تخوّف من سيناريو مشابه في حي الوعر

قلوب الحماصنة “تنفطر” في الذكرى الثانية للخروج من مدينتهم

camera iconفعاليات معرض ربيع حمص 20 اذار 2016 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

جودي عرش- حمص

وإن فارقتك سامحيني يا حمص.. يا يما، عبارة رددها أهالي حمص القديمة على أعتاب مدينتهم قبيل الخروج، بينما لايزال معظمهم يتذكرون كيف كان صباح السابع من أيار 2014، حزينًا، وسط طقوس الوداع الأخير التي عاشها الأهالي.

عامان مرا على خروج مقاتلي حمص من المدينة، لم يتحقق فيهما “حلم العودة”، الذي تجلى دائمًا في قلوب الحماصنة، في حين مايزال النظام يحتفي بنصره الذي حققه بالدم والجوع، ويحاول تطبيق الطريقة ذاتها على حي الوعر المحاصر، آخر معاقل المعارضة في حمص.

سياسة الحصار

لم ينفع الحل العسكري الذي طبقه النظام حينها على أحياء حمص القديمة، والتي تبلغ مساحتها 1.2 كيلومترٍ مربع، وتقع في مركز المدينة، ما جعله يفرض حصارًا عزل فيه المنطقة عن باقي المدينة من خلال سيطرته على أحياء باب السباع و جب الجندلي وعشيرة وديربعلبة والبياضة، 9 آب 2013.

وبإغلاق الخط الواصل بين جورة الشياح و حي الوعر، استطاع النظام إحكام قبضته الأمنية على منطقة حمص القديمة بشكل كامل.

فرض الحصار على أحياء حمص القديمة “لم يجعل منها فريسة سهلة”، رغم أنها شهدت قصفًا ممنهجًا تزامن مع محاولة اقتحام بمعدل وصل إلى ثلاث محاولات في الأسبوع، من محاور مختلفة، واستهدفت بشكل رئيسي محاور باب هود والصفصافة وجورة الشياح، إضافة إلى محوري القصور والقرابيص.

كما شهدت المنطقة قصفًا يوميًا استهدف المناطق المدنية دون الجبهات، من قبل ميليشيات النظام في الأحياء المؤيدة، شمال المدينة، ومن المنازل المهجورة في محيطها، فضلًا عن الصواريخ اليومية، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.

ولم تفلح المنظمات الدولية والإنسانية بكسر الحصار عن الأهالي، الذين أطلقوا مناشدات عدة، بينما بادرت لاحقًا بتنفيذ الاتفاقية التي تمت بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة، ونصت على إجلاء المدنيين البالغ عددهم 1417 نسمة من أحياء حمص المحاصرة، 7 شباط 2014.

تلاها دخول مساعدات لم تتجاوز 500 حصة غذائية، إضافة إلى 288 كيس أرز و 90 كيس طحين و 250 حصة صحية، قال الناشطون في ذلك الوقت إنها لم تكفِ سوى أسبوع واحد في ظل الحصار.

أصبح من تبقى في أحياء حمص المحاصرة، هدفًا للنظام مجددًا بعد دخول المساعدات، إلى أن أعلنت “الجبهة الإسلامية” عن عملية تبادل شملت ضابطًا روسيًا محتجزًا لديها في ريف اللاذقية وامرأة إيرانية أسرت على معبر باب الهوى الحدودي، إضافة إلى 20 مقاتلًا إيرانيًا،  والسماح بدخول المواد الغذائية إلى منطقتي نبل والزهراء المواليتين، مقابل خروج آمن لمدنيي ومقاتلي أحياء حمص القديمة بأسلحتهم الخفيفة.

طقوس الوداع الأخير

وصل أهالي أحياء حمص المحاصرة قبل خروجهم إلى مرحلة كارثية، بحسب ما وصفت غرام، وهي إحدى الخارجات من حمص ضمن عملية إجلاء المدنيين، في حديثها إلى عنب بلدي.

“غدت المنطقة ساحة مليئة بالدمار، كما شهدنا حالة جوع لم يسبق لها مثيل، لجأنا حينها إلى أكل أوراق الأشجار والأعشاب، في ظل غياب مقومات الحياة إثر الحصار”، قالت غرام، مضيفةً “رفضنا فكرة الخروج بشكل قاطع إلى حين أقنعونا بأن خروجنا سيكون بشكل مؤقت، ولو كنا نعلم بأن العودة ستصبح ضربًا من الخيال لما خرجنا أبدًا”.

وختمت الشابة حديثها “الموت جوعًا حينها أفضل من وداع العدية، فقد طال الحصار مناطق أخرى في حمص حاليًا كحي الوعر وريف المدينة الشمالي”.

المقاتلون سجدوا أمام خالد بن الوليد

“خروج مقاتلي الأحياء لم يكن أقل ألمًا من المدنيين، إذ حمل الكثير من الأسى إلى جانب الإيمان بأن الخروج هو الحل الأمثل بعد العجز عن الاستمرار واستنزاف جميع المحاولات العسكرية لفك الحصار”، وفق الناشط الإعلامي من مدينة حمص، أنور أبو الوليد.

وأوضح أبو الوليد لعنب بلدي أن النظام “بدأ بحملة هي الأشرس بعد رفض المعارضة الخروج من الحي بتسويات ذليلة، بعد اختيار أكثر من ألفي مقاتل الموت جوعًا على تسليم نفسهم، ما دفع بهم لخوض آخر معركة هجومية كانت على محور جب الجندلي، وحينها جن جنون النظام ورضخ لعرض قدمته فصائل ثورية تضمن خروج المقاتلين من حمص بسلاحهم”.

أبو الوليد وصف موقف خروج المقاتلين من حمص بأنه كان “مختلط المشاعر وجمعت بين الفرح بنجاة نخبة من مقاتلي المعارضة والحزن على فراق المدينة”، مشيرًا إلى أنهم حزموا أمتعتهم وتوجهوا إلى مسجد خالد بن الوليد، سجدوا واعتذروا للأرض التي رووها بدمائهم و هتفوا للحرية والكرامة على بعد خطوات من جنود النظام، في مشهد أخير”.

 لماذا خسرت المعارضة حمص القديمة؟ 

تعود أسباب خسارة منطقة حمص القديمة إلى “تعدد القيادات لدى المعارضة  إضافة إلى غياب المركزية فيها، وعدم الاستعانة بالخبرات العسكرية”، وفق رأي الطبيب أبو أسامة وحود، أمين عام التيار الثوري السوري.

واعتبر وحود أنه “لم يستطع قائد واحد إعلان مسؤوليته الكاملة عند اتخاذ أي قرار، كما أن قلة الخبرات العسكرية وعدم الاستعانة بالأكاديميين كان له تأثير في سير المعارك و الخطط العسكرية في المنطقة”.

لم تستطع المعارضة تحقيق أي مكسب سياسي من التفاوض مع النظام بعكس الأخير الذي حقق انتصارًا على كافة الأصعدة، أرضى به مناطقه الموالية والساحة الدولية التي تسانده، بحسب وحود، وأردف “كان النظام دائم المراوغة ويعمل بشكل رئيسي على إضاعة الوقت، لكننا لم نملك حلًا آخر، في ظل الفشل على الصعيدين العسكري والسياسي”.

“بقيت حمص حتى الآن في مقدمة لائحة الانتصارات التي سجلها الأسد بالموت والجوع، وسط عجز العالم”، أشار وحود، معتبرًا أن خطة حمص المحاصرة يمكن أن تطبق حاليًا في كل من الوعر والرستن وتلبيسة، مستبعدًا أي عمل عسكري يعيد حمص لأهلها قريبًا.

وتخوف وحود من خسارة ماتبقى من حمص، “في ظل توقف دعمها، وعدم تمكننا من تصحيح أخطائنا”، بينما يتحدث ناشطو الوعر عن حصار خانق يعاني منه الحي وسط انعدام كامل للمواد الغذائية الأساسية، ونقص حاد في الأدوية وحليب الأطفال، ما ينذر بكارثة إنسانية مشابهة لما عانت منه الأحياء المحاصرة داخل مدينة حمص سابقًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة