700 ألف نازح تحتضنهم مدينة التل وتحنو عليهم

tag icon ع ع ع

«لقد أسكنوني في شقّة صغيرة مفروشة دون أن يتقاضوا منّي مقابلًا، ولمّا قدمت أمي إلى المدينة، لم يتوانوا عن تأمين منزل للعائلة إلى جواري، ومدّوه بوسائل الحياة والدفء والمعيشة»، تقول منى، وهي زوجة معتقل مهجرة من الغوطة الغربية، بعد أن وجدت في الابتسامة المرسومة على وجوه أهالي مدينة التل وأيديهم المبسوطة لمساعدتها «عزاءً وعونًا كبيرًا» لها، مضيفة «لقد عرّفتني الثورة أنّ لي أسرة أخرى وأخوة في مدينة التل لم أكن على علم بهم فيما مضى».

آلة قمع الأسد التي خلفت نزوحًا جماعيًا للمواطنين هربًا من الموت، زجت بآلاف العائلات في مدن وبلدات متفرقة تفاوتت ردات أفعال أهلها تجاههم بين الاحتضان والتضييق، نظرًا للأعداد الكبيرة التي شكلت ضغطًا على السكان الأصليين في المناطق المضيفة.

عنب بلدي استطلعت جانبًا من آراء الوافدين إلى مدينة التل (شمال دمشق) حول تعامل الأهالي معهم، وتسلّط الضوء على تجربة احتضان أهالي المدينة للنازحين. إذ يقطن في المدينة إلى الآن قرابة 700 ألف نسمة من مختلف المناطق السورية وأغلبهم من الغوطة الشرقية، حسب إحصائيات المراكز الإغاثية، بينما يصل عدد السكان الأصليين المتبقين إلى 40 ألفًا فقط.

فليس بعيدًا عن منى، هجّر أبو محمد عن مدينة داريا منذ العام الثاني للثورة مع أسرته وأولاده، ويقول «خرجنا تحت القصف بملابسنا وبطاقاتنا الشخصية فقط»، لكن أهالي التل كانوا «خير معين لنا، حيث اشتركنا مع أهلها في بيوتهم وأرضهم بلا مقابل، وبدون معرفة مسبقة… منذ سنتين إلى الآن لم يتقاضَ أحدٌ ليرة سورية واحدة أجرة لمسكننا أو لقاء خدمة أسداها لنا».

ويقول تميم، الذي عمل في جمعية إنعاش الفقير، إن نسبة كبيرة من النازحين لا يدفعون أجورًا لأصحاب البيوت، بينما يدفع البقية أجورًا رمزية تصل إلى 10 آلاف ليرة سورية شهريًا بشكل وسطي.

ويضيف أن عمل البسطات المتفرقة للألبسة الجديدة والمستعملة والمأكولات الشعبية والخضراوات، باتت ظاهرة ملحوظة في شوارع المدينة بسبب انتشار البطالة بين الشباب وكثافة السكان.

وبينما يتمكن الموظفون من الدوام في مؤسساتهم الحكومية في دمشق رغم المخاطر التي تعترض طريقهم، يلجأ شباب آخرون إلى العمل في المدينة الصناعية القريبة بمهن مختلفة.

بدوره يشخّص أبو خالد، أحد المسؤولين الإغاثيين لشؤون المُهجّرين في منطقة القلمون، العلاقة بين الوافدين والمضيفين في المنطقة بالقول «يأتيني أسبوعيًا أشخاص يملكون أكثر من بيت، ويعرضون بيوتهم غير المأهولة لاستقبال مزيد من النازحين؛ بينما يرشدني المغتربون من أهالي المنطقة إلى منازلهم ويطلبون كشوفات بأسماء العوائل المتضررة ليتكفلوا بسدّ احتياجاتها».

ويقول أبو خالد «طبيعة عملي تفرض عليّ أن أُحاطَ بقصص المآسي والفرار من الموت التي يجلبها الوافدون معهم، لكن لهفة المحسنين والأخوّة العميقة التي يظهرونها تخفف مصاب العاجزين وترجع عني الكثير».

ويتعاون في تأمين المساعدات وتوزيعها للنازحين في التل عدة جمعيات، أبرزها شعبة الهلال الأحمر، التي تتلقى دعمًا من مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، وجمعية إنعاش الفقير، التي يديرها ناشطون ووجهاء المدينة.

يذكر أن المدينة تخلو اليوم من وجود مقاتلين للجيش الحر أو النظام نظرًا لكثافة النازحين فيها، لكنها تحاط بعددٍ من الحواجز لنظام الأسد جنوبًا في حرنة وشمالًا عند بداية طريق منين، وتتعرض بشكلٍ متكرر لتفجير سيارات مفخخة خصوصًا أيام الجمع.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة