الجزء الثاني: بعد الاستقلال

ترسيخ الطائفية في سوريا كيف بدأ ومن وراءه؟

tag icon ع ع ع

تأسس حزب البعث الاشتراكي بعد الاستقلال (عام 1946) بعام واحد، وتحديدًا في 17 نيسان 1947 الذي كان له الدور الأبرز فيما بعد في مسرح الأحداث، وكان للحزب الدور الأبرز في سيطرة العلويين على المسرح العسكري والسياسي السوري إلى أن تمت السيطرة الكاملة لهم على السلطة في سوريا.

وكان المؤسسون الأساسيون للحزب ميشيل عفلق وهو مسيحي أرثوذكسي، والمفكر العلوي زكي الأرسوزي، وأكرم الحوراني، والبيطار، وقد قام الحزب أصلًا على الأقليات، لاسيما العلوية وبعض المسلمين السنة الذين حملوا الفكر الاشتراكي. سيطر الجيش غالبًا على الأحداث والحياة السياسية وتوالت عدة انقلابات بعد الاستقلال ونشط العمل الحزبي فكان انقلاب حسني الزعيم، ثم انقلاب سامي الحناوي، وانقلاب أديب الشيشكلي، بينما أيد حزب البعث حسني الزعيم الذي قاد انقلاب 1949.

واستغل الحزب نقمة بعض سكان القرى والبوادي، للحرمان الذي كانوا يعانونه من الساسة المتنفذين من أبناء المدن المثقفين وأبناء الشريحة الإقطاعية من أهل السنة، ومع أوساط الخمسينات انهالت طلبات الانتساب من أبناء الطائفة العلوية. ثم أتبعوا ذلك بالخطة المدبرة لغزو الجيش بالتطوع الجماعي وكان اجتماع القرداحة عام 1960 ثم تسلم الحزب السلطة في البلاد بانقلاب الثامن من آذار 1963، الذي قامت به اللجنة العسكرية بضباطها العلويين وبعض الأقليات.

 

اللجنة العسكرية السرية:

تشكلت من ضباط بعثيين نقلوا خلال فترة الوحدة للعمل في مواقع عسكرية مصرية، وعلى رأسهم محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ أسد -وهم علويون- وأحمد المير وعبد الكريم الجندي من الإسماعيلية، ثم سليم حاطوم وهو درزي.

ثم توسعت اللجنة لتمثل التنظيم العسكري في حزب البعث وتعمل على القضاء على الوحدة والتخلص من القيادة التقليدية للحزب، واستبدالها بقيادات صورية، كما عملوا على إبعاد عدد من العناصر المسلمين السنة من المواقع الحساسة وإدخال العسكريين العلويين لكي يُحكموا القبضة على المفاصل العسكرية الهامة وكان لشيوخ العشائر العلويين دور ودعم للتنظيم العسكري البعثي.

اجتماع القرداحة

عام 1960 تداعى مشايخ العلوية لعقد اجتماع في قرية القرداحة يحضره كبار الضباط وعلى رأسهم محمد عمران، ومحمد نبهان، وصلاح جديد، وحافظ أسد، وكان الهدف هو التداول والاتفاق على انخراط العلويين في الجيش وصفوف حزب البعث ودعم الطائفة للضباط المجتمعين، وتعميق أواصر العلاقة فيما بينهم، ومنحهم رتب دينية تعطيهم هالة من القداسة والاحترام والطاعة عند الطائفة عمومًا.

اجتماع حمص

عُقد في 18 تموز سنة 1963 وضم الاجتماع عددًا من المشايخ والضباط والشخصيات السياسية من الطائفة العلوية وكان منهم عزّت جديد، ومحمد عمران، وحافظ أسد، وإبراهيم ماخوس وغيرهم، واتخذت القرارات التالية:

1 – منح محمد عمران رتبة دينية كبيرة وهي الوشاح البابي الأقدس.

2 – ترفيع محمد نبهان إلى رتبة نجيب تقديرًا لدوره.

3 – إعادة النظر بالتخطيط لزيادة نفوذ الطائفة في المؤسسات العسكرية والسياسية وحزب البعث.

4 – تكليف صلاح جديد بقيادة وتوجيه العناصر العلويين في الجيش ومنحه رتبة مقدم.

5 – منح حافظ أسد رتبة نجيب وهي تلي رتبة جديد.

6 – منح عزّت جديد وعلي حمّاد رتبة المختص.

7 – تسليم القيادة المدنية السياسية إلى إبراهيم ماخوس وإعداده ليكون رئيس وزراء الدولة النصيرية العلوية المنشودة.

8 – تشجيع العلويين على الانتقال للمدن لا سيما اللاذقية وحمص ودمشق.

تضافر العلويون على التغلغل في المؤسسات العسكرية والمدنية لبسط النفوذ والسيطرة متسترين بحزب البعث الذي تحول إلى تكريس ودعم الطائفة، وقد ذكر هذا بشكل تفصيلي بكل أحداثه أحد رجالات البعث الأوائل، وهو د. سامي الجندي، في كتابه «البعث».

ورأى الجندي طائفية حزب البعث باكرًا بعد استيلاء العسكريين العلويين على قرار الحزب ومساره، وتحدث عنها بوضوح وشفافية في كتابه المذكور، الذي صدر عام 1969 في بيروت.

فيقول عن صلاح جديد «يتساءل الناس: هل هو طائفي أم لا؟ قد يكون وقد لا يكون، ولكنه مسؤول عنها، اعتمد عليها ونظمها وجعلها حزبًا وراء حزب».  كما ذكر أكرم الحوراني، أحد مؤسسي الحزب، في مذكراته التي كتبها في منفاه مجريات تكريس الطائفية في الحزب، وقد استغله العلويون، وعندما تمكنوا من انقلاب آذار 1963 اعتقلوه ثم نفوه.

وهناك عدد من السوريين الوطنيين ممن انتسبوا للحزب مشدودين بشعاراته لا سيما التركيز على آمال الطبقة الكادحة والفلاحين وآمال الأمة العربية في وحدتها، ثم كان مصيرهم إما الاعتقال أو القتل أو دفن رؤوسهم في الرمال متجاهلين ما حصل وما يحصل، خائفين من مصير يشبه مصير رفاقهم أو طامعين بمكانة قرب الطائفة التي أصبحت المتنفذة في الحزب والدولة.

من الواضح تمامًا، أن الدول الأجنبية كانت ما بين الصامتة أو المؤيدة بالخفاء لرجالات الطائفة العلوية لتمكنهم من الحكم فيحققوا أهدافًا كثيرة من عيش إسرائيل بأمان وضرب كل حركات التحرر العربية أو الإسلامية في منطقة بلاد الشام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة