا يكفيهم منا أن نتذكر حسن صنيعهم، لا طرق التنكيل بهم واستدراجهم ليلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

وفي الذكرى الثانية لمجزرة داريا، نعم حصلت مجزرة وربما بأبشع ما شهدته الإنسانية، وعايشنا تفاصيلها، ولم نتنفس وقتها إلا الدم والبارود والموت في كل زاوية، وها هي صفحات التواصل الاجتماعي يتناول فيها الجميع اليوم هذه الذكرى، بكل مرارتها، محفزين غيرهم على استعادة تلكم الصور، بعد محاولاتنا الجاهدة لوضع غشاوة عليها في ذاكرتنا، نمنا بين الأموات، نعم! ولكن لا نريد أن نكمل حياتنا كوابيسًا في نومنا ويقظتنا، فذاكرة معطلة جزئيًا هي جلّ أمنياتنا في هذه الحرب المستعرة إلى أجل غير مسمّى.

أيتها الحياة، وفي الذكرى الثانية للمجزرة، اسمحي لنا أن نتوسلك أن تعودي إلينا، فها نحن نليق ببعضنا، فكلانا مناضل، فأنت ناضلت وكنت متأكدة أن النصر حليفك، في حين كنا نحن متوجسون من الهزيمة، وما أقساها هزيمتنا بأسر ذواتنا في صور ومشاهد مؤلمة عايشناها، عودي فنحن نحبك بكل ما استطعنا إليك سبيلًا، فلئن اخترت أنت أحبابنا ليسجلوا في عداد الشهداء، فنحن اخترناك أنت، وأنت فقط.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة