tag icon ع ع ع

مع انطلاق الربيع العربي، وانهيار أنظمة عربية عديدة، تراجعت شهية المستثمرين، في وقت بدأت فيه البلدان التي تشهد اضطرابات ونزوحًا كثيفًا للمستثمرين بسبب الخوف وعدم اليقين من المستقبل، ما يجعل نسبة المخاطرة عالية حيال أي مشروع قيد التأسيس أو مستقبلي، وبطبيعة الحال لم تكن سوريا استثناءً عن الدول العربية، التي لفحتها رياح الربيع، بل يمكن القول إن سوريا كانت من أشد الدول التي تضررت بعد اندلاع الثورة، لأنها أخذت منحىً عسكريًا لم يكن متوقعًا، فطحنت المعارك كل شيء، وتضررت المشاريع والبنى التحتية، ولاحقًا دمرت بالكامل، حتى وصلت خسائر الاقتصاد السوري، وفق آخر الإحصائيات، إلى نحو 300 مليار دولار.

وعلى اعتبار أن سوريا من أهم البلدان الحاضنة للبنية التحتية المتعلقة بمشاريع استثمارية في مجالات عديدة بالمنطقة، كالسياحة والنقل والطاقة، كان لهذه المشاريع النصيب الأكبر من الضرر، عندما بدأ أزيز الرصاص يملأ الأجواء، وعلى الفور عاجل المستثمرون بإيقاف مشاريعهم وجمدوها، في حين نزح آخرون من البلد وتركوا هذه المشاريع لمصيرها المحتوم.

قبل العام 2011 كان من النادر أن تجد مولدة كهربائية أمام أحد المحلات أو في أحد البيوت تستخدم على مدار اليوم، لسبب بسيط أنه “لا حاجة لها”، فمعدل التغذية الكهربائية للقطاعات المنزلية والتجارية والصناعية كان الأكفأ عربيًا، ووفق أفضل المعايير الدولية، لكن بعد ذلك تغير الواقع كثيرًا إلى أن أصبحت الكهرباء “حلمًا” للسوري الذي يعيش ويلات الحرب بيومياتها وتفاصيلها الدقيقة.

ولم يكن أحد يفكر بتوليد الكهرباء بطرق بديلة عن الكهرباء الحكومية، إذ لا حاجة لذلك، فالشبكة تصل إلى 99.7% من المشتركين في عموم سوريا، وفق أرقام وزارة الكهرباء، بل إن القانون رقم 32 الناظم للكهرباء في سوريا “يعاقب كل من يزاول أعمال توليد أو نقل توزيع الكهرباء أو تشغيل شبكة النقل دون الحصول على رخصة لتلك الغاية، وفقًا لأحكام القانون، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تقل عن مليون ليرة سورية، ولا تزيد على أربعة ملايين ليرة سورية أو بكلتا هاتين العقوبتين”.

لكن ومع بداية الثورة، وعندما بدأ النظام يقطع الكهرباء عن المدن المعارضة، كنوع من العقاب على خروجها في مظاهرات وأعمال يصفها بـ”العدائية” لمنهجه وسياسته، بدأ الواقع يتغير وبدأ السوريون يفكرون بالبدائل التي تجعلهم في الضوء بدل الظلام، وتكون بديلة عن الكهرباء التي تأتيهم من الشبكة الحكومية.

في هذه المرحلة بدأت المدن السورية تشهد تجارب مختلفة في توليد الكهرباء وطرق الحصول عليها، لكن، وعلى الضفة الأخرى من المشهد، وبعد تحوّل الثورة إلى العسكرة، كانت هناك معارك ضارية بين الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على محطات التوليد والتحويل، فهذه “غنائم” استراتيجية من يملكها، يعزز حاضنته الشعبية، ويطيل مدة سيطرته، ويفرض شروطه على الطرف الآخر.

وقد أدت المعارك إلى خروج أهم محطات التوليد في سوريا عن الخدمة، فضلًا عن خروج أهم آبار وحقول النفط والغاز عن سيطرة النظام السوري ووقوعها بيد تنظيم “الدولة”، ما حدّ من تدفق الفيول إلى محطات التوليد وأجبر السكان في مناطق سيطرة النظام على العيش على وقع “التقنين” الكهربائي، وهو الوافد الجديد إلى ثقافة السوريين، وأحد أهم مفرزات الحرب.

وبدأت تنقطع الكهرباء بمعدل 15 ساعة يوميًا كمعدل وسطي في المدن الرئيسية، واشتركت في المعاناة المدن الثائرة وتلك الموالية، إذ لا يوجد فيول، وأبرز محطات التوليد أصبحت خارج العمل.

وانخفضت واردات الفيول إلى محطات التوليد من 15 ألف طن في اليوم، إلى نحو 3000 طن يوميًا، علمًا أن حاجة سوريا 35 ألف طن يوميًا، ووصلت الكميات إلى أدنى مستوياتها وبلغت 1200 طن يوميًا، كما انخفضت واردات الغاز إلى محطات التوليد من 20 مليون متر مكعب إلى نحو ثمانية ملايين متر مكعب يوميًا، وهذا انعكس بشكل مباشر على كفاءة محطات الوليد.

أبرز محطات التوليد خارج الخدمة

كان إنتاج سوريا قبل الثورة بحدود تسعة آلاف ميغا واط، وكان يكفي للاستهلاك المحلي ويصدّر جزء منه إلى لبنان والأردن، وتوزع إنتاج الكهرباء بين الغاز والفيول والموارد المائية والتي شكلت حوالي 8% من إجمالي الطاقة المولدة في عموم سوريا.

ويوجد في سوريا 9707 محطة توليد منها 3475 محطة توليد بخارية، و926 غازية، و3812 مركّبة، و1494 مائية، وتعد بذلك من أهم بلدان الشرق الأوسط وأكثرها تقدمًا في مجال البنية التحتية الخاصة بقطاع الكهرباء بالتناسب مع مساحة البلد وعدد السكان.

المدة الزمنية لإنشاء محطة تحويل كهربائية (400/200 KVA)

تتراوح ما بين 8 – 20 شهرًا، وبكلفة تقديرية تتراوح بين 10 – 15 مليون يورو، حسب التجهيزات المستخدمة.

والمدة الزمنية لتأسيس محطة تحويل كهربائية (230/66KVA) بين 8 – 20 شهرًا بكلفة 150 – 300 مليون ليرة.

والمدة الزمنية لتأسيس محطة تحويل كهربائية (400/230KVA) بين 8 – 20 شهرًا بتكلفة 30 مليون ليرة.

وكان الإنتاج الأبرز يأتي من محطات حلب، حيث “المحطة الحرارية” الأضخم، ومحطة “زيزون” في إدلب، ومحطة “محردة” في حماة، و”بانياس” في طرطوس، والدير علي” و”تشرين” و”الناصرية” جنوب دمشق، و”الزارة” في حماة، و”جندر” في حمص، و”التيم” في دير الزور، و”السويدية” في الحسكة، إضافة إلى محطات توليد على سد الفرات وتشرين في الرقة وحلب.

وبعد اندلاع الحرب، تضررت المحطات بشكل كبير وخرج بعضها عن الخدمة، وما زاد الأمور تعقيدًا غياب الكوادر وصعوبة تأمين قطع الغيار بسبب العقوبات على النظام السوري، حتى بلغت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الخمس الماضية، ثمانية مليارات دولار، وخرجت أكثر من 60% من محطات التوليد عن الخدمة بشكل كامل، فانخفضت الكميات المنتجة من الكهرباء إلى 1800 ميغا واط في حين أنّ الطلب يبلغ ستة آلاف ميغا واط، وفق وزارة الكهرباء.

وبالتوازي مع ذلك، توقف استثمار الحكومة والقطاع الخاص بالكهرباء، بعدما حقق هذا القطاع تقدمًا كبيرًا وصلت معه قيمة المشروعات الاستثمارية إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

استمرار تصدير الكهرباء رغم الحرب

خلال العام 2015، ووفق تقرير صادر عن المؤسسة العامة لنقل الكهرباء، اطلعت عليه عنب بلدي، استمرت حكومة النظام بتصدير الكهرباء إلى دول الجوار رغم الحاجة الماسة لها في الداخل، حيث تم تصدير 272 ألف كيلو واط ساعي إلى دول لبنان والأدرن، فيما بلغت كمية الاستهلاك المحلي على الخطوط المختلفة في سوريا، 191 ألف كيلو واط على خطوط 230 KVA، و698 ألف كيلو واط على خطوط 66 KVA، فيما بلغ استهلاك مؤسسة توزيع الكهرباء وحدها 16093 كيلو واط ساعي سنويًا.

