“جعلتني أحبّ السوريين جميعًا، وأحاول تقديم المساعدة لهم”

زيجات السوريين والسوريات من الأتراك.. اندماج وحب وطبق “معمول”

tag icon ع ع ع

حنين النقري – عنب بلدي

ارتبط الزواج في سوريا على الدوام بمجموعة من القواعد جعلته في كثير من الأحيان حلمًا بعيد المنال عن الشاب، ويزداد أمره تعقيدًا إن كان من مدينة أخرى، إذ لم يكن بالأمر السلس أو المتقبل بين العائلات السورية، فالزواج مرتبط بسكان المدينة نفسها، وبمناطق معينة في المدينة، بل وبعائلات معينة معروفة في كل منطقة.

لكن حالات النزوح والهجرة التي أجبرت 12 مليون سوري على تغيير أماكن إقامتهم بين نزوح داخلي وخارجي، جعلتهم يحتكون بمجتمعات أكثر انفتاحًا، وحكمتهم بظروف خاصة غيّرت من قيود المجتمع وشروطه، فما كان مستهجنًا بالأمس صار اليوم مألوفًا، بل ومرغوبًا، ولعل ثنائية الزواج التركي-السوري أحد تلك الأمور بحكم عدد اللاجئين السوريين فيها والتقارب الثقافي والجغرافي.

النصيب عجيب!

“كانت نهاية حياتي عندما خرجت من حلب، لم يرزقني الله بأبناء، وتوفي زوجي ولم يبق لي أحد، لكنني لم أعلم أن الله كتب لي حياة جديدة في تركيا”، بهذا بدأت حسناء (45 عامًا) حديثها في منزل أنيق إلى جانبها زوجها التركي مصطفى، في إحدى ضواحي مدينة اسكندرون جنوب تركيا.

بعد أن استشهد زوج حسناء ببرميل متفجر، كان قرارها الأول الخروج من بلد لم يبق لها فيه شيء، فتركت ركام منزلها وخرجت بصحبة أخيها إلى تركيا، واسكندرون تحديدًا.

“واجهنا هنا حياة قاسية جدًا” تقول حسناء، فهي لا تمتلك مهارة تتمكن من تأمين معيشتها بها، وأخوها غير قادر على الإيفاء بكل متطلبات الحياة، وتضيف “تعرّضت لحادث كُسرت إثره ساقي، وهنا كنت بحاجة لأدوية ومعالجة فيزيائية، لم يكن أخي قادرًا على الإيفاء بتكاليف ذلك كله، وأظلمت الدنيا في عيني”.

وهنا طرحت جارة حسناء التركية “إيبك”، موضوع خطبتها لمصطفى، والد إيبك، بعد وفاة زوجته، تقول حسناء “لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لي، ولم تكن فكرة الزواج مجددًا مطروحة، عدا عن جهلي التام باللغة التركية، لكنني فكرتُ به رغبة بأن تستقر حياتي وتتحسن أوضاعي المعيشية”، تستأنف ضاحكة “النصيب عجيب”.

قاموس عربيتركي ولغة جسد

بعد التفكير والاستشارة، وافقت حسناء في آخر الأمر، وعُقد قرانها على مصطفى بشكل قانونيّ بترحيب من أهله وأخيها، “مصطفى إنسان طيب وملتزم دينيًا، نذهب معًا إلى صلاة التراويح في رمضان، يكفيني أنه يخاف من الله”.

واجه مصطفى وحسناء مشاكل في التواصل اللغوي بداية، إلا أنهما اعتمدا على قاموس عربي- تركي لتجاوز المشكلة “يُشير كل منا إلى الكلمات التي يرغب بقولها للآخر على صفحات القاموس، بالإضافة لحركات الأيدي والصور، اليوم بعد ما يزيد عن العام أستطيع محادثته بشكل بسيط وإجراء مكالمة هاتفية معه، والأمور تسير نحو الأفضل”.

يخبرنا مصطفى بانفعال عن حبّه الكبير لحسناء، ويضيف “جعلتني أحبّ السوريين جميعًا، اليوم أحاول أن أقدم المساعدة لكل سوري أعرفه في المنطقة فهم جميعًا أهل زوجتي”.

وعن سر حبه لحسناء يجيب “إنها امرأة صبورة وطيبة للغاية، شعرت أنني أعرفها منذ وقت طويل، كما أنها تهتم بالنظافة بشكل كبير، وطعامها لذيذ”، يضيف ضاحكًا مشيرًا إلى طبق “معمول” على الطاولة.

قصة حب عابرة للقارات

لا يختلف حال عاصم (32 عامًا)، والذي يحضّر لرسالة الدكتوراه في مجال السينما والتلفزيون، كثيرًا عن حال مصطفى، فالحب كان فوق الجنسية واللغة والقومية بالنسبة له، وهو ما جعله يرتبط بـ “سِنا” التركية دونما تردد “الحب هو نفسه في كل مكان، وحيثما يوجد توافق بين اثنين ثمة ظروف جيدة لعلاقة قوية، وهو ما حصل معي”.

سافر عاصم إلى تركيا عام 2010 بغرض الدراسة، لكنه تعرّف على سنا في مكتبة الجامعة عام 2013، وكان ذلك تمهيدًا لقصة حب كُللت بالخطوبة بعدها بعام، ثم الزواج بعقود رسمية كحال حسناء ومصطفى.

خلافًا لموقف الأهل عادة من زواج الشاب من خارج بيئته، كان أهل عاصم من أوائل المشجعين له للإقدام على هذه الخطوة، يقول معللًا “كانت رغبة أهلي أن أندمج بالمجتمع الذي أتواجد فيه منذ أعوام، إضافة لاستحالة عودتي إلى سوريا خلال السنوات اللاحقة.. للحرب منطقها الخاص الذي تتغير المجتمعات وفقه”.

من سيشتري غرفة النوم؟

تقارب الثقافة والعادات بين السوريين والأتراك جعل الأمور أسهل على عاصم، بالإضافة إلى “السلاسة” التي وصف بها تعامل الأتراك مع موضوع الزواج، ويضيف “لاحظت من تجربتي أن موضوع الزواج هنا أكثر سلاسة، فالعائلات لا تضع الكثير من العراقيل بخصوص الجنسية أو المنطقة أو الدين أو العرق، المهم هو الشخص وأخلاقه”.

لكن ذلك لا ينفي وجود اختلافات في عادات الزواج، يدلل عاصم على ذلك بموضوع تجهيز البيت “في تركيا الزواج عبارة عن شراكة، تشارك في كل شيء، وأي مكسب أو خسارة هو مشترك للزوج والزوجة معًا، الأمر الذي لم أكن معتادًا عليه مع خلفيتي الثقافية العربية”.

“كان من الصعب علي تقبّل أن تشتري العروس غرفة النوم”، يضيف معقّبًا على العادات التركية بشراء عائلة الفتاة لنصف أثاث المنزل، ومنها غرفة النوم، ويؤكد “صعب جدًا… لكنني وافقت في النهاية بالطبع، فالأمر تابع لاختلاف مجتمعات بيننا ولا إهانة فيه بالنسبة لي”.

هاجس اللغة المستمر

رغم مضيّ ستة أعوام على وجود عاصم في تركيا، ودراسته الجامعية باللغة التركية وإتقانه لها، إلا أن هاجس اللغة مازال موجودًا لديه، يقول “لغتي تمام لكن الموضوع مازال يشغل تفكيري، هو هاجس حقيقي فعلى كل حال التركية ليست لغتي الأم”.

يخفف الأمر على عاصم تعلّم سِنا للغة العربية، ويتابع “زوجتي خريجة أدب عربي، وهي تدرّس اللغة العربية للأتراك لذا فالموضوع أسهل بالنسبة لي”.

كما أن الزوجين اتفقا حول ثقافة أبنائهما في المستقبل “أنا وسنا نتكلم اللغتين وهكذا سيكون أبناؤنا، نعلمهم التركية والعربية بالقدر ذاته”.

ويرى عاصم الإقبال من حوله كبيرًا على الارتباط بين السوريين والتركيات، ويعزو الأمر “للاختلاط الكبير مع المجتمع التركي، الفتاة السورية لا ترغب بالارتباط بطالب في بداية طريقه وهو ما لا تمانعه التركية”.

معارضة من التركيات

لا يكون الحديث عن الزواج ورديًا محفوفًا بالزغاريد والتبريكات بالضرورة، وخاصة في حال وجود أطراف متضررة من الموضوع كحالة “فاطمة” من اسكندرون، التي اكتشفت وجود زواج عرفي بين زوجها وبين مستأجرة سورية لبيت يملكه، “لم ينته الأمر هنا، عندما طلبت من زوجي أن يتركها وهددته بالشكوى ضده طلّقني ليثبت زواجه منها، وهكذا فقدت عائلتي بسببها”.

غيّر الأمر من نظرة فاطمة للسوريات، وصارت ترى فيهنّ “ندًا” لها وسببًا فيما آلت إليه أمورها، وهو أمر تشاركها فيه شيماء غورساس، رئيسة اتحاد شؤون الأطفال والنساء بمحافظة كلس، والتي تشير في تصريحات سابقة لها إلى أن وضع العائلات التركية واقع تحت تهديد حقيقي، إذ تعاني التركيات من مشكلة إقبال أزواجهن على الزواج من سوريات، مؤكدةً أن محافظة كلس احتلت المرتبة الأولى بالزواج من سوريات مع ارتفاع معدلات الطلاق فيها.

الزواج السوري التركي بالأرقام

وفق مؤسسة الإحصاء التركية فإن أكثر من ثلاثة آلاف سورية تزوجن من أتراك عام 2015، دون أن تشمل الإحصائيات الزيجات التي تكون فيها السورية زوجة ثانية كون ذلك ممنوعًا وفق القانون التركي.

بذلك تحتلّ المرأة السورية المرتبة الأولى بأعلى معدل زواج من أجنبيات بنسبة 19%، بالإضافة لكون الرجل السوري في المرتبة الثالثة لزواج الأجانب بتركيات بنسبة 6.8%.

وكان غزوان قرنفل، عضو تجمع المحامين السوريين الأحرار، قال لعنب بلدي إن معظم حالات زواج الأتراك من سوريات تتم بشكل عرفي عن طريق عقد شيخ في حال كانت السورية الزوجة الثانية للرجل، ما يحرمها من حقوقها كاملة فهي لا تعتبر زوجة في نظر القانون التركي، بالإضافة لنسب الأطفال لأبيهم في حال الإنجاب.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة