tag icon ع ع ع

كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن الأقليات في سوريا وطرق حمايتهم بعد سقوط النظام. فما هي الأقليات وهل من خطرٍ حقيقي محْدق بمصيرهم بعد سقوط النظام؟! أم أن هناك أجندات مخفية للداعين إلى هذه الصيحة؟.

للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من النظر إلى تجارب الدول المجاورة والتي عانت طويلًا ليس فقط من الحروب الطائفية، وإنما من الأنظمة الطائفية حتى يومنا هذا والمعني هنا هو دولة لبنان الشقيقة.

تعريف الأقليات حسب جمعية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة:

إن الأقليات هي الجماعات التي لها أصل تاريخي ثابت وتقاليد دينية ولغوية وصفات تختلف بصورة واضحة عن بقية الشعب الذي تعيش معه. ويجب أن يكون عدد هذه الأقلية كافياً للحفاظ على تقاليدها وصفاتها، كما يجب أن تدين بالولاء للدولة.

في معظم الحالات يكون للأقليات علاقات وامتدادات خارج نطاق الدولة مع دول خارجية تشترك معها باللغة أو الدين أو الإثن مما يفسح المجال أمام هذه الدول للتدخل بالدولة الأم تحت مسمى حماية الأقليات.

التركيبة الطائفية في لبنان…

حتى نفهم التركيبة الطائفية في لبنان لابد من مقدمة تاريخية عن الحرب الأهلية واتفاق الطائف الذي كان الأساس لوجود النظام الطائفي الحالي.

يتكون المجتمع اللبناني من طائفتين كبيرتين الإسلام والمسيحية، موزعتين على 18 ملّة من المذاهب عبر هاتين الطائفتين الأساسيتين ضمن البلد الواحد. وبعد الحرب الأهلية في لبنان، كان هناك انعدامٌ لوجود الدولة، بل كان هناك مجموعة مؤلفة من حوالي 500 عائلة تملك الثروات في لبنان و تنتمي إلى مختلف الطوائف، بالإضافة إلى عامة الشعب والتي تنتمي أيضًا إلى مختلف الطوائف.

جاء اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان ولتكريس حصص القوى الخارجية المتصارعة على لبنان من خلال تمثيل الأقليات التابعة لها في السلطة. فكان لكل طائفة حقٌ في التمثيل النيابي ويتحدد عدد المقاعد التي تحظى بها وفق حجم وجودها على الأرض. حتى الوظائف الرسمية كانت موزعة بين الطوائف رئيس الدولة مسيحي ورئيس الحكومة سني أما رئيس البرلمان فشيعي.

وجدت الفئة البرجوازية في النظام السياسي الذي ولّده اتفاق الطائف البيئة المناسبة لولادة الإقطاعية الجديدة. حيث استعاض أصحاب الأموال عن امتلاك الأراضي في الإقطاعية القديمة؛ بالطائفة في الإقطاعية الجديدة. وأصبحت بحاجة إلى وجود ميليشيات لحماية مصالحها وطبعًا من أبناء الطائفة التي تمثلها. وسعت إلى تكريس النظام السياسي الطائفي في لبنان بتمثيل الطوائف باعتبارها جماعات سياسية واجتماعية، وخاصةً عبر منح كل طائفة حقها بالتمثيل السياسي والإداري ما أدى إلى جعل كل طائفة وحدة قائمة بذاتها اجتماعيًاً وتربويًاً وصحيًاً واقتصاديًا وكل طائفةٍ تتكون من زعماء روحيين وأصحاب الأموال والطبقات المقهورة من عامة الشعب، والتي اُستخدم غالبيتها كميليشيات لحماية مصالح الطبقات البرجوازية في كل طائفة.

بعبارة أخرى، فقد استغلت الطبقة البرجوازية الطائفة كأداة للإبقاء على الوضع الراهن الذى يتلاءم ومصالحها ويضمن عدم لفت انتباه الطبقات المقهورة إلى حقيقة أوضاعها المتردية، بل جعلها تدور دومًا فى دوامة الشعور الطائفى. أضف إلى ذلك أن مصالح القوى الخارجية تكمن في تعزيز الطائفية التي تعتبرها نوعًا من الوصاية على الطائفة التي تتبع لها دينيًا أو عرقيًا. فسعت باستمرار إلى تغذية منشطات الصراع من  تسليح وتمويل الفصائل المتصارعة ودفعها قُدمًا لمواصلة القتال.

 كيف تمكنت الطبقات البرجوازية من السيطرة على طبقات الشعب الفقيرة؟

باستخدام المعادلة التالية:

إضعاف دور الدولة مقابل تعزيز دور زعماء الطوائف، مع التركيز على ضرورة وجود الحد الأدنى من دور الدولة لتأمين الغطاء السياسي لتحرك زعماء الطوائف في لبنان.

