لا مجال لأن نفتقر للخوف … الشجاعة هي احتواء الخوف

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 141 – الأحد 2/11/2014

سماح هداياد. سماح هدايا

المرأة الشجاعة لا يرهبها الخوف، يحوّلها إلى شجاعة؛ فتنزع الخوف الذي كاد يهزمها، لتكسب الشجاعة. نضالات النساء تكمن في مواجهة المخاوف بشجاعة وفهم طبيعة الخوف الفردي والجماعي والمجتمعي من التغيير الثوري والذي يعرقل عملية البناء والتغيير.

هناك مسافة بين اللواتي يشاركن في المعارك اليوميّة، واللواتي يكتبن من بعدٍ مكاني ووجداني عن المعارك والثورة. لا يمكن حاليًا تحديد عدد النساء المشاركات فعليا بالثورة؛ سواء بالعمل الإغاثي أو العسكري أو الطبي أو الميداني أو الإمدادي أو الإعلامي أو الفكري أو السياسي، ولا يمكن التقاط الصورة كاملة لمشهد المرأة السورية في الحرب وفصول هذا المشهد وتفاصيله، كما لا يمكن نشر قصص المرأة في الحرب، لا شفويًا، ولا كتابيًا؛ فهناك كثير مما لم يتجرأ لسان على قوله أو إعلام على نشره أو حتى معرفته، ومازال الوقت صعبًا لحصر عدد الضحايا والأرامل واليتيمات والثكالى والمغتصبات وتدوين الحكايات المخيفة التي يمكن أن تكون سجلًا تاريخيًا خطيرًا لجرائم حروب وجرائم ضد الإنسانية ولتطوّر التاريخ. وفي المقابل والأصعب: لا يمكن حصر قصص البطولات والإنجازات التي شاركت فيها المرأة بشجاعة.

الثورة والحرب رحلة دموية لاكتشاف الذات؛ رغم اختبار محنة الألم ويوميات المأساة. حكايات موت فظيع وبطولة فائقة. والذين ماتوا والضحايا والشهداء والأبطال، سيأتي وقت ليتكلم عنهم الشهود المخلصون: كيف كانوا يموتون وكيف كان الشجعان يقاومون ببسالة. سيأتي يوم لتدوين يوميات العنف، خصوصًا، بعد أن كشف العنف اليومي ودم المعارك وساحات القتال والمقاتلون في الساحات عن انقسامات حادة في المجتمع، أعيد إنتاجها في أذهان الجمهور؛ فحصل إحياء قسري لكل مكونات تشوّه الأمة والإنسان؛ ما يعني المزيد من تجارب قاسية جدا للجميع، والمزيد من إشكاليات سياسية وأخلاقية ومشاكل وصعوبات، لا يمكن التعامل معها بالهروب والاستسلام، أو بعقل خصامي وخصومي، يزيد في الخلافات والاختلافات والصراعات. على المرأة التي دخلت المعركة وخسرت، وتبلورت تجربتها السياسية والنضالية والعقائديّة، الإسهام بقوة في دفع عجلة المعركة نحو الحرية.

أما المرأة المرابية التي تستغل الثورة؛ وتلك المرأة التي دخلت في معترك الثقافة والحداثة، بغرور وضحالة، واحتقرت كل مكونات الهوية التاريخية للأمة، فمن غير الممكن أن تحيّدا مآربهما الشخصية عن المعركة، أو تعيدا النظر في خطابهما، وأن تدركا أن الدماء والآلام ستخلق قوى غاضبة، لا تتساهل مع الذين يزيدون في حجم المشاكل والصراعات والفتن ويستغلون الظروف المأساوية لمصالح شخصية وفئوية وجنسانية منسلخة عن السياق الوجداني للإنسان والمجتمع. التقدّم جوهره رحمة وتواضع وفهم عميق لظروف التخلف والجهل والانحطاط والمرض والفوضى. التغيير الثوري ليس تحطيمًا لأجل التحطيم. هو بناء، والبناء لا يصمد إلا بفهم طبيعة الأرض وتربتها وظروفها وإعداد البنائين. القصة ليست حلم رفاهية لتجلس المرأة وتحبكه برومانسية وانعتاق محض عن الواقع الصعب. الثورة فهم الواقع وتغييره. التناقضات تزيد، الصراعات تتسع. الكفاح حقيقة، وتحدي الواقع التقليدي حتمي. هناك تغييرات وتحديات، يقابلها انقلابات في الخطابات، وشخصيات تصارع لانتزاع الحق.

المعارك الخطابية إن لم تكن مرتبطة بالرواية الثورية؛ فهي هدر وتأجيج لنزاع تافه لا يمت بصلة للفعل الثوري والمنظور التحرري الحكيم. النزاع والقتال الأهلي قد يحولان نظر المرأة عن دورها وحقوقها، لكن على المرأة أن تكافح لكي تنجز التغييرات. الثورة مرتبطة بالتغييرات، ومسارها متحرّك. نمو الوعي السياسي والحقوقي والفكري والاجتماعي والإنساني هو ضمانة التغيير وصناعة التغيير. أن تتجاوز المرأة مجال الخاص إلى العام، في سياق إنساني يتسع لمجتمعها وآلامه وتحدياته ومطالبه التحررية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة