أريد ثلاث جثث! 

في الزنزانة.. مصير مشترك وانتهاكات مقابل رغيف خبز

tag icon ع ع ع

محمد فواز

تطرقنا في العدد السابق لآثار سماع صوت تعذيب النساء والإساءات ذات الطابع العنصري والديني، وسنتحدث في هذا التقرير عن أساليب التعذيب غير المباشر في المعتقلات، والتي تخلف أضرارًا كبيرة على نفسية المعتقل.

المصير المشترك

يوضع المعتقلون في الزنزانات الجماعية، وفي الغالب تكون الزنازين مزدحمة جدًا، والظروف الصحية سيئة للغاية، ليموت عدد منهم بشكل يومي فيها. وخلافًا لما يشاع بأن كل المعتقلين يقتلون تحت التعذيب، فإن كثيرًا منهم يموتون بسبب الأمراض والظروف الصحية بالغة السوء.

والتعذيب المتبع داخل الأفرع الأمنية غالبًا ما يكون ممنهجًا، وفي حالات قليلة يموت المعتقل تحت التعذيب، بل إن كثيرًا منهم يتمنون ذلك حتى تنتهي مأساتهم داخل المعتقل. ونعود لأثر ذلك، فزميل الزنزانة الذي يعيش مع المعتقل يحدثه ويشاركه المأكل والمشرب والنوم، يموت بسبب المرض والظروف الصحية، ما يجعل المعتقل يصاب بخوف وقلق كبير، فما الفارق بينه وبين الميت طالما أن الكل معرضون لنفس الظروف، بالإضافة إلى الحزن الشديد الذي يصيبه على فراق المؤنس.

محمد، معتقل سابق في فرع فلسطين، يقول «كنا في زنزانة صغيرة فيها حوالي 15 شخصًا، وبالكاد كان المكان يتسع لنا، في الطابق الثاني تحت الأرض حيث لا شمس ولا هواء والدواء ممنوع… توفي في فترة اعتقالي التي استمرت شهرًا ونصف 10 أشخاص في الزنزانة، وذلك قبل أن يأتي دورهم في التحقيق، الموت كان بسبب المرض».

كان محمد يستيقظ في زنزانته فيجد أحدهم ميت، ويتابع في حديثه «قد تكون بدأت معه بحديث لم تكمله، وقد تكون استدنت منه رغيفًا لتعطيه إياه في الوجبة القادمة، لكن للأسف لا تستطيع إكمال ما بدأت به لأنه مات».

عند وفاة المعتقل، يطرق زملاؤه الباب كي يأتي السجان ويبلغوه بموت زميلهم، ليسمعوا بآذانهم عبارة السجان الشهيرة «هاتوا هالكلب الفاطس لجهنم»، ويردف محمد «نضع الجثة على الباب ليأخدها مع عناصره إلى مكان مجهول، وفي كل يوم كنا نسمع أصوات طرق الباب من الزنازين الأخرى»، يصمت محمد قليلًا ويتابع «كان موت كل شخص يشعرني بأن نهايتي اقتربت، ولا بد أن يأتي يوم ليكون هذا مصيري، فالزنزانة واحدة والظرف واحد».

صناعة الوحوش

الشاويش (أو رئيس الجماعية) هو شخص من المعتقلين، يعينه السجان داخل الزنزانة للإشراف عليهم وتوزيع الطعام لهم، ومن مهامه ضرب المعتقلين داخل الزنزانة، وفي بعض الأحيان قتلهم.

لا يتمتع الشاويش بأي ميزة لدى السجان سوى رغيف خبز وقليل من الطعام زيادة عن حصص البقية، ويقوم هذا الشخص بتجميع بعض الأشخاص المعروفين بـ «السخرة»، والذي يحرمون بعض المعتقلين من الطعام وضرب آخرين حسب مزاجهم أو وفق طلب السجان.

على سبيل المثال يقول السجان للشاويش «أريد ثلاث جثث»، مهددًا إياه بأنه سيتلقى نفس المصير في حال لم يفعل، ليختار رئيس الجماعية ثلاثة أشخاص ويضربهم حتى الموت هو و «جماعته».

هذا الذي يقع على المعتقل من قبل شريكه، يجعله يشعر بالظلم يرافقه في كل لحظة داخل زنزانته ويشعره بانعدام العدل في هذه الدنيا، (فكيف لشريكي في المعتقل أن يقتل أحدهم مقابل رغيف خبز؟).

فادي، معتقل سابق في الفرع 215 في دمشق، يقول «الشاويش الذي كان مسؤولًا عنا، عنصر في الجيش الحر وحمل السلاح ضد النظام، لكنه في الزنزانة تحول إلى وحش يقتل ويضرب فينا ويظلمنا، كنت أشعر دومًا بالقهر والظلم وقررت عند خروجي أن أقتله انتقامًا لمن قتلهم».

ويردف «كان اليأس يسيطر عليّ، فكيف لمن حمل السلاح ضد النظام أن يتمتع بكل هذا الشر ويقتل الناس، ومن المفترض أنه خرج في الثورة من أجلهم».




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة