tag icon ع ع ع

عنب بلدي – سيرين عبد النور

ربما حظي موضوع المثليين في العالم بقليل من الضوء بعد قرار الرئيس الأمريكي بالتصديق على زواج المثليين وما صدر حوله من جدل في الأوساط السورية، إذ دخل هذا الخبر وأثار اهتمام الكثيرين رغم المصائب التي يغرق فيها المجتمع السوري.

وفي حين انقسم الناشطون السوريون في آرائهم حول القرار، إلا أن أغلب الآراء كانت ضد القانون، ملقية النكات ومتهكمة عليه، في حين أشار الكثير منهم إلى الضجة العالمية حوله وعدم الالتفات إلى الدم السوري المسفوك منذ أربع سنوات من عمر الثورة.

عالم الصمت

كثيرة هي الخطوط الحمراء في المجتمعات الشرقية، التي توصف أغلبها بالمجتمعات المحافظة (المتدينة) الرافضة للظواهر الشاذة والداعية لمحاربتها، لكن ذلك لا يلغي وجود مثل هذه الظواهر، رغم أنه ينزل بها إلى عوالم تحت الأرض تحيط بها السرية والغموض ويلفها الخوف من المجتمع والسلطات، إذ تعاقب أغلب السلطات المدنية والدينية عليها، ومنها الشذوذ الجنسي.

إن الحديث عن الظواهر الشاذة في المجتمع السوري غريب، وربما محظور مع شيء كثير من الإدانة لها ورفضها، ويشتد الجدار الحديدي ويعلو حول مثل هذا الحديث كلما ابتعدنا عن المدن الكبرى واتجهنا شرقًا نحو الجزيرة السورية، وحيث المجتمعات المحلية التقليدية التي لايزال فيها شيء من عقلية العشيرة والطابع البدوي.

سباحة ضد التيار

وفي حين يختلف التصنيف الاجتماعي والنفسي حسب تطور المجتمع وانفتاحه وثقافته بالنسبة لمثل هذه الظواهر، إلا أن وجودها طرح العديد من القضايا، وأبرزها أوضاع المثليين في المجتمع السوري، وبخاصة أولئك الموجودون ضمن مناطق تسيطر عليها حركات متشددة تصل عقوبة المثلية فيها إلى القتل.

يصف «سامر»، وهو أحد المثليين من مدينة منبج، أوضاع هذه الشريحة من المجتمع السوري خلال السنوات الأخيرة بقوله ’’لقد كان هناك العديد من الأصدقاء الذين أسهموا في الحراك الثوري، منهم من اعتقل واستشهد، ومنهم من هو في صفوف الجيش الحر، رغم أن حياتهم الخاصة بقيت عالمًا سريًا بعيدًا عن الأضواء».

الشاب الثلاثيني يصف أوضاع المجتمع المثلي في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة بالسيئة، بسب سيطرة التنظيمات المتشددة ونفوذها القوي، «لقد ابتعد الكثير من الشباب عن مدنهم الأصلية وبلداتهم، فمنهم من نزح إلى مناطق سيطرة النظام، ومنهم من ابتعد مفضلين السلامة والأمان في الدول المجاورة، حيث وجدوا مساحات من الحرية أكثر من تلك التي كانت موجودة في المجتمع المحلي السوري، لكن البعض، وهم العدد الأقل، رفض الخروج وهم لايزالون يعيشون في ظلال الخلافة مستمرين في حياتهم، وإن كان ذلك يعرضهم لخطر دائم يحيط بهم».

تهمة تفضي إلى الهلاك

لم يكن ما شهده «عبود» في أحد مقاهي الإنترت في قرية الحسينية التابعة لريف ديرالزور الغربي حادثًا استثنائيًا، حيث نزلت مجموعة من العناصر إلى المقهى وطوقت المكان، مع وجود عدد من المصورين والكاميرات التي ترافق عملية الاقتحام، ليكتشف الجميع بعد لحظات من الذهول أن هذه العملية تهدف إلى إلقاء القبض على أحد الشباب في القرية (م) بتهمة بقيت سرًا لعدة ساعات، في منطقة تكثر مداهمتها من قبل عناصر التنظيم بحثًا عن المسلحين أو الناشطين أو عن أشخاص تمت الوشاية بهم على أنهم معادون للتنظيم.

التهمة هذه المرة كانت أكثر مفاجأة، وهي القبض على الشاب بتهمة الشذوذ الجنسي، ويقول عبود، وهو أحد شباب القرية، لعنب بلدي «مثل هذه التهم تكفي لوصم صاحبها بالعار في مجتمعنا ولا تمحى أبدًا حتى بعد عشرات السنين».

