tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

طرحٌ روسيٌ باحتمال تحوّل سوريا إلى دولة فيدرالية طفا إلى السطح خلال الأسابيع القليلة الماضية، عززته مواقف جهات عديدة أبرزها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، برئاسة صالح مسلم. ويبدو أن الطرح ينسجم بشكل كبير مع توجهات الحزب الكردي الذي بات يتمدد شمال سوريا وشرقها تحت غطاء دولي في مواجهة تنظيمالدولة، ويثير من جهة أخرى تركيا الحليف الأبرز للثورة السورية.

وينظر إلى الطرح الروسي خلال هذا التوقيت على أنه “سباحة عكس التيار”، ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار لترسيخ وقف النار بين المعارضة والنظام، يحاول الروس رمي الكرة إلى الأمام عبر اتباع سياسات “جس النبض”، بطرح صيغ لبنية نظام الحكم السوري الجديد، تتماشى مع رغبات مكونات معينة من الشعب السوري من أجل معرفة ردود الفعل، ولعل تحول سوريا إلى دولة فيدرالية يحفظ ماء وجه النظام من السقوط، بعدما كاد أن يتهاوى بفعل الثورة الشعبية.

ويتناقض الطرح الروسي الحالي مع كلام موسكو الرسمي بالحفاظ على وحدة أراضي سوريا، لأن هناك توجسًا وتخوفًا كبيرين من قبل المراقبين بالتوجه إلى تقسيم سوريا في حال فشل وقف إطلاق النار.

لا يخفي حزب الاتحاد نيته التفرد بحكم “الكانتون” شمال سوريا، فهو الجهة السورية الوحيدة التي بادرت إلى افتتاح ممثليات لها في موسكو ودول أوروبية عديدة، وهي خطوة وصفها مراقبون وناشطون سوريون بداية لتحقق الحلم “إقليم الإدارة الذاتية”.

لكن “فدرلة” سوريا وهو المصطلح الذي يبدو أنه سيتداول كثيرًا خلال الفترات المقبلة بالتزامن مع إطلاق مفاوضات السلام بين المعارضة السورية والنظام، سيصطدم بالكثير من العراقيل والمواقف التي تعارض هذا الطرح لأنه برأي بعض المحللين “خطوة أولى لتقسيم سوريا”، فيما يرى طرف آخر بأنه الحل الوحيد والضامن لوحدة البلاد.

وبين هذين الطرحين يستمر “رسم” الشكل المستقبلي لسوريا سياسيًا وحتى إداريًا بين الأطراف الدولية، واللاعبَين الأساسيين موسكو وواشنطن.

لا دخان بدون نار

فتح تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بأن “موسكو تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، ووضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا المستقبل”، فتح الباب أمام تكهنات بوجود قرارات واتفاقيات ربما تبرم في “الكواليس” عن شكل الدولة المقبل، وكيف ستكون “الفدرلة” وعلى أي أساس، في ظل وجود فسيفساء من الأعراق والطوائف المتعايشة والتي شكلت الحرب الراهنة اختبارًا كبيرًا لمدى تماسكها وانسجامها.

وانسجم هذا التصريح مع تحذير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من أن سوريا ربما تتعرض للتقسيم، وذلك في أول حديث له عن ذلك منذ اندلاع الثورة، ما يفسر استشعاره إمكانية تقسيم البلاد.

الطرح الروسي والتنبؤات وجدت على الفور صدًى لها في إقليم كردستان العراق، حيث عبرت رئاسة الإقليم عن دعمها لفكرة إنشاء نظام فيدرالي في سوريا، مطالبة الجهات الكردية أن تكون على موقف واحد بهذا الخصوص، وجاء في بيان للرئاسة، نشر في الثالث من آذار الجاري، أنه “ولتعزيز الاستقرار وإنشاء تشارك حقيقي بين المكونات المختلفة في سوريا، فإن إقليم كردستان يدعم فكرة إنشاء النظام الفيدرالي فيها”.

لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيري، نفى في تصريح صحفي رغبة بلاده في أن يتم تشكيل منطقة شبه ذاتية الحكم للأكراد في سوريا، مشيرًا إلى “ضرورة تولي حكومة جديدة للسلطة تحافظ على وحدة الأراضي السورية، بعد انتهاء اتفاق وقف الأعمال العدائية”. ويتفق هذا التصريح إلى حد ما مع ما يراه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيرى، بأن استمرار الصراع يجعل من الصعب رؤية سوريا موحدة على المدى الطويل.

شكوك في نوايا الروس

ترغب المعارضة السورية في ترحيل مسألة شكل الدولة والحكم لما بعد التوصل إلى حل سياسي للأزمة الحالية، لأن “المعركة الآن هي لإسقاط النظام” أما شكل الحكم فيحدده الشعب السوري وهو من مهمة الهيئة التأسيسية الوطنية التي ستكتب الدستور الجديد، بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي، بحسب يحيى مكتبي، الأمين العام للائتلاف السوري المعارض.

ويضيف مكتبي أن جميع القرارات الدولية السابقة بخصوص الشأن السوري، أكدت بشكل صريح على وحدة سوريا وشعبها، مشيرًا إلى أن طرح الروس لإمكانية تشكيل دولة فيدرالية في سوريا “مثار ريبة وشك ومتناقض مع ما نصت عليه القرارات الدولية”.

يعتبر مكتبي، في تصريح لعنب بلدي، أنه لا يمكن لأي دولة من الدول، أو جهة من الجهات داخل سوريا وخارجها، أن تصادر إرادة الشعب السوري، لافتًا إلى أن “أي طرح يجب أن يكون ضمن الأطر الدستورية، ليخضع لعملية الاستفتاء، ويقرر الشعب السوري الشكل المناسب لدولته”.

الأمين العام للائتلاف السوري يؤكّد أن “ما يتفق عليه السوريون سيكون محط احترام وتنفيذ، على اعتبار أن البوصلة الأساسية هي مصلحة الشعب السوري بكافة مكوناته وعلى قاعدة العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات”.

أما بالنسبة لشكل الدولة وطريقة تكوينها، فيحيل مكتبي المهمة إلى “هيئة تأسيسية وطنية ستكتب الدستور الجديد، بعد تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات واسعة بما فيها الجيش والأمن دون بشار الأسد”، مضيفًا أنه “أمر لا يمكن مناقشته بكل احترام مع صفحات التواصل الاجتماعي أو مقالات في الصحف”.

وفي ختام حديثه أشار مكتبي إلى أن روسيا “لعبت دائمًا وأبدًا أدوارًا سلبية في المشهد السوري، وآخرها استخدام المقاتلات الحربية، كما ظهر دورها السلبي أيضًا من خلال دعوتها إلى تشتيت المعارضة في اجتماعي موسكو 1 و 2”.

المعركة لإسقاط النظام وليس لشكل الحكم

مازال من المبكر الحديث عن شكل الحكم في سوريا ما لم يتوصل جميع الأطراف إلى حل ينهي العنف ويخرج بشار الأسد من السلطة، ويعتبر المستشار القانوني للجيش السوري الحر، أسامة أبو زيد، أن شكل الحكم في سوريا ليس محل بحث ونقاش حاليًا، منتقدًا تجاوب بعض الشخصيات والأحزاب الكردية مع الرواية الروسية.

يعتبر أبو زيد أن النظام السوري حرم المكون الكردي من تقرير المصير والحقوق لعقود من الزمن، “وليس عليهم (الأكراد) أن يأخذوا بالفرضية الروسية التي أشعرتهم ببعض الحقوق”، مطالبًا إياهم ألا يتركوا مصيرهم مرة أخرى للروس.

الجيش الحر يرفض أيضًا أي شكل للحكم يفرض من أمريكا أو غيرها من الدول، مؤكدًا أن المعركة الآن لإسقاط النظام وتنظيم “داعش”، بغض النظر إن كان شكل الحكم الفيدرالي من مصلحة السوريين أم لا، ويضيف أبو زيد “صمدنا في وجه المشاريع العالمية والإقليمية، كإمارة جبهة النصرة ودولة الدواعش، وحين ننتهي من إسقاط النظام هناك شعب أثبت جدارته وعاد إلى الشوارع بعد خمس سنوات من القمع والقصف والبراميل، هذا الشعب له حق تقرير مصيره وشكل دولته”.

“نحن معنيون بموقف الأحزاب الكردية قبل الروس، ونستغرب قبول المنطق الروسي مباشرة”، بحسب “أبو زيد”، خاتمًا حديثه “عيب أن نستعمل مظلومية الشعب الكردي لنسوق لمصالح ضيقة يفرضها العدوان الروسي”.

الآباء المؤسسون.. كيري ولافروف

لا شك أن شكل الدولة المقبل هو مسألة وطنية بامتياز، ويتطلب مشاركة شعبية واسعة لإقرارها، وذلك وفق ما يرى خبراء دستوريون منهم سام دلة، الخبير الدستوري وعميد المعهد العالي لإدارة الأعمال في سوريا سابقًا.

يقول في معرض تعليقه على الطرح الروسي الجديد حول فيدرالية سوريا، عبر منشور له على صفحته الشخصية في فيسبوك، إنّ “المسألة (الفيدرالية) تشكل خيارًا وطنيًا أكثر من كونه دستوريًا، وبالتالي تتطلب أوسع قاعدة للمشاركة ممكنة لتعزيز شرعية هكذا خيار، ولذلك كانت إجابتي بأنني أنظر لمسألة خيار الفيدرالية من ناحيتين: الأولى دستورية/تنظيمية، والثانية سياسية”.
ويرى دلة أنه “من الناحية الدستورية/التنظيمية، فإن فكرة الفيدرالية سواء تمت بطريقة الاندماج (دول مستقلة تندمج في إطار فيدرالي) أو بطريقة تجنب التفكك (دولة موحدة مركزية تذهب لخيار الفيدرالية لكي لا تتفكك كالحالة السورية) هو خيار نموذجي”، مستدلًا بتجارب دولية أثبتت بأن الخيار الفيدرالي هو الصيغة الأفضل لتركيبة أي دولة.

ويضيف أن “الاتجاه العام للكثير من الدول المركزية، إعادة هيكلة تركيبتها لتستجيب لحسن الحوكمة والتنمية نحو الفيدرالية أو نحو صيغ قريبة من الفيدرالية، وباتت على خطوات قريبة من هذا النموذج (إيطاليا، إسبانيا…) وحتى دول بُنيت تاريخيًا كنموذج للدولة المركزية (كفرنسا) ذهبت إلى تطبيق نظام لامركزي شديد لامس حدود الفيدرالية”.

وخلص دلة في هذا الشق للقول إن “الصيغة الفيدرالية دستوريًا/تنظيميًا، أضحت صيغة نموذجية وخيارًا مُفضلًا لبناء دولة تسهل معها عملية الحوكمة والتنمية فيها بين المركز والأطراف”.

أما من الناحية السياسية، فيعتبر أن “أي بناء دستوري/تنظيمي نموذجي غير كاف إن لم ينطلق من شرعية واسعة، فالصيغة الفيدرالية (لاسيما تلك التي تنجم تجنبًا للتفكك) تحتاج إلى أوسع قدر من التوافق الوطني، هذا التوافق الواسع كأساس للشرعية هو شرط جوهري لتأمين السير المنتظم للبناء الدستوري/التنظيمي”.

ويرى دلة أنّ تاريخ تجارب الدول الفيدرالية الناجحة (الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة…) تُظهر دائمًا دور “الآباء المؤسسين” الذين تمتعوا بقدر كبير من العقلانية مع نكران الذات في صياغة نموذجهم الفيدرالي، وبنيت الفيدرالية فيها على رؤى وآمال جامعة (ليبرالية: الولايات المتحدة الأمريكية، تنموية: الإمارات العربية المتحدة)، في حين أن الدول التي بنيت فيها الفيدرالية على نموذج تقاسم السلطة (باكستان، العراق…) بقي الفشل حليفها”. ويضيف متهكمًا “يبدو أن قائمة الآباء المؤسسين للفيدرالية السورية بدأت مع لافروف وكيري وريابكوف وديمستورا…. فأي شرعية لهذه الفيدرالية ؟”

وختم بالقول “الفيدرالية فرصة من الناحيتين السياسية والتنظيمية إذا ما بُنيت على رؤى وطنية جامعة تُنتج حوكمة فعالة وناجحة، وهي أمر خبيث إذا بُنيت على فكرة تقاسم السلطة، فلن تُنتج سوى حكومات فاشلة”.

ما هي الفيدرالية؟

الفيدرالية نموذج من نماذج الحكم المعمول به في بعض الدول، وتعتمد نمطًا تنظيميًا ومؤسساتيًا، تتحد بموجبه وحدات سياسية مستقلة (دول، ولايات، أقاليم، كانتونات..) في دولة فيدرالية واحدة، على أن تتمتع كل وحدة باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها، وبهيكلية مؤسساتية مستقلة تمامًا عن الحكومة الفيدرالية، مع التركيز على أن العلاقة بين الطرفين (الوحدة الحكومية، الحكومة) يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.

الأب الروحي

يعتبر الفيلسوف ورجل الدين الألماني، جوهان ألتيزيوس (1557-1638)، الأب الروحي للفيدرالية، ففي كتابه “السياسة.. عرض منهجي ومعزز بنماذج شاهدة ومقارنة”، عرض ألتيزيوس  أفكارًا حول الفيدرالية، ركز من خلالها على حرية المجموعات المؤلفة للفيدرالية أكثر من تركيزه على حرية الفرد داخل النظام الفيدرالي.

لكن النموذج الأول للفيدرالية عمل به في الواقع، قبل كتاب الفيلسوف الألماني بنحو أربعة قرون، وتحديدًا في سويسرا، حيث وقعت اتفاقية دفاعية بين كانتوني “شويز” و”أنتروالد”، عام 1291،  أسس لاحقًا لقيام الدولة الفيدرالية السويسرية، والتي اعتمدت النظام “الكونفيدرالي”، القائم على اتحاد كيانات سياسية مستقلة، وتفويضها صلاحيات سياسية وتنفيذية لحكومة مركزية تُمثل فيها تلك الكيانات.

الفيدرالية في التاريخ الحديث

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، النموذج الأهم والأنجح في تجربة الفيدرالية، وانتقلت إلى هذا النموذج من الحكم عام 1787، بناءً على الدستور الأمريكي الذي صدر في هذا التاريخ، ومازال قائمًا حتى اللحظة، حيث تشترك 52 ولاية بحكومة فيدرالية، تعمل على مبدأ تقاسم السلطة والسيادة.

نحو 20 دولة في العالم تحكم فيدراليًا، من بينها دولتان عربيتان، هما الإمارات والعراق، لكن خبراء السياسة يعتبرون “فيدرالية العراق” تجربة فاشلة حتى اللحظة، على اعتبار أن إقليم كردستان يعتبر وحدة مستقلة بشكل شبه كامل عن الدولة منذ عام 1991، ويتبع اسميًا للحكومة المركزية فقط، من جميع النواحي (السياسية، والاقتصادية، والعسكرية)، في حين تحتفظ الحكومة المركزية في بغداد بصلاحيات ونفوذ واسع في باقي المحافظات.

بينما يرى مراقبون أن الإمارات العربية المتحدة هي تجربة اتحادية فيدرالية ناجحة إلى حد ما، فحافظت الإمارات السبع على حالة الاتحاد السائدة منذ التأسيس عام 1971، وفق استقلالية واسعة في القوانين والعمل المؤسساتي لكل إمارة.

النموذج الأخير، البوسنة والهرسك، وهي دولة اتحادية مكونة من عشرة كانتونات، أقيمت بعد توقيع اتفاق واشنطن 1994، عقب الحرب اليوغسلافية التي شهدت تطهيرًا عرقيًا لآلاف من مسلمي البوسنة على يد الجيش الصربي، وأدت إلى تقسيم يوغسلافيا إلى دولتين رئيسيتين “البوسنة والهرسك” وصربيا، ويرى محللون وسياسيون أن هناك أوجهًا للمقاربة بين التجربة اليوغسلافية، والصراع السوري الحالي، الذي ربما يشهد تحولًا للفيدرالية أيضًا.

جدول يوضح الفرق بين الفيدرالية والكونفيدرالية

enabbaladi123467hgfds

مقالات متعلقة