يا سوريا لا تسجيلنا غياب

نبيل شربجي

camera iconنبيل شربجي

tag icon ع ع ع

“يا سوريا لا تسجيلنا غياب”.. كثيرًا ما رددها الناشط السلمي والمدوّن الصحفي نبيل شربجي.

نبيل الذي شارك في الاعتصامات التي حصلت في دمشق قبل اندلاع الثورة السورية تضامنًا مع دول الربيع العربي، ثم تحضيٍرًا للثورة السورية، وقد اعتقل إثرها لعشرة أيام في سجن عدرا، وما إن خرج حتى شارك في تنظيم المظاهرات في داريا وفي العاصمة دمشق. وأبدع نبيل مع مجموعة من أصدقائه الناشطين أساليب سلمية متميزة حولت داريا إلى نموذج يحتذى به في باقي المدن السورية، وكانت عدسته رفيقة دربه التي لازمته طيلة مسيرته الثورية، حيث وثق نشاطات المدينة بأرشيفه الخاص والذي يستفيد منه الناشطون إلى الآن.

ورغم التهديدات المباشرة من فرع المخابرات الجوية رفض نبيل مغادرة بلده الأم، ولم يغير موقفه اعتقال ومقتل عدد من شركائه في الثورة، لتعتقله عناصر من المخابرات الجوية في 26 شباط 2012م بعد إيقافه على حاجز طيار في أحد شوارع مدينته، وباعتقاله فقدت داريا أحد أهم رموزها وأكثرهم نشاطًا على مستوى العمل السياسي والفكري.

بقي نبيل بعدها قرابة ثلاثة أشهر في زنازين المخابرات الجوية في مطار المزة، ثم نقل إلى مقر الفرقة الرابعة حيث لقي أشد انواع العذاب كما نقل أحد المفرج عنهم، وبعد مرور عام على تاريخ اعتقاله أودع في سجن عدرا المركزي لصالح المحكمة الميدانية.

طيلة فترة اعتقاله بقي نبيل مشتاقًا لمدينته وأهله وأصدقائه الذين آلمه فقدانهم، ويظهر ذلك جليًا في رسالة كتبها من داخل سجن عدرا وجهها إلى أهله وأصدقائه وشركائه في الثورة يقول فيها:

بسم الله…السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تحية ملؤها المحبة والشوق …وبعد..

لا أعرف من أين أبدأ تسطير كلماتي هذه، والقصص والأفكار تتزاحم في مخيلتي تائهة حائرة… وتدور حول رأسي فقاعات من الحيرة تجعلني أغوص في خيالات وأحلام حدودها جدران أربع، تطبق بثقلها على صدري فتشعرني بتفاهة كل كلمة أنبث بها هنا في ضوء ما يجري هناك…

أأبتدأ بأشواق حارة بين ضلوعي ممتزجة بآهات تختبئ خلف دمعات مخنوقة في عيوني؟! أم بغصة بقيت في قلبي رغم خروجي من الظلام إلى النور؟!..

خرجت من الأقبية السوداء صباح العاشر من شباط الماضي، أخبروني –كمالعادة- أني ذاهب إلى الإعدام، وأُسدلت (الطميشة) على عيوني، وأُخرجت، رافقتني هذه (الطميشة) طيلة تسعة شهور كظلي وكالرقيب والعتيد فوق رأسي…

لم أتفوه ببنت شفة، فالطمأنينة ملأت قلبي، ثم نُقلت إلى المزة ومن هناك تسلمت أغراضي وما تبقى من أماناتي، ونُقلت إلى الشرطة العسكرية في القابون، وللمرة الأولى بعد سنة رميت ( الطميشة) أرضًا..حاولت سرقتها فمنعوني..

في هذه اللحظة تسللت خيوط الشمس وسرت بين ضلوعي لعدة دقائق في خلوة سريعة استذكرت فيها آهات الظلمة طيلة الأيام التي لقينا فيها نصبًا..ليقطع خلوتي صوت خشن أجش يأمرني (وشك ع الأرض ولك عرصة…قرب لقدام يابن الحرام…يا أخو الشرموطة..يلي بيرفع راسو بدي قوسو)…ومداد من كلمات السب والشتم واللعن…أعتذر عن ذكر بعضها هنا، ولكننا اعتدنا سماعها بشكل يومي، لدرجة تصبح فيها جزء من ذرات الهواء الملوث الذي يبقينا على قيد الحياة،..وهي بكل الألم الذي تزرعه فينا لا شيء أمام الهراوات والعصي والروسيات التي انهالوا بها علينا..لأحدّث نفسي إذاً هو الإعدام حقًا!!..

عودتنا الأيام أنا الألم يزول وعلامات التعذيب والضرب تذهب وتُمحى..لكن آثارها محفورة بداخلنا ولا تُنسى أبدًا..
بقيت في القابون لليلة واحدة من أسوأ وأضيق وأشد الليالي في حياتي..وفي اليوم التالي حُوّلنا إلى سجن عدرا المركزي..

هي أيام معدودة وتبدل العسر بعدها يسرًا، ليقول الرحمن لعباده المحرومين والمرضى خذوا ..ليأتينا الخير من بين أيدينا ومن خلفنا..ومع ذلك استمرت المعاناة، فمصيرنا إلى الآن غير معروف ضمن جو العزلة المفروض علينا حيث لا يُسمح لأحد بالاقتراب منا أو التواصل معنا..

يقال بأننا إيداع للمحكمة الميدانية..وتارة بأان ما زلنا على ذمة صاحب الجلالة الي له الفضل الأول بوجودنا…
هذه لمحة سريعة مما مر معي…الله يقدرنا نلتقى قريبًا و(أصرع راسكم بقصصي)..أعرف أنا ما يمر بكم الآن تجاوزني مع حكاياتي..

كان الله معكم جميعًا…وصبركم وتقبل من استشهد منكم….

في الختام صحتي بخير والحمد لله وعم تتحسن كتير …يالله شو مشتاقلكم كتير..وشو مقهور على أصدقاء رافقني ذكراهم طيلة الأيام الماضية وبنيت أحلامًا معهم استيقظت منها عندما أيقنت أنني لن أراهم بعد اليوم بعد ما جاوروا ربهم…

حاسس من كتر الموت عم يموت شي جواتنا….

شو متمني أفهم شو عم يصير برا…

والسلام…

نبيل شربجي/ عدرا المركزي
11 آذار 2013م، صباحًا..




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة