لماذا ننصب أنفسنا آباء لمن حولنا

no image
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 142 – الأحد 9/11/2014

بيلسان عمر – ريف دمشق

نقف أحيانًا مذهولين حين نلتقي أشخاصًا يشبهون صورة نتخيلها في أذهاننا أو يتقاطعون معنا في عدد من نقاط التشابه، أو نحاول أن نخضع اختلافنا مع آخرين إلى قوالب جاهزة ونحاول أن يكونوا كما نريد؛ لكننا لا نحاول أن نفكر من وجهة نظرهم وفيما إذا كانوا هم الأفضل.

ترى ريما، 22 عامًا، أنه «ربما تكمن المشكلة وراء رغبة كل منا أن نصنع من الآخر نسخة طبق الأصل عن صورة مرسومة في ذهننا لشخص نتمنى أن نلتقي به في حياتنا، أو ربما شاءت الصدفة أن نجتمع مرة مع أحدهم ونتمنى أن نجد أناسًا مقربين منا يصطبغون بصبغته».

ومع ذلك تستنكر ريما على نفسها هذه الأفكار «لم لا نترك للآخر فرصة يعبر بها عن نفسه بعيدًا عن المقارنات، عن الضغوطات النفسية، عن رغبتنا الجامحة في جعله مثلنا، أو حتى متقاطع معنا في نقاط تشابه، مع أننا في الداخل نؤمن بأن الاختلاف من سنن الحياة والدافع الأساسي لاستمرارنا».

بينما تأقلم سليم، 20 عامًا، الطالب المقيم في السكن الجامعي مع فكرة السكن مع أناس لا يتقاطعون معه بعاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، وهو -كما يقول- يسعى جاهدًا لتقبل الأشخاص الجدد الذين دخلوا حياته كما هم، كما أكد على فكرة التركيز على إيجابياتهم، بل وحتى اصطياد تلك الإيجابيات «أحاول أن أتقبل الأشخاص الجدد في حياتي، بحكم اضطراري للعيش المشترك مع أشخاص لا تتقاطع بيئتهم مع بيئتي».

ويضيف سليم «أحاول أن أُشعرهم بأن وجودهم لا يسبب أزمة لي، بل سيكون المحرك القوي الذي سيدفع بعجلة وجودي نحو الرقي، ولن يفرمل طاقاتي، وأسعى جاهدًا إلى النظر لإيجابياتهم، وأن أتعلم منهم ما غُيّب عن بيئتي، ولا أنكر أنني التقيت بكثر أفضل مني، كانوا الدافع لي للارتقاء».

في حين عانت السيدة أم أحمد، المهجرة من داريا إلى الريف الغربي، من فكرة العيش المشترك في ظل الحرب، فهي تعتبر أننا نظلم أنفسنا بخضوعنا لمثل هذا الخيار في وقت لم يعد بمقدور أحدنا تحمل ضغوطات إضافية.

وتقول أم أحمد «اعتدت في داريا أن أكون ملكة بيتي، أحدد أدق التفاصيل من زيارات ونزهات ومواعيد طعام وتدريس الأطفال، ولا أحد يشارك معي بهذه العملية التربوية غير زوجي، أما الآن فأكاد أنسى كل ما نعانيه من قتل وتشريد واعتقال، مقابل ألمي لفقداني التحكم بحياتي، بل وحتى بأدق التفاصيل، فيجتهد كل من يسكن معنا من أهلي وأهل زوجي ليشاركني هذه القرارات، ويتحول حتى اختيار وجبة الطعام إلى مؤتمر ربما ينتهي بحرب يضرب بعدها المقيمون عن الطعام».

ينما اعتبرت رنيم، 24عامًا، أن التهجير كان عاملًا جيدًا لها، فهي مغرمة بتتبع أخبار الجيران والأصدقاء، «هنا في مركز الإيواء استعدت جزءًا مما أحب، فأنا لا أكاد أدخل غرفتي حتى أخرج إلى غرفة جيراننا، وقلبي يمتلئ فرحًا بكثرة المقيمين في المركز، أتجاذب أطراف الحديث مع من أعرف ومن لا أعرف، وأحب أن أسألهم عن أدق تفاصيل حياتهم».

ويبدو أن رنيم تعود مساءً وفي جعبتها الكثير من القصص التي جمعتها نهارًا، في محاولة جاهدة منها أن توصل لكل صاحب قصة ما حيك عنه «وكثيرًا ما حصلت مشاكل بسبب نية طيبة عندي في نقل الكلام لصاحبه، وكثيرًا ما أسمع منهم –جيتي تكحليها عمتيها، ومع ذلك لا أكف عن جمع الأحاديث ونقلها».

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ننصّب أنفسنا الآباء الروحيين لكل من حولنا وهدفنا الأساسي تغييرهم، ألا يوجد احتمال بأن يكونوا هم الأفضل؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة