حرية الصحافة والخصومة مع سلطة الرقيب

فادي القاضي: خبير حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط.

camera iconفادي القاضي: خبير حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط.

tag icon ع ع ع

فادي القاضي (تويتر @fqadi)

حرية الصحافة بحاجة إلى تمكين. ولا يكفي أن تتوافر شروط الضمير والموضوعية والدقة والنزاهة لدى العاملين الصحافيين الأفراد لتمكين هذه الحرية. وتحتاج في أدنى المستويات إلى ضمانات توفرها البيئة التي يعمل بها الصحافيون ومؤسساتهم الصحافية والإعلامية. ولا تتغير مكونات هذه البيئة في أوقات السلم أو في الحرب، أو تحت نظام أحادي قمعي معادٍ للإنسانية، مثل حكم بشار الأسد، أو تحت حكم نظام متعدد الرؤوس، كذلك السائد في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة في سوريا. وكون هذه الفصائل ليست حكومات معترف بها على الصعيد الدولي، لا يعفيها من مسؤولياتها تجاه المناطق التي تسيطر عليها، وهذه الفصائل حُكمًا هي «سلطات الأمر الواقع».

أهدر نظام بشار الأسد كل ضمانات حرية الصحافة في سوريا، بمنع المؤسسات المستقلة من التأسيس ومنع إصدار الصحف المستقلة وإنشاء المحطات الخاصة وحبس الصحافيين باعتبارهم فئات مُعارضة لنظامه، وتعذيبهم وتغييب شامل لمنظومة عدالة تستطيع إنصاف الصحافيين، ومؤسساتهم، في وجه جلمودٍ من تعسف السلطات. ولهذا السبب، ظل مؤشر الحريات الصحافية الذي تعمل على إصداره منظمة صحافيين بلا حدود، كل عام، يضع سوريا في مرتبة متدنية (سلبًا) وآخرها كان المرتبة 177، أي بثلاث مراتب قبل إريتريا التي تتبوأ المركز 180 والمركز الأخير في معطيات مؤشر عام 2014.

ولعل ما ظل يطفو على سطح المشهد الإعلامي في المناطق الخاضعة لسلطة الأمر الواقع من قبل فصائل المعارضة المسلحة، يمضي إلى نتائج كارثية أيضًا.

ألد خصوم وأعداء حرية الصحافة، هي الرقابة بأشكالها المختلفة. وإن كان من المفهوم أن تسود الرقابة المسبقة والمباشرة على ما تنتجه وسائل الإعلام في ظل نظام بشار الأسد، إلا أنها قد تتخذ أشكالًا أخرى مثل المنع من الإصدار، أو التهديدات الموجهة للصحافيين الأفراد أو مؤسساتهم الصحافية والإعلامية؛ إصدار تعليمات أو تعاميم (من قبل سلطات الأمر الواقع) من شأنها وضع قيود على طبيعة ما يُنشر في الصحف؛ أو وضع قيود على توزيع المطبوعات أو مصادرتها؛ بالإضافة إلى اعتقال الصحافيين تعسفًا ومن دون أي سند قانوني.

وتوفر حادثتين في شهر آب الماضي إشارة بالغة إلى تدهور ضمانات حرية الصحافة في مناطق سلطة الأمر الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة في سوريا. أولاهما حادثة منع حركة أحرار الشام في معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا إدخال صحف مستقلة (كلنا سوريون، طلعنا على الحرية، عنب بلدي وصدى الشام) إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية. وثانيهما، قيام مديرية الإعلام في الإدارة الذاتية الديمقراطية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في القامشلي بمنع قناتي الأورينت و روداو من التغطية الميدانية في مناطقها.

يدفع الجيل الجديد من الصحافيين السوريين ثمنًا باهظًا، أقله حريتهم الشخصية وسلامتهم الجسدية، وأبلغه حياة كل منهم، في التأسيس لعمل مهني مستقل يقوم على توفير الحقائق لجمهور تركه الجميع وحيدًا وجريحًا. والتذرع بغياب القانون حجةٌ باطلة. وفي كل مكان يسيطر عليه فصيل مسلح، أيًا كان ديدنه، هناك أعرافٌ أصيلةٌ تقوم مقام القانون، وهي مستمدةٌ أصلًا من أفضل ما أنتجه القانون في سياق حرمة التعسف، وعدم جواز التعدي على حقوق الأفراد والمجتمعات، وأبرزها هنا، حق الجمهور في المعرفة، وهذه «سلعةٌ» توفرها الصحافة المستقلة في سوريا، ومن شأن تقييد حرية هذه الصحافة إهدار حق الجمهور بالمعرفة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة