tag icon ع ع ع

عبادة كوجان- عنب بلدي

تكاد تقتصر المعارك في الساحة السورية اليوم على طرف رئيسي، وهو تنظيمالدولة، في مواجهة ثلاث قوىً أساسية في البلاد: قوات الأسد وحلفاؤها، وفصائل المعارضة المختلفة، وقواتسوريا الديموقراطيةبذراعها الرئيسي وحدات حماية الشعب (الكردية).

وفي جرد سريع لمناطق الاشتباك بين فصائل المعارضة وقوات الأسد، بعيد سريان اتفاق “وقف الأعمال العدائية” في 27 شباط الماضي، نجد أن جبهات درعا والقنيطرة وحماة وحمص واللاذقية ودمشق شهدت هدوءًا ملحوظًا، عقب معارك وهجمات واسعة شنتها قوات الأسد هناك.

إلا أن جبهات أخرى مازالت تحافظ على وتيرتها رغم الاتفاق، كحال ريف حلب الجنوبي، الذي شهد هجومًا عكسيًا لقوات المعارضة، استعادت من خلاله مناطق من قوات الأسد والميليشيات الرديفة، إلى جانب منطقة المرج في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، التي ماتزال حتى اللحظة تشهد محاولات تقدم لقوات الأسد، كذلك فإن ريف اللاذقية الشمالي شهد مؤخرًا اشتباكات طفيفة بين الجانبين.

لكن خطوط الاشتباكات مع تنظيم “الدولة” شهدت تصعيدًا واضحًا في أكثر من محافظة سورية، على اعتبار أن هذا الفصيل إلى جانب جبهة النصرة غير مشمولين بالتهدئة، وتناوبت الأطراف المختلفة والمتصارعة أصلًا فيما بينها على تقليص نفوذ التنظيم بدعم دولي متعدد الأطراف.

قوات الأسد وحلفاؤها

تحمل جميع المعارك بين قوات الأسد وتنظيم “الدولة” خلال الأشهر الماضية سمة “الدعم الروسي اللامحدود”، فلم تقتصر خدمات موسكو على الغطاء الجوي، وتعدى ذلك إلى استقدام مستشارين وضباط على الأرض، وهذا ما بدا واضحًا في معركة تدمر، حيث قتل أحد الضباط الروس باعتراف “الكرملين”.

تركزت المواجهات بين قوات الأسد وتنظيم “الدولة” منذ مطلع الشهر الفائت، في ريف حمص الشرقي، وتمكنت هذه القوات مدعومة بميليشيات أجنبية ومحلية وغطاء جوي روسي، من استعادة مدينة تدمر في 27 آذار الماضي، ثم ما لبثت أن سيطرت على مدينة القريتين في الثالث من نيسان الجاري، وسط تلميحات باقتراب معركة السخنة، أقصى شرق المحافظة.

وإلى الجنوب من القريتين، كانت مدينة الضمير في القلمون الشرقي بريف دمشق على موعد مع معارك أخرى بين التنظيم وقوات الأسد، مطلع نيسان الجاري، واستطاعت الأخيرة إفشال هجوم “داعش” على مطار السين العسكري وبعض القطعات العسكرية الأخرى، في معركة كان سلاح الجو الروسي “الفيصل” فيها.

وتزامنت معركة الضمير مع هجوم للتنظيم على محطة تشرين الحرارية، شرق دمشق أيضًا، اعتبره محللون عسكريون “رد فعل” على خسائر “داعش” الثقيلة في البادية السورية، وانحسار نفوذها شرق حمص، بطردها من مدينتين رئيسيتين فيه.

في دير الزور تستمر المعارك بين الطرفين في محيط المطار العسكري، دون تحقيق أي تقدم ملموس لكليهما. ورغم الغارات الجوية المستمرة من مقاتلات النظام والطيران الروسي على حد سواء، والقصف المدفعي والصاروخي المستمر على مناطق نفوذ “الدولة”، إلا أن تغيرًا لن يحدث على خارطة النفوذ فيها، ما لم يتم “اختراق” المحافظة من قبل قوات “سوريا الديموقراطية” في الحسكة، أو قوات الأسد في ريف حمص الشرقي.

قواتسوريا الديموقراطية

منذ تشكيلها في تشرين الأول 2015، قدمت قوات “سوريا الديموقراطية” نفسها على أنها بديل “ناجع” في مواجهة تنظيم “الدولة”، واستحوذت على دعم أمريكي عسكري وسياسي، وقبول روسي تحول إلى دعم عسكري أيضًا، وفق تقارير إعلامية.

تعتبر وحدات حماية الشعب (الكردية)، وتلفظ اختصارًا بـ YPG، العمود الفقري لقوات “سوريا الديموقراطية”، وحازت منذ معارك عين العرب (كوباني) ضد تنظيم الدولة في العام 2014، على اهتمام واشنطن ودعمها، رغم سخط أنقرة من هذا التقارب باعتبار أن “الوحدات” مقربة من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

كذلك تضم “سوريا الديموقراطية” (QSD) عددًا من الفصائل العربية والتركمانية والآشورية (المسيحية)، ونذكر على سبيل المثال “جيش الثوار”، ويعرف هذا الفصيل نفسه على أنه يتبع للجيش الحر، ومعظم عناصره ينحدرون من محافظتي حلب وإدلب، وشارك في معارك ضد التنظيم بريف حلب الشرقي.

خاضت QSD معارك عنيفة ضد تنظيم “الدولة” في ريف حلب الشرقي، واستطاعت فرض سيطرتها على سد تشرين في منطقة منبج، كانون الأول 2015، بالتزامن مع انطلاق عملياتها في محافظة الحسكة، لتعلن عن طرد “داعش” من بلدة الهول في تشرين الثاني من العام ذاته.

الإنجاز الأهم لهذا التشكيل هو معركة الشدادي، إذ اعتبرت هذه المدينة العاصمة الرئيسية لتنظيم “الدولة” في محافظة الحسكة، وتمكنت “سوريا الديموقراطية” من السيطرة عليها في شباط الماضي، لتصبح المحافظة خارج حسابات التنظيم، عدا عن بعض الجيوب والقرى المتناثرة على تخوم دير الزور.

ورغم هدوء الجبهات بين الطرفين منذ نهاية شباط الماضي، إلا أن مصادر مطلعة أكدت لعنب بلدي تجهيز “سوريا الديموقراطية” مع حلفائها من الفصائل المحلية في ريف حلب لمعركة السيطرة على مدينة منبج، إحدى أبرز مدن التنظيم شرق المحافظة، وسيحظى هذا الهجوم بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كسائر المواجهات بين الطرفين.

فصائل المعارضة السورية 

يبدو المشهد هنا أكثر تعقيدًا، على اعتبار أن “فصائل المعارضة” تسمية فضفاضة لعشرات الفصائل المنضوية تحت مسمى “الجيش السوري الحر” وأخرى ذات توجه إسلامي، لكنها وبمعظمها شاركت بعمليات ومعارك ضد تنظيم “الدولة” والفصائل المنضوية في صفوفه على حد سواء.

شهدت خارطة نفوذ التنظيم في ريف حلب الشمالي متغيرات واضحة بين شهري آذار ونيسان الجاري، مع سيطرة المعارضة على نحو 20 قرية وبلدة على الشريط الحدودي مع تركيا، آخرها بلدة الراعي الاستراتيجية، قبل أيام.

تنضوي معظم الفصائل المقاتلة شمال حلب إلى الجيش الحر، وأبرزها فيلق الشام، فرقة السلطان مراد، لواء المعتصم، لواء الحمزة، الفرقة 99، الفرقة 51، إلى جانب حركة أحرار الشام، ذات التوجه الإسلامي، وحظيت هذه المعارك بدعم عسكري تركي إلى جانب تغطية جوية من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

القلمون الشرقي في ريف دمشق يشهد بدوره اشتباكات مستمرة بين الجيش الحر وتنظيم “الدولة”، وأبرز الفصائل المقاتلة هناك هي: جيش أسود الشرقية، قوات أحمد العبدو، جيش تحرير الشام، جيش الإسلام، لواء الصناديد، وتنضوي جميعها في الجيش الحر، وتتلقى دعمًا ماليًا وعسكريًا من بعض الدول الخليجية، ولا سيما السعودية.

منتصف آذار الماضي، تشكّل في درعا تحالف جديد بين لواء “شهداء اليرموك” وحركة “المثنى”، وحاول هذان الفصيلان، المتهمان بمبايعة تنظيم “الدولة”، فرض سيطرتهما على أجزاء واسعة من الريف الغربي للمحافظة، ونجحا بالاستحواذ على ست قرى وبلدات أبرزها تسيل وسحم الجولان، إلى جانب سيطرة “شهداء اليرموك” السابقة على قرى وادي اليرموك وأهمها: الشجرة، جملة، نافعة، عين ذكر، كويا، بيت آره.

وهبّت فصائل المحافظة لاستعادة ما خسرته، وتتكون من فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للجيش الحر، إلى جانب حركة أحرار الشام وجبهة النصرة، بغطاء شرعي وقانوني وفرته محكمة “دار العدل في حوران”، ودعم من غرفة تنسيق العمليات في الأردن (موك).

ونجحت فصائل حوران باستعادة جميع المناطق التي خسرتها، في معارك استمرت حتى 8 نيسان الجاري، لينحسر وجود “الدواعش” (شهداء اليرموك والمثنى) في منطقة وادي اليرموك، في ظل معلومات حصلت عليها عنب بلدي بتجهيز المعارضة لهجوم جديد ينهي وجود الفصيلين بشكل كامل في المحافظة.

ولا تقتصر المواجهات بين المعارضة و”داعش” على المناطق التي ذكرناها فحسب، فتستمر المعارك بين جبهة النصرة والتنظيم داخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في الجنوب الدمشقي، كذلك فإن “النصرة” تتجه إلى إنهاء وجود التنظيم في جرود عرسال، على الحدود اللبنانية السورية، وسط معلومات تؤكد اقتراب انضمام عناصر “داعش” لجبهة النصرة هناك.

خريطة تظهر مناطق الاشتباك الرئيسية في سوريا عقب اتفاق التهدئة (عنب بلدي)

خريطة تظهر مناطق الاشتباك الرئيسية في سوريا عقب اتفاق التهدئة (عنب بلدي)

تسعى الأطراف الرئيسية الثلاثة في مواجهة تنظيم “الدولة” لإثبات نفسها أمام المجتمع الدولي أنها قادرة على استئصاله من الأراضي السورية، فالنظام يعوّم نفسه ويراهن على بقائه بدعم من حليفيه الرئيسيين روسيا وإيران، ونجح في إثبات قدرته على المواجهة في ريف حمص، رغم الانتقادات والاتهامات التي وجهت له، كون المعركة “مسرحية” ذات فصول متعددة.

بينما تسوّق قوات “سوريا الديموقراطية” نفسها على أنها “البيدق الأنجح” في مواجهة “داعش” شمال وشرق سوريا، بدعم أمريكي وروسي، في حين يراهن الجيش الحر والمعارضة بشكل عام على قدرته محاربة التنظيم والنظام على حد سواء، بدعم الأتراك والدول “الصديقة”، بما فيها الولايات المتحدة.

 

مقالات متعلقة