tag icon ع ع ع

لا يكاد يمر يوم على دمشق، إلا ويعلن عن زيارة وفد عربي أو أوروبي إلى العاصمة ليلتقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وأعضاءً في الحكومة وبرلمانيين، ويترافق ذلك مع رغبة محمومة، تخبو وتزداد حسب الظروف للأسد بالظهور عبر وسائل الإعلام العالمية، ليمرر رسائل إلى الرأي العام الأمريكي والأوروبي، وأخيرًا الأسترالي، بأن “سوريا تعاني من الإرهاب المدعوم من حكوماتكم”.

تحاول حكومة النظام السوري اللعب على المسار الدبلوماسي، وتناشد شعوب العالم بضرورة الضغط على حكوماتها لـ “إعادة النظر في سياستها”.

خلال الاسبوع الماضي، أعلن في دمشق عن موعد افتتاح السفارة البرازيلية وعودة السفير، بعد أن غادر منذ اندلاع الاحتجاجات2011، بالتزامن مع موجة القطيعة الدولية للنظام السوري وطرد سفراء سوريا من دول أوروبا وأمريكا والدول العربية وبعض دول آسيا.

المشكلة الوحيدة والأبرز التي لا تزال تواجه النظام السوري في إعادة بروزه على الساحة الدولية، كشريك لحكومات العالم، هي العقوبات الغربية والقطيعة الأوروبية والأمريكية بالذات.

خلال السنوات الخمس الماضية لم يتمكن النظام من ليّ ذراع هذه الدول، وإحداث خرق في جدار القطيعة، فلا أعمال العنف التي شهدتها دول أوروبية أجبرت الحكومات على إعاة علاقاتها مع النظام، ولا مسار الأزمة السورية ساهم في ذلك رغم قول الأسد في تصريح لوكالة “SBS” الإسترالية إن “حكومات الغرب تقاطعنا ويطلبون التعاون معنا من تحت الطاولة”.

ولمواجهة هذه الحالة والجمود في العلاقات، حاولت الحكومة السورية البحث عن بدائل، ووجدت في أحزاب اليمين “المتطرفة” في دول الاتحاد الأوروبي مبتغاها، فهذه الأحزاب تفهم لغة الأسد بشكل واضح، فأزمة المهاجرين التي ملأت العالم، من وجهة نظر النظام السوري، سببها حكومات الدول الأوروبية لكونها تدعم الإرهاب، وهذا يتماشى مع وجهة نظر هذه الأحزاب، إلى جانب استخدام “فزاعة” المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا، وإمكانية تنفيذهم هجمات وتفجير أنفسهم في بلدانهم.

ومن هذا المنطلق، يتهافت على دمشق الزوار المنضوون في هذه الأحزاب، ويعلن في دول أوروبية عن تشكيل هيئات وجماعات داعمة للحكومة السورية في مواجهة الإرهاب، فترفع في الساحات اعلام النظام السوري، وتسيّر المسيرات المؤيدة.

وبالنسبة لحكومة النظام، وبالذات الإعلام الرسمي، لا يهم طبيعة الضيف وميوله وتوجهاته، بل يكفي أن يكون أوروبيًا أو أمريكيًا، وهذه تشكل ذخيرة عمل لفترات طويلة لوسائله، لكي تلعب عليها وتسوق للنظام وتبث دعاية أن الحكومات الغربية تلك لا تمثل شعوبها حقًا.

أبرز الأحزاب الداعمة للنظام السوري في أوروبا

من خلال عملية بحث على الإنترنت، يبدو أن من الصعوبة بمكان حصر التنظيمات اليمينية المتطرفة في أوروبا، لكن من السهل الوصول إلى تلك تواصلت مع النظام السوري وتناغمت ميولها مع رؤيته، في مقارعة ما تصفه بـ “الإمبريالية والاستعمار” أو مواجهة “الإسلاموفوبيا”.

وتكشف السنوات الخمس الماضية، عن سلسلة زيارات وحملات تم إطلاقها لدعم النظام السوري “المقاوم للإرهاب”، من قبل هذه الاحزاب والتنظيمات التي توزعت في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتنوعت أسماؤها ومشاربها.

تعد “الجبهة الأوروبية للتضامن مع سوريا”، وهي تحالف أحزاب وبرلمانيين وكتاب ومثفين، من أهم الداعمين للنظام السوري، وقد زار عدد من أعضائها دمشق العام 2013، وعقدوا لقاءات موسعة مع معظم المسؤولين السوريين.

وتنشط الجبهة في عشر دول أوروبية ونظمت عدة فعاليات تضامنية سابقة في أوروبا “رفضًا للدعم الغربي المفضوح للمجموعات الإرهابية المسلحة وجرائمها في سوريا”، وفق الوكالة السورية الرسمية (سانا)، في 24 تموز 2016.

وعقب زيارة رئيس وفد الجبهة، روبن روزيرس، ندد في حديثه للصحفيين بـ “الإرهاب” الذي تتعرض له سوريا، وأعرب عن إعجابه وتقديره للشعب السوري الذي “يقاوم هذا الإرهاب في كل مكان عسكريًا وإنسانيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا”.

ويؤكد عضو الجبهة، البلجيكي روبين روسيريس، على “دعم الجبهة للسوريين في صمودهم من أجل وحدة وسيادة واستقلال بلادهم وتصديهم للإرهاب المدعوم غربيًا”، ويصف التعاطي الإعلامي في أوروبا مع سوريا بأنه “كارثي”.

فيما تحاول مستشارة الرئاسة السورية، بثينة شعبان، بث رسائل طمأنة إلى أعضاء الجبهة خلال إحدى زياراتهم إلى دمشق بالقول إن “سوريا بلد علماني لا نفرق بين مسيحي ومسلم”.

كما يعدّ حزب “الولادة الجديدة” القومي في بولندا من أهم أحزاب الجبهة، ووفق موقع “Middle East Eys” فقد هاجم أعضائه من قبل “اليهود والغجر والمثليين في بولندا، وطبعوا على شعار حملة لهم: “الفاشية؟ نحن أسوأ”.

العام 2013، وصل رئيس الحزب اليميني البريطاني المتطرف، نايك غريفن، برفقة برلمانيين أوروبيين للإعلان عن وقوفه إلى جانب النظام السوري ضد حكومة بلاده المعلن بدعم الحرية والديمقراطية في سوريا.

نيك غريفين (يمين)، الزعيم السابق للحزب القومي البريطاني اليميني في خان أسعد باشا (تويتر)

نيك غريفين (يمين)، الزعيم السابق للحزب القومي البريطاني اليميني في خان أسعد باشا (تويتر)

وتعد حركة النازيين الجدد في اليونان، وكتائب “فالانجا” الكاثوليكية البولندية، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي ممثلًا برئيسه ماري لوبان، وحزب “فورزا نوفا” الإيطالي، والجيش الأحمر البني في إيطاليا، من أهم المنظمات الداعمة للنظام السوري ولأفكاره، وترى في “الديكتاتورية السورية من ناحية نموذجًا اجتماعيًا مرغوبًا فيه، ومن ناحية أخرى حاجزًا واقيًا من الصهيونية الإسرائيلية ومن التنظيمات الأصولية الإسلامية على حدّ سواء”، وفق صحيفة “تاجس تسايتونغ” الألمانية.

ترى ليلى شرومز، ناشطة تركز على النضال ضد الاستبداد، في حديثٍ لـ “Middle East Eys”، “إن دعم اليمين المتطرف للأسد يتوقف على العديد من العوامل: منها مناهضة الإمبريالية، والمشاعر المناهضة للعولمة، إذ إنهم يشعرون بأن الأسد يحمي الدولة السورية ضد الإمبريالية الأمريكية”.

الاستفادة من سلطة الكنيسة

إلى جانب الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتعويل على دورها في إحداث تغيير موقف بدول الاتحاد الأوروبي بين الحكومات والنظام السوري، تحاول حكومة النظام استمالة الكنيسة علّها تملك أوراق ضغط أكبر على تلك الحكومات، وربما أصبح موقفها أقوى بعد أن أعلنت الكنيسة في روسيا عن دعم حرب بوتين في سوريا عندما وصفتها بـ “الحرب المقدسة”.

خلال زيارة وفد قبرصي برئاسة “صاحب النيافة”، كريسو ستوموس الثاني، رئيس أساقفة قبرص إلى دمشق، 23 تموز الماضي، دعت سيدة الأعمال السورية، صونيا خانجي، قبرص إلى استغلال نفوذها لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الأوروبيين والأمريكان على الشعب السوري، وفق ما ذكرت صحيفة الوطن المقربة من النظام. واعتبرت أن الهجرة إلى الخارج هي نتيجة العقوبات المفروضة والحصار على سوريا، كاشفة عن هجرة أعداد كبيرة من السوريين منهم “نسبة 50% من أتباع الديانة المسيحية”.

طلب رجال الأعمال في دمشق من الوفد القبرصي ضرورة تعريف الأوروبيين بما يحدث في سوريا، ولإعادة النظر بالعلاقات مع إمكانية قيام قبرص باستثمار موقعها وعضويتها في الاتحاد الأوروبي للتأثير في هذا الاتجاه، الأمر الذي وعد رئيس أساقفة قبرص ببذل الجهود اللازمة لتنفيذه، موضحًا أن بلدان الاتحاد الأوروبي تنظر إلى مصالحها مع علاقاتها مع الدول الأخرى بالدرجة الأولى “ونحن سندخل من هذه القناة لإقناع الأوروبيين بإعادة النظر بالعلاقات مع سوريا”.

وأشار ستوموس الثاني إلى “وجود بعض التغييرات على صعيد الاتحاد الأوروبي، وهناك عدٌّ تنازلي إلا أنه يسير ببطئ”.

وقال “إن علاقات الكنيسة قوية مع الحكومة القبرصية، وهناك لقاءات عديدة تجري بين أساقفة قبرص وسفراء من مختلف الدول الأوروبية بهذا الخصوص”.

يحاول النظام السوري الاستفادة من مواقف الأحزاب المتطرفة في الدول الأوروبية والمناهضة لقرارات حكومات تلك البلاد، ويحاول الآن الاستفادة من سلطة المؤسسة الدينية، التي لا تتدخل في السياسة ومستقلة تمامًا عن أروقة العمل الحكومي وفق مبدأ “فصل الدين عن الدولة”. لكن النظام يحاول الاستفادة مما بقي من سلطة هذه المؤسسات التي انتهت مع نهايات القرون الوسطى وبات للشعب الكلمة الاولى.

ويخشى من جانب آخر أن يؤدي اللعب على هذا الوتر إلى إشعال فتنة دينية، وصراع طائفي مسيحي إسلامي، يغذيه المتطرفون، بعد أن أعلنت الكنيسة الروسية دعمها للحرب الروسية في سوريا، ولاحقًا القبرصية عبر تأييدها التطبيع مع النظام السوري، هناك مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا إلى إظهار المسيحيين السوريين على أنهم مؤيدين للنظام السوري، كما يعلق أحد الكتاب.

مقالات متعلقة