مجلس الشعب، الذي لم يكن للشعب يومًا طيلة عقود مضت في ظل الأسد الأب، ولم يتغير الحال قط في عهد الأسد الابن، فمجلس “الخُشُب المسنَّدة”، الذي درجت العادة أن ينتقيه نظام الأسد وفقًا لمنظومة “المصالح الشخصية” التي تقررها “الجبهة الوطنية التقدمية”، اقتصرت مهمته على عقد عروض مسرحية داخل المجلس، يتخللها تصفيق ومهرجانات خطابية تمجّد القائد وإنجازاته “العظيمة”.
وداخل أروقة البرلمان، مع بداية الثورة السورية، دعا الأسد دُماه كي يلقي على مسامعهم إحدى خطبه “الطنّانة”، معلنًا عن “المؤامرة الكونية” ضد شخصه “الكريم”. وبالطبع، كانت جميع الدمى حاضرة، وكلما فتح الأسد فاه بكلمة، قاطعه مجلس “المصفقين” بالتصفيق، وأُلقيت عليه بعض القصائد “العصماء”. وقيلت فيه العبارة الشهيرة: “إنت الوطن العربي قليل عليك يا سيادة الرئيس، ولازم تقود العالم!!”
وبينما كان “المصفقون” داخل البرلمان مشغولين بالتصفيق، كان “شبيحته” منشغلين أيضًا بممارسة طقوس التشبيح على الشعب الثائر، في المسيرات المؤيدة وعلى شاشات التلفزة، يستعرضون دناءتهم ووقاحتهم… ويعزفون على وتر “المؤامرة” و”ما في شي”، ويتغنّون بأفضال الأسد وإصلاحاته، حتى “نفخوا” رؤوسنا بالمؤامرة الكونية وتحليلاتهم الفذّة لها.
وبعد عام ونيف من استمرار نزيف الجرح السوري، انتهت دورة “التصفيق” السابقة، ليأتي دور “التشبيح” هذه المرة، وتعم شوارع دمشق صور المرشحين الجدد!! وللمفاجأة، أذناب النظام من الإعلاميين والأمنيين، الذين لطالما أبدعوا في الكذب والتضليل والتشبيح، سارعوا لدخول سباق الترشيح ليمثلونا نحن الشعب. فشريف شحاطة، “المشرشح المستقل” عن دمشق، ويا لحظ العاصمة!! فبوق النظام سيطبل ويزمر ليس فقط على شاشات التلفزة، بل داخل أروقة البرلمان، وسيمارس تشبيحه غدًا بكل أريحية، فنجاحه مؤكد، مكافأة له على جهوده “التشبيحية” ومواقفه “المشرفة” على شاشات الإعلام، وهو يشتم ويسب ويكذب وينافق. وبالتالي، سلطات البوق ستكبر وصلاحياته كذلك، وسيمثل دور “ممثل الشعب” داخل البرلمان، ويستميت في إبراز عضلاته التشبيحية على الشعب والمجلس أيضًا، وسيتحول البرلمان إلى ثكنة عسكرية يتم من خلالها شن حملات أمنية وعسكرية على المدن الثائرة، بغطاء قانوني وباسم الشعب. فهو الإعلامي “الحر”، والإعلام السوري في ظل الحكومة الأسدية لا ينقصه إلا شحاطة لتكتمل الصورة.
ومع وجود خالد “مربّع” العبود، المرشح المستقل عن دمشق لا عن مسقط رأسه درعا، الذي دخل هو الآخر سباق الانتخابات “المحموم”، ويريد إسقاط نظريته “المربعاتية” على سوريا، سيرتقي مقامه بكل تأكيد، فمن شبيح على الأرض إلى شبيح أعلى في البرلمان، لن تتغير الصورة كثيرًا. فزيُّ الشبيح الأمني الذي ارتداه منذ فترة، سيستبدله ببذلة سوداء مقيتة لتمويه حقده وجرائمه.
ولتكتمل الرواية، رشّح “الشيخ” أحمد شلاش نفسه للمجلس، أفجر لسان إعلامي شهده العصر والزمان، كفرٌ وتجديف وبذاءة منقطعة النظير. فهو كالحرباء، متعدد الألوان والأقنعة، من ثوب الدين تارة، إلى ثوب المحلل السياسي والباحث الاجتماعي تارة أخرى. من طالب “بشار” بإسقاط الرحمة من قلبه وطلب منه المزيد من القتل والذبح، وصرّح بأنه على استعداد لقتل نفسه إن شاء الأسد. فإن كان قد سمح لنفسه بأن يتطاول ويتكلم بلسان أهلنا في دير الزور “شروي غروي” قبل أن يمثل الشعب، ودعا إلى إسقاط الصفة العربية عن الجمهورية السورية، فبالتأكيد لن يتوانى عن بذل قصارى جهده خالصًا لخدمة آل الأسد.
ومجلس الدمى، بانتقاله من مرحلة “التصفيق” إلى “التشبيح”، إن ضم بين جدرانه حثالة القوم، ممن تسابقوا لنيل رضا الحكومة الأسدية بتقبيل الأيدي والأرجل، فسيعمل على سن قرارات تقضي، بكل تأكيد، على أي مظهر ثوري، وتضخ المزيد من الأموال لقتل المتظاهرين، وتشديد الطوق الأمني، ومزيد من الانغلاق الإعلامي. وستتفانى تلك القرارات في القضاء على “العصابات الإرهابية المسلحة”، وتدمير البنية التحتية بحجة الإصلاح ومكافحة الإرهاب، في الوقت الذي يتسابق فيه الشعب السوري الحر ليدفع كل يوم من دمه مدادًا، يسطر به حروف المجد على جبين الوطن، ويسترجع الحرية والكرامة المسلوبة. وحينها فقط، سيعود مجلس الشعب إلى الشعب.