معركة

فاتورتان قد تدفعهما تركيا في عفرين

camera iconعناصر من الجيش التركي فوق عربة عسكرية على الحدود السورية التركية - (getty image)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

تتسارع التحركات العسكرية في محيط مدينة عفرين شمالي حلب، بعد القرار التركي الحاسم ببدء المعركة ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) التي تسيطر عليها، ليغدو مشهد الحدود الشمالية الغربية من سوريا فواتير سياسية وعسكرية تقبل على دفعها أنقرة في الأيام المقبلة، فالسيطرة على أي منطقة في سوريا في الوقت الحالي لا يمكن أن يكون دون مقابل في دائرة الرهانات الدولية.

آخر التصريحات الخاصة بعفرين كانت للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقال إن المعركة بدأت على الأرض وستستمر إلى مدينة منبح وصولًا إلى الحدود العراقية، وتحدث عن حماية الأمن القومي لتركيا من جهة الشريط الحدودي مع سوريا، والذي لا يمكن لأي طرف التدخل فيه أو المراهنة عليه، وتبعها غارات جوية على مواقع الوحدات لأول مرة منذ سنوات.

لا يمكن فصل هذه التطورات عن انحسار الخيارات بيد تركيا فيما يخص الملف السوري، والذي عززها التشتت والانقسام الكبير بين الجانبين، الروسي من جهة، والأمريكي من جهة أخرى، الذي فرض نفسه كلاعب أساسي من جديد بالإعلان عن تسليح 30 ألف عنصر بقيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتي تصنفها تركيا إرهابية.

ومع إصرار وتأكيد تركيا على دخول المعركة بجدية، تطرح التساؤلات عن إمكانية نجاحها، سواء من الناحية العسكرية والتي تبرز فيها عفرين كمنطقة جبلية من غير الممكن إنهاء ملفها بسرعة، أو من الناحية السياسية المرتبطة بمناطق وضعتها تركيا في الكفة الأخرى وتستعد للتخلي عنها كثمن لخروج الكرد.

عملية جراحية على السطح

لم توفر تركيا أي نوع من الأسلحة الاستراتيجية التي تمتلكها إلا واستقدمتها إلى حدودها مع عفرين، بينها المدفعية الثقيلة والدبابات الثقيلة، عدا عن منظومة للدفاع الجوي ونظام “قايي” للأمن الحدودي المزود بأجهزة استشعار إلكترونية متطورة، والذي تم نشره على الحدود بين ولاية هاتاي التركية، ومدينة عفرين.

بالعودة إلى معلومات نشرتها صحيفة “يني شفق” التركية، أواخر 2017 الماضي، يخطط الجيش التركي للدخول من ثلاثة محاور رئيسية، ليسيطر على منطقة تمتد على طول 85 كيلومترًا، وعمق 35 كيلومترًا، شمال محافظة حلب، وهو يخطط لتشكيل ممرٍ عسكري بدءًا من دارة عزة- قلعة سمعان شرقًا، وصولًا إلى خربة الجوز غربًا، كما يخطط للدخول من حدود ولاية هاتاي جنوبي تركيا، وصولًا إلى سهل الغاب في ريف حماة الغربي، على عمق 35 كيلومترًا.

ووفق المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي من مصادر عسكرية، فإن تركيا قد تدخل من طريق أطمة وصولًا إلى بلدة دارة عزة وجبل بركات، غرب حلب.

من الممكن وصف المعركة بـ “المعقدة”، حيث فرضتها الظروف السياسية والعسكرية على تركيا بشكل مفاجئ، لكن ومع ذلك يمسك الجيش التركي ببعض الأوراق التي قد تقلل نسبة الخسائر على كافة المستويات.

ولا يعتقد المحلل العسكري، العقيد الركن خالد المطلق، أن تركيا أو غيرها ستدخل إلى عفرين، بل سيتم تطويقها والضغط على الوحدات الكردية للانسحاب منها وفق اتفاق من الممكن أن يشمل تسليم مناطق يسيطر عليها “الجيش الحر” كما تم تسليم حلب.

وقال المطلق لعنب بلدي إن النتيجة النهائية لعملية عفرين وصل مناطق “درع الفرات” مع الريف الإدلبي والحلبي، مضيفًا أن المعركة باختصار ستكون في قطع جميع طرق الإمداد عن عفرين.

وبوجهة نظره، فإن تركيا لن تغامر وتنزلق في الوحل السوري، وستستخدم “درع الفرات” لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، بينها المعركة الحالية.

وأكد المحلل العسكري، العقيد أديب عليوي، على حديث المطلق، معتبرًا أن موضوع المعركة ليس جديدًا، وبدأ منذ أشهر عقب اتفاق “أستانة7″، الذي نص على ضم محافظة إدلب إلى مناطق “تخفيف التوتر”، ونشرت بموجبه ثلاث نقاط تركية في محيط عفرين في دارة عزة، غربي حلب.

وأوضح لعنب بلدي أن الموضوع حاليًا هو لعبة دولية، والجيش التركي لن يجتاح عفرين، بل هي عملية جراحية لطرد الوحدات خارج المنطقة، وذلك من خلال الفرق العسكرية التركية الخاصة (كوموندوس)، التي قد تتبع أساليب عسكرية بعيدة عن الاقتحام وأقرب إلى الإغارة.

روسيا وأمريكا تراقبان عن كثب

على خلاف الموقف الفاعل والجاد فيما يخص الملف السوري، والوجود الأساسي في كل تطور عسكري وسياسي، اعتبر العقيد عليوي أن الموقف الأمريكي والروسي غير جاد حول المعركة التركية على عفرين، إذ تخلت أمريكا عن المقاتلين الكرد في المدينة عبر تصريحات للتحالف الدولي، استثنى منها عفرين من عملياته العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأشار المتحدث باسم التحالف الدولي، ريان ديلون، في 18 كانون الثاني الجاري، إلى أن مدينة عفرين شمالي سوريا لا تدخل ضمن مجال عمليات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “الدولة”، مؤكدًا أن واشنطن لن تدعم عناصر “وحدات حماية الشعب” في عفرين شمالي سوريا، في حال قيام تركيا بعملية عسكرية في المنطقة.

بينما اقتصرت روسيا على تصريحات غير مرتبطة بالواقع على الأرض كنفي الانسحاب من المدينة مثلًا، أو التوقع بعدم البدء بالمعركة بشكل نهائي، ورافقها زيارة لرئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي آكار، إلى روسيا، بحث خلالها مع نظيره الروسي بحضور رئيس الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، القضايا الأمنية الإقليمية وآخر التطورات في سوريا ومساري “أستانة” و”جنيف”.

وربط محللون التراجع بالتحرك والتنسيق بين تركيا وروسيا وإيران، وسط غموض في مآلات الوضع على الأرض في عفرين.

وحاولت تركيا في الأيام الماضية الاستفادة من تقاربها مع روسيا، وخاصة في “أستانة”، للحصول على صك السيطرة على مدينة عفرين، كما هو الحال بالنسبة لمناطق ريف حلب الشمالي، والتي كانت بديلًا لمدينة حلب، التي انسحبت منها فصائل المعارضة السورية بصفقة تركية- روسية.

إلا أن الوجود الكردي في مؤتمر “الحوار الوطني” في “سوتشي”، وما رافقه من هجوم مفاجئ على محافظة إدلب، دفع تركيا لبدء معركة عفرين بعيدًا عن أي توافقات دولية سابقة، وهو ما عرفته روسيا.

“الجيش الحر” رأس الحربة على الأرض

لم تكن الخطوات المتسارعة التي خصت فصائل “الجيش الحر” في الأشهر الماضية عن عبث، بل كانت ضمن التحضيرات الرئيسية من المعركة، وعملية التنظيم ضمن ثلاثة فيالق من شأنها تسهيل القيادة التركية لها على الأرض.

وبحسب مصادر عسكرية من “الجيش الحر”، قالت لعنب بلدي إن الفصائل العسكرية ستشارك بنحو 20 ألف عنصر في معركة عفرين، والتي تضع في أول أهدافها فتح ممر بين ريف حلب الشمالي وإدلب من بوابة ريف حلب الغربي.

وقالت إن الفصائل أُبلغت من الجانب التركي أن الفترة الزمنية للمعركة غير محددة، مشيرةً إلى ما يجري على الأرض تمهيد وعمليات صد ورد فقط.

ومن المتوقع بحسب المصادر، أن يبدأ الاقتحام بشكل مركز من المناطق التي سيطرت عليها القوات الكردية مؤخرًا، بينها تل رفعت وعين دقنة، على أن يقابلها عمل عسكري من المحور الغربي للمدينة.

وسيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على تل رفعت، في 15 شباط 2016، بعد هجوم ضد فصائل المعارضة السورية، تزامنًا مع معارك جرت بين الأخيرة وقوات الأسد.

وحينها تقدمت “قسد” قبل تل رفعت إلى مدينتي منغ وعين دقنة في المنطقة، محاولة الوصول إلى مدينة اعزاز، وهذا ما لم تستطع تحقيقه.

وقال العقيد هيثم العفيسي، نائب رئيس هيئة الأركان، في حديث إلى عنب بلدي، إن الفصائل ستشارك في العملية العسكرية، مؤكدًا أن فتح الطريق بين ريف حلب وإدلب هو الأولوية مبدئيًا، دون إعطاء أي تفاصيل إضافية سوى التأكيد على موعد التحرك على الأرض مساء السبت 20 كانون الثاني.

وبحسب المصادر العسكرية، فإن خطوط الاشتباك الحالية بين الفصائل و”الوحدات” الكردية، تمتد على طول 40 كيلومترًا.

وأوضحت أن “عملية نقل الفصائل ستكون إلى مناطق ومواقع استراتيجية أكثر أهمية على المستوى العسكري”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة