تبرم ستافان دي ميستورا منذ أسبوعين من أن لا وضوح لديه حول الموقف الأميركي، وحول غياب التفاهم الأميركي الروسي في شأن جنيف-4، ما دفعه إلى استبعاد حصول اختراق في المحادثات مع بدء المفاوضات أمس.
وبصرف النظر عن أجندة التفاوض في جنيف التي غاب عنها عنوان المرحلة الانتقالية، الجوهر الفعلي للقرار الدولي الرقم 2254، أي المرحلة الانتقالية في الحكم المقبل في سورية، فإن بكائية دي ميستورا على افتقاد التفاهم الروسي الأميركي لا تعني سوى أن خلطاً للأوراق حصل قبل التئام المفاوضات الرابعة حول الحرب السورية. وهو خلط يستمر في التمظهر مع بدء جنيف-4.
ليس الموفد الدولي إلى سورية وحده المربك نتيجة افتقاد الوضوح في المعادلة الدولية التي تظلل جنيف، بل إن كل دول العالم تنتظر اتضاح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، بما فيها روسيا فلاديمير بوتين التي كانت تتوقع مرحلة تعاون مع أميركا دونالد ترامب. ومع أن إدارة الأخير ما زالت تدعو زوار واشنطن إلى ترقب بعض التقارب مع موسكو، فإن المقدمات التي تسبق هذا التطور تبنئ بأنه لن يتم في شكل أوتوماتيكي. وفريق ترامب لا يفوّت مناسبة لانتقاد سياسة روسيا في أوروبا وأوكرانيا. وزيارتا نائبه مايك بنس وقبله وزير دفاعه جيمس ماتيس للحلف الأطلسي لتأكيد استمرار التعاون معه، على رغم الخلاف حول دفع حصص دول أوروبا من تمويله، تستدعي النقزة الروسية. والمواقف الأميركية المتشددة إزاء حليفة موسكو «الإستراتيجية»، إيران، مصدر إحراج لروسيا في العلاقة مع الحليف.
أما في سورية، فإن خلط الأوراق يقوض الأسس التي أطلقت المرحلة الجديدة للتفاوض على الحلول تأسيساً على استعادة التحالف الروسي السوري الإيراني حلب من المعارضة، مع «تواطؤ» تركي، ثمنه الحد من توسع «قوات سورية الديموقراطية» في شمالها. هذا أنتج في اجتماعات آستانة، برعاية روسية تركية إيرانية، وقف النار الهش، وإطلاق الحل السياسي.
إلا أن هذا التعاون الثلاثي ما لبث أن أصيب بتصدعات نتيجة الهجوم الأميركي على إيران، والذي يشمل رفض رجال ترامب وحليفتهم المحظية، إسرائيل، استمرار وجود إيران في سورية وكذلك الميليشيات الحليفة لها، العراقية و «حزب الله»، إضافة إلى اندفاع إدارته نحو مزيد من العقوبات ضد طهران ومواجهة تدخلاتها في دول الخليج العربي.
دفع ارتفاع نبرة واشنطن خلافاً لتساهل إدارة باراك أوباما، القيادة الإيرانية إلى الاستنفار والتمسك بأوراقها السورية، بموازاة محاولات فتحها ثغرات ديبلوماسية بطرح الحوار مع دول الخليج. وهي احتاجت في الأسابيع الأخيرة إلى مشاركة قوات النظام في خرق وقف النار، واحتلال المزيد من المناطق وطرد المعارضة منها، خلافاً لاتفاقات آستانة، إما استباقاً لتفاهم أميركي- روسي على حسابها، أو لتحصين موقعها إزاء أي اندفاعة أميركية -إسرائيلية ضدها (قصف الطيران الإسرائيلي مستودعات صواريخ في القلمون). أما التصدع الثاني في التعاون الثلاثي فكان عودة تركيا إلى اتهام إيران بأنها تسعى إلى السيطرة على المنطقة وسورية، ما أطلق حملات إعلامية متبادلة. لكن اتباع طهران خطوات ميدانية مستقلة بالتعاون مع قوات النظام، أفقد موسكو صدقيتها في الحفاظ على وقف النار الذي أرادته ثابتاً من أجل تثمير إنجازاتها العسكرية في الحل السياسي. ومن الطبيعي أن تطلق عودة التمايز التركي عن طهران، معطوفة على تقارب أنقرة مع واشنطن، تحت عنوان العمل على إقامة مناطق آمنة في سورية، قلق موسكو. فهي لطالما عارضت هذه الخطوة مشترطة التعاون مع النظام، الذي سال لعابه حيال واشنطن، متجاوزاً التناغم مع الإيقاع الروسي في الانفتاح على الأميركيين، فأخذ يعد ترامب بالتعاون معه، تحت عنوان محاربة الإرهاب. واكب كل ذلك تقارب سعودي تركي أعاد طرح اقتراح الرياض المشاركة بقوات سعودية خاصة للمساهمة في تحرير الرقة من «داعش»، والتي يتهيأ الأميركيون لإرسال قوات على الأرض للمشاركة فيها أيضاً، بعد توسيع بنية وجود جنودهم في الشمال.
في المقابل سعى النظام إلى استباق دعم ترامب دوراً أردنياً في جنوب سورية لمحاربة «داعش»، عبر قصف الطيران الأردني مواقعه بعد طول غياب. وللحؤول دون استثمار صلات عمّان مع بعض تشكيلات «الجيش السوري الحر»، شن نظام الأسد هجوماً على الأخير، مترافقاً مع العودة إلى لعبة التقاطع مع هجمات «داعش» نفسها على مناطق المعارضة المعتدلة في ريف درعا الغربي، خلافاً للوعد بمحاربة «الدولة الإسلامية».
ملامح التموضعات الجديدة في الميدان السوري تخالف المعطيات التي استندت جنيف -4 إليها. وتقلبات الملعب السوري تخفّض التوقعات مجدداً، فضلاً عن رمزية رئاسة بشار الجعفري السلبية لوفد النظام.