ورغم وصف الشاب نفسه بـ «المتمدن وصاحب فكرٍ حر ومنفتح»، إلا أنه يرى أن ما يفعله التنظيم يشكل جزاءً عادلًا «لمثل هولاء، الذين يشكلون عارًا على ذويهم وعلى مجتمعهم»، وقد وثق الناشطون في المناطق الشرقية التي يسيطر عليها التنظيم من سورية (الرقة، ديرالزور) إعدام أكثر من 15 شخصًا بتهمة ممارسة الشذوذ الجنسي، عبر إلقائهم من مناطق مرتفعة، ودون أن يعلن التنظيم كيف تحقق من ممارسات هولاء الأفراد لهذه الأفعال، كما يقول محمد، أحد الناشطين في ديرالزور، لعنب بلدي، إذ يرى أن التنظيم يحاسب الأفراد بناء على الظن والوشاية وأحيانًا على تاريخ سابق يعود لعشرات السنين.

ما يجري، وبحسب محمد، هو تعامل عناصر التنظيم مع المتهمين بشكل عنيف جدًا و»سادي»، على حد تعبيره، إذ يتعرض الأفراد إلى اعتداءات وحشية وتعذيب رهيب.

ويصف الباحث الاجتماعي «طه العبد» ما يحدث لمثل هولاء على يد عناصر التنظيم بالتطهير الذاتي للضحية والجلاد معًا، وبخاصة أن مثل هذه الجماعات تقوم أساس دعواها على إقامة مجتمع الفضيلة في صورة طوباوية ليس لها أي وجود على أرض الواقع، وربما يحاول بعض العناصر التكفير عن أخطاء ارتكبوها في الماضي عبر الانتقام من هؤلاء الأفراد، الذين يتم اتهامهم بالشذوذ وإدانتهم في جميع الحالات دون دليل مادي ملموس وحقيقي، ما دفع بأحد الخبراء القانونيين أن يعبر لعنب بلدي «بقطعية» بطلان جميع هذه الأحكام في الشرع، فهي أحكام ظنية لا تقوم على أساس ثابت، وبخاصة أن مثل هذه التهم تقوم دينيًا على تحقيق نصاب معين من الشهود وتثبت أكيد وقطعي لا ظني.

ازدواج في المعايير

على أحد منابر ديرالزور جهش «أبو المنذر المصري»، أحد خطباء المدينة وقاضي قضاتها اليوم، بالبكاء وهو يصف بعض التائبين «من الأفعال الخبيثة، التي ذكر بعضها معددًا «بعض تلك الشرور الزنا والسرقة والشذوذ»، هؤلاء «العصاة» التحقوا بالتنظيم بعد أن أعلنو توبتهم وأصبحوا ضمن صفوف جند الخلافة، ’’وقد صلُح حالهم ومنهم من استشهد ومنهم من أصبح من القادة والشرعيين». في إشارة إلى أن البعض من جند الخلافة، سواء القادمين من بعيد أو المحليين، هم شواذ «يريدون التوبة وتطهير أنفسهم». يقول الباحث طه «إنهم يريدون تطهير أنفسهم عبر ذبح البشر وتعذيبهم وتقديم الدماء قربانًا لتطهير آثامهم السابقة».

وقد أخذ التنظيم يشدد من إجراءاته، لاسيما بعد اللغط الذي انتشر حول إقرار مشروعية زواج المثليين في بعض الدول، إذ يؤكد عناصر التنظيم على وقوفهم حرسًا على الأخلاق والفضائل في المجتمع، والحفاظ على القيم الدينية، كما أنهم سيحاربون كل من يتجرأ على أي حد من حدود الله. وقد فتحت الضجة التي أثيرت حول الموضوع بابًا جديدًا من أبواب الجحيم على الأهالي، وبخاصة الشباب الذين باتوا يتجنبون تحسين مظهرهم، ويميلون إلى التشبه بمظهر التنظيم كأحد طرق الأمان والسلامة.

وكان التنظيم حذر الشباب في مناطقه من اللباس الضيق وحلق اللحى و»التشبه بالغرب» معززًا ذلك بعقوبات مادية (غرامات مالية وسجن وجلد إضافة إلى تمزيق اللباس في الشارع أو مصادرته)، وعقوبات معنوية منها التشهير أو السجن في قفص حديدي موجود في الشارع العام.

ضغط اجتماعي

يقول فادي، أحد المثليين في مدينة الرقة التي تعد عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية، لعنب بلدي «لقد كنا نعيش حياتنا بشكل عادي، نخرج مع أصدقائنا في نزهات إلى الحدائق والمناطق العامة في ظل النظام وبعده مع بقية الفصائل التي سيطرت على المنطقة بما فيها جبهة النصرة، إلا أننا اليوم نخشى الخروج من بيوتنا».

الشاب الذي احتفل بعيد ميلاده الخامس والعشرين مع رفاقه قبل أن يخرج من الرقة نحو تركيا، يقول «لايزال هناك بعض الأصدقاء في الداخل الذين يرفضون الخروج ويصرون على البقاء رغم المخاطر التي تحيط بهم من كل جانب، ورغم معرفتهم أن ذلك قد يكلفهم حياتهم في حال تسرب أي خبر للتنظيم عنهم وعن أسلوب حياتهم».

ورغم انتقال شريحة واسعة من هذا المجتمع السري إلى الدول المجاورة إلا أنهم حافظوا على سرية حياتهم وعلاقاتهم، ومنهم من تزوج للحفاظ على صورته الاجتماعية، كما يشرح فادي، «نحن ممنوعون من الكلام ومن التعبير عن أنفسنا في ظل مجتمعات تعاني من الرهاب في جميع أشكاله، وربما تشكل لنا فرصة الخروج من سوريا نافذة للخروج نحو حياة جديدة نعيشها في الشمس ودون الخوف من أحد»

دروب متفرقة

وفي حين تتباين مصائر الشباب بحسب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لكل منهم، فبينما يحاول (م) الوصول إلى أوروبا عبر رحلة برية يقطعها مع المهربين تكلفه حوالي 4000$، يعيش فادي اليوم في إحدى المدن التركية القريبة من الشريط الحدودي، محافظًا على الصمت والأسرار التي تغلف ميوله الجنسية، على أمل العودة نحو مدينته في وقت قريب، بينما أصبح سامر نزيلًا مع أسرته في مخيم «حران» على الأراضي التركية ينتظر فرصة عمل ليحسن من خلالها أوضاعه المعيشية، إذ يعيل أمه وأبناء شقيقه الذي استشهد في معارك الريف الشمالي بين فصائل الجيش الحر وتنظيم الدولة الإسلامية.

أجرينا هذا البحث معتمدين على استطلاعات سابقة ومستعينين بمقابلات شخصية وتواصل مع العديد من الحالات من مختلف أنحاء سوريا، محاولين استجلاء الغموض عن عالم سري والدخول في دهاليز مجموعات من الأفراد الذين يعيشون بيننا، محاولين التعرف إلى شيء من حياتهم وطرق تفكيرهم، دون أن نعطي لأنفسنا الحق بالحكم عليهم سلبًا أو إيجابًا، ودون أن نقيم سلوكهم وصحتهم النفسية والعقلية والجسدية، مكتفين بمحاولة إطلاع القراء على جزء مخفي من المجتمع، يعلم الجميع بوجوده لكنهم يصرون على السكوت عنه، رغم أنهم غالبًا ما يشيرون إليه تارة بالنكات وطورًا بالتحذير والوعيد.

أحمد سعيد حوى عضو الأمانة العامة في المجلس الإسلامي السوري

أحمد سعيد حوى عضو الأمانة العامة في المجلس الإسلامي السوري

ما هي الفتوى الشرعية للعلاقات المثلية؟

الشيخ أحمد سعيد حوى، عضو الأمانة العامة في المجلس الإسلامي السوري، اعتبر أنه «لا خلاف عند الفقهاء بأن كل علاقة خارج عقد الزواج الشرعي هي زنا محرم، وإذا كانت بين المثلين فهي لواطة أو سحاق، وهذا الفعل أشنع من الزنا وأقبح في منظار الشرع، ولا يجوز».

وأضاف حوى لعنب بلدي «ليس هناك الآن في سوريا جهة صاحبة ولاية شرعية لإقامة الحدود (لهذا النوع أو لغيره)، ولكن يمكن أن يكون هناك عقوبة تعزيرية من جهة لها سيطرة على الأرض كالمحاكم الشرعية في المناطق المحررة من باب التأديب حتى لا تمر الجرائم بدون عقوبة».

وحول الشروط التي يجب أن تتوافر في الحالة حتى يقر بعقاب لها، أكد الشيخ على ضرورة «إثباتها على الإنسان أولًا بالبينة الشرعية أو بالإقرار من غير شبهة، وأن يكون بالغًا عاقلًا مكلفًا ليس عنده شبهة ولا عذر كالإكراه مثلًا، فيعاقب لتكون عقوبة رادعة لأمثاله ولتطهير المجتمع من هذه الفاحشة».

كيف يعاقب الدستور السوري المثليين؟

وسط غياب دستور معتمد للمناطق المحررة في سوريا، ننظر في الباب السابع الخاص بالجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة في قانون العقوبات السوري المعمول به منذ عام 1449، وتنص المادة 520 من الفصل الثاني على «عقوبة المجامعة على خلاف الطبيعة، وهذه الجريمة لا يمكن أن تتم إلا بين شخصين من البشر، أما إذا كانت بين إنسان وحيوان فلا تعد من هذا النوع من الجرائم، ولكنها يمكن أن تدخل في الجرائم الواردة في باب التعرض للآداب والأخلاق العامة من قانون العقوبات».

وقد اشترط لهما القانون «ارتكاب الجرم بصورة علنية في المادة 208 منه، فإذا لم يتم هذا الشرط فإن عناصر الجريمة تبقى غير متوفرة».

ويتطلب الجرم أيضًا أن «يكون واقعًا على شخص أتم الخامسة عشرة من عمره برضاه فهو يعتبر من نوع الجنحة».

وتنص المادة 520 على أن «كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة جاءت مطلقة تشمل الجنسين».

«الشذوذ» الجنسي عبر التاريخ

وفق دراسة للباحثة الدكتورة نهى قاطرجي، نشرت في مجلة البيان عام 2010، فإن أول من جاهر بالشذوذ الجنسي هم قوم لوط، لذلك أصبح هذا الفعل يُسمى باسمهم، وبعد ذلك فإن الفعل عرفته كثير من الأمم كالآشوريين، والبابليين والمصريين، والهنود، واليونانيين، والفرس ثم العرب.

ويذكر الفيلسوف الفرنسي فوكو Foucault أن فهم الغربيين للجنسية المثلية يتأتى من معايشة مرحلتين: المرحلة الأولى عندما حاول المحللون النفسيون أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إعادة تعيين الجنسية المثلية من منظور علماني؛ بعيدًا عن الحكم المسيحي الذي حرم مثل هذا الفعل. والمرحلة الثانية عندما استطاعت تلك الأقلية الشاذة التي اختلقها المحللون النفسيون تحويل هويتهم الجنسية إلى مصدر قوة لهم وتناصر.

وكان من نتائج تشريع علماء الغرب لهذا الفعل أن انعكست نتائجه على الصعيد الواقعي والتشريعي. حيث تغير واقع الشاذين جنسيًا بعد الفترة التي عرفت بالثورة الجنسية، وبدأ ظهور هؤلاء يأخذ طابعًا علنيًا. ومن مظاهر هذه العلنية اجتماعهم عام 1968، في فندق ستون وول في نيويورك، والذي نتج عنه اندلاع أعمال الشغب لثلاثة أيام متواصلة، نادى فيها الشاذون بسقوط «الرجعية الجنسية».

ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن يتزايد سعي هؤلاء إلى تشريع وجودهم شيئًا فشيئًا، وكان من نتائجه تعديل قوانين بعض الدول التي تحرم الشذوذ حتى تتماشى مع رغباتهم، كما حصل في القانون البريطاني الذي لم يعد يعتبر منذ سنة 1967 الشذوذ الجنسي فعلًا جرميًا ما دام قائمًا بين اثنين راشدين بالغين ومتفقين على ممارسة الفعل.

وفي حزيران 2015 أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمًا يقضي بمنح الحق للمثليين جنسيًا بالزواج في كافة الولايات الأمريكية، وهو الحكم الذي وصفه الرئيس باراك أوباما، أنه «انتصار لأمريكا.. وانتصار للحب».

مجلس الأمن يبحث حقوق «المثليين» في سوريا

عقد مجلس الأمن للمرة الأولى جلسة خصصها لبحث حقوق «مثليي الجنس»، في كل من سوريا والعراق، في 24 آب الماضي، واستمع المجلس خلال الجلسة إلى شهادات عن «الانتهاكات» التي يرتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» في كل من البلدين بحق المثليين.

الجلسة شهدت انتقادًا لاذعًا من قبل الناشطين السوريين في المناطق المحررة، كون مجلس الأمن فشل أكثر من مرة في الوصول إلى حلّ لإيقاف الأسد والتنظيمات المتشددة من انتهاكاتها بحق السوريين منذ 5 سنوات، ومتكهمين من التركيز على قضية مهمشة في «بحر من الدم».

مقالات متعلقة