تقليص دور الدولة يكون بغياب دور الدولة عن تقديم الخدمات مثل فرص العمل، التأمين الصحي، التعليم….. إلخ، فيصبح دور زعيم الطائفة هو تأمين كل هذه الخدمات لأبناء طائفته، وبالتالي ضمان ولاء هؤلاء الأشخاص للطائفة وبذلك يتعزز التقسيم الطائفي في البلد.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن لموظفٍ في شركة ما بأن يقوم بنشاطٍ ما للمطالبة بحقوقه كعامل ما لم يسمح بذلك زعيم طائفته؛ والذي يعود له الفضل في التوظيف، والذي غالبًا ما تربطه برب العمل علاقات ومصالح مشتركة فيصبح من غير الممكن للموظف المطالبة بحقوقه في هذه الحال.

مثال آخر:

أحد اللبنانيين، ينتمي إلى طائفة معينة، يقول: أنا لست طائفيًا وأكره التبعية، لا أريد أن اتبع لزعيمٍ أو حزبٍ ما، ولكن ظروف الحياة تضطرنا لذلك. على سبيل المثال، الدولة لا توفر التأمين الصحي لجميع المواطنين وتكاليف العلاج في لبنان أكثر من باهظة. ذات يومٍ احتاجت طفلتي إلى العلاج في المستشفى ولكنهم هناك أخبروني أنه لا يوجد سرير شاغر لطفلتي!! أجريت اتصالاتي مع زعماء طائفتي و بعد ساعة توفر السرير في المستشفى لابنتي. كان من الممكن أن أحصل على الخدمة في المستشفى كمواطنٍ لو أن الدولة تقوم بعملها كدولة؛ ولكني مضطر لأطلب ذلك من زعيم طائفتي وأن أدفع مقابل ذلك ولائي له.

حماية الأقليات في سوريا

إلى مثل النموذج اللبناني يدعو الكثير من مدعيّ حقوق الإنسان وحماية الأقليات في المنظمات الدولية. فمن وجهة نظرهم يجب على الأكثرية في سوريا أن تضمن حقوق الأقليات بتشكيل أحزاب قائمة على أساس ديني وإعطاء أولويات لهذه الأحزاب في التمثيل النيابي لضمان التعبير عن مصالحهم في الدولة! مع العلم أن معظم هؤلاء الأشخاص أنفسهم هم من الداعين إلى فصل الدين عن الدولة، ومن أشد الأشخاص معارضة عند الحديث عن دولة إسلامية، لأن الدين يجب أن يمارس في أماكن العبادة، أما السياسة فهي شي آخر.

وهنا لا يمكن أن نفهم الدعوة إلى إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني في سوريا على أساس النوايا الحسنة. فمعظم هولاء الدعاة ينتمون إلى دول تطمع بلعب دور الوصاية على الأقليات والبعض على الاكثرية (الدول الغربية كوصية على المسيحيين، وإيران وصية على الشيعة، ودول الخليج وصية على السنة… وباعتبار أن النظام الأسدي كان قد ساهم بشكل كبير في خلق البرجوازيات من كافة الطوائف، فان البيئة مواتية جدًا لإعادة سيناريو لبنان. وبذلك تتم حماية البرجوازيات من كافة الطوائف ومعها مصالح الدول المرتبطة بها على حساب طبقات الشعب الفقيرة التي لن تعاني الفقر وحسب، بل أيضًا الاقتتال فيما بينها لحماية مصالح أربابها من زعماء الطوائف.

إن الرد على هذه الصيحات هو بأن إنشاء دولة مدنية تضمن حقوقًا متساوية للجميع، لهو كفيلٌ بحماية الأقليات والأكثريات معًا وبتقوية دور الدولة لتحقيق ذلك، وعدم النظر إلى الأقليات على أنهم أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، هم ليسوا أقليات؛ هم سوريون. وكما قال المعارض جورج صبرة في خطابه  للمسيحيين أنهم هم من أهل الدار وليسوا بحاجة إلى حماية من أحد، فجميع السوريون هم أهل سوريا، ولا يحق لفئة أن تدعي حماية فئة أخرى.

لم تقم البلدان الغربية التي تنادي بحماية الأقليات في سوريا بأي إجراء مشابه في بلادهم. ففي ألمانيا مثلًا، لا يوجد حزب سياسي للمسلمين الأتراك الذين يشكلون نسبة لا بأس بها من المجتمع الألماني. ولم تفترض الحكومة الألمانية الحاجة إلى تأمين حماية المسلمين الأتراك أو تسهيل تمثيلهم في الدولة للتعبير عن مصالحهم الخاصة أو المُلهمة من انتمائهم الديني. فلماذا يفترض أن تكون سورية مختلفة، مع العلم أنه بالنظر إلى التاريخ تميز السوريون بتاريخٍ مشرقٍ من خلال تعايشهم مع بعضهم من جميع الطوائف بينما نجد التاريخ الألماني مليئًا بالصفحات السوداء من التمييز الطائفي ضد اليهود.

مقالات متعلقة