وأعلنت المؤسسة، عن استكمال التبادل الكهربائي مع دول الربط على التوتر 400 KVA، وقالت في التقرير السنوي للعام 2015، “يتم عمل المنظومات الكهربائية في سوريا والأردن ومصر وليبيا على التوازي كمنظومة واحدة من حيث إبرام عقود تبادل الطاقة مع هذه الدول”.

وكذلك نوهت إلى الربط المتزامن مع تركيا على خطوط التوتر 400 KVA، وأعلنت أنها جاهزة لكنها لم توضع بالخدمة لظروف متعلقة بالجانب التركي، كما تقول المؤسسة في التقرير.

elec 4

ترميم وإصلاح القطاع المتضرر بدعم حلفاء النظام

المدة الزمنية لإنشاء محطة تحويل كهربائية (66/20 KVA):

تتراوح ما بين (12-15) شهرًا، وبكلفة تقديرية تتراوح ما بين (1.5- 2) مليون يورو + (80- 100) مليون ليرة.

كلفة إنشاء 1 كم من خطوط التوتر العالي:

خطوط 400 KVA تكلف 100 ألف يورو.

خطوط 230 KVA تكلف 60  ألف يورو.

سعت حكومة النظام إلى ترميم ما يمكن ترميمه من القطاع الذي يتهاوى على وقع المعارك في مختلف المناطق، فاتجهت إلى روسيا وإيران واستوردت المعدات وقطع التبديل عبر وسطاء وتجار، وكان لروسيا حصة في كعكة “الإصلاحات” أو إعادة إعمار المحطات التي يحكم النظام سيطرته عليها، فوقع الجانبان اتفاقيات بأكثر من 250 مليون يورو منذ اندلاع الثورة حتى الآن.

في المقابل، كان سوريون في الجانب الآخر يعيشون تحت سيطرة المعارضة يبحثون عن بدائل لإيجاد الكهرباء، بعد أن هجرتهم كوادر مؤسسات النظام الخدمية، وبعدما قطع عنهم التيار من مناطق سيطرة الحكومة، وأجهز القصف على المحطات التي بقيت في مناطقهم بعد خروج عناصر وقوات النظام منها، فخرجت هذه المناطق من دائرة الحسابات وبدأ السكان يسعون للحصول على موارد الطاقة لتسيير حياتهم وأعمالهم اليومية.

وكان بعض المواطنين أوفر حظًا، وخاصة أولئك الذين يسكنون في مناطق تتقاطع فيها مصالح النظام والمعارضة ويسعى الطرفان لكي لا تنقطع الكهرباء، فعاشوا في بحبوحة نغصتها في كثير من الأحيان شرارات المعارك وقصف الطائرات.

تابع قراءة ملف: “مدن الأمبيرات”.. شبكات الكهرباء تنهار أمام أعين السوريين

العام 2011.. بداية خريف مشاريع الكهرباء في سوريا

وزارة الطاقة المؤقتة “تنوّر” على السوريين في إدلب وحلب

مجلس اعزاز المحلي: الكهرباء في كل بيت بمعدل عشر ساعات يوميًا

وزارة الخدمات.. جديد الحكومة المؤقتة لتولي قطاع الكهرباء في مناطق المعارضة

“خط إنساني” في حلب لتزويد مناطق المعارضة بالكهرباء

الكهرباء في حمص ورقة ضغط النظام والمعارضة.. والمواطنون “ضحية”

محطة “الزارة” الحرارية.. ورقة ضغط المعارضة على النظام

إدلب.. مولدات ضخمة تسد حاجة السكان من الكهرباء

محطة زيزون تتحول إلى ركام بعد أن دمرها قصف الطيران

تقاطع مصالح بين تنظيم “الدولة” والنظام والمعارضة

عنفات غازية “كهلة” لتوليد الكهرباء في الحسكة

درعا.. النظام يتحكم بشريان الكهرباء ومهربون يوردون “الديزل” عبر الصحراء

الغوطة الشرقية: المجلس المحلي يتكفل بالكهرباء ويضبط أسعار الأمبيرات

قصة مستثمر استخدم “زيت القلي” و”السمنة” في توليد الكهرباء بالغوطة الشرقية

حكومة النظام ترفع أسعار الكهرباء لتغطية العجز

موالون ومعارضون تجمعهم كراهية “التقنين الكهربائي” وشتم المتسبب

لقراءة الملف كاملًا: “مدن الأمبيرات”.. شبكات الكهرباء تنهار أمام أعين السوريين