جودي سلام – عنب بلدي
أكوام من الملفات مكدسة في غرف عدّة، بعضها يكاد يصل سقف المبنى الصغير… إنه مبنى محكمة الإرهاب في القصر العدلي حيث يتربع قاض في كل غرفة من غرفه لينظر في ملفات الإرهابيين من الشعب السوري، إنما بلا قوانين ولا أحكام.
فالمحكمة التي أنشئت في السادس والعشرين من تموز بموجب القانون رقم 22 لعام 2012 هي محكمة «استثنائية»، أنشأها النظام وأعطاها الشرعية ليثبت من خلال قضاياها أن سوريا أصبحت بالفعل وكرًا للإرهابيين، وليحاسب «المخربين» و «الإرهابيين» من خلال محكمة شرعية.
ومع ظهور هذه المحكمة أضيف فصل جديد لمعاناة الشعب السوري الذي بات معظمه من «الإرهابيين» وفقًا للنظام، إذ يحول يوميًا للمحكمة العشرات من المعتقلين من مختلف الأفرع الأمنية ومعهم ملفاتهم القضائية التي تحوي اعترافاتهم تحت الضغط والتعذيب، لتكدس الملفات فوق سابقاتها من الأكوام المتراكمة، ويرسل المعتقل ليودع في سجن عدرا المركزي إلى ما شاء الله.
ويسيطر على المحكمة شبيحة النظام وأفرعه الأمنية بشكل رئيسي، إذ يعتمد القضاة في أحكامهم على الضبط أو التقرير المعد في الفرع الأمني، والذي يرسل للمحكمة مع المعتقل المحوّل في ظل غياب دليل إدانته؛ وبذلك تكون حاسة القاضي السادسة هي المرجع الأول والأخير في المحاكمة. وتكمن المفارقة في ما يكتبه القاضي في ختام الجلسة بأن اعترافات الموقوف الواردة في ملفه انتزعت «تحت الضغط والتعذيب»، إلا أن القاضي يعترف بها وتبقى صالحة لإدانته.
ويذكر أيضًا أنه وفي كثير من الحالات واستنادًا إلى التحقيق الذي أجري في الفرع يرد في ملف المعتقل المدّة التي يجب أن يقضيها في سجن عدرا المركزي، الذي تحول إلى فرع أمني آخر يكمل فيه المعتقل مدة اعتقاله إنما بشروط إنسانية أفضل من سابقه، ولتبقى المحكمة شكلية وينحصر دورها في شرعنة عملية إيداع المعتقلين في سجن عدرا.
وتتجلى الانتهاكات بحق المحولين إلى محكمة الإرهاب بحرمانهم من حق الدفاع عن النفس أيضًا، إذ لا يحق لأي محامٍ التدخل أو الدفاع عن أي مُوَكِّل في هذه محكمة. يقول مهند وهو محام «لا نعلم كيف نتصرف مع محكمة مثل هذه ليس لنا فيها أي حق وأي كلمة… أصبحنا نخجل من أهالي موكلينا»؛ في حين استغل بعض المحامين هذه الحال لطلب مبالغ مالية تصل لمئات الآلاف من أهالي المعتقلين مقابل إطلاق سراح أبنائهم، مستغلين عواطفهم وقلة حيلتهم، لتبدأ سلسلة من الوعود الكاذبة وتستمر إلى حين الإفراج عن المعتقل فيدّعون أنه خرج بفضل جهودهم.
أما القضاة فلهم النصيب الأكبر من هذه الرشاوى، إذ يرتشي القاضي في القضايا البسيطة وغير الهامّة فقط، في حين أن القاضي نفسه لا يملك الحق في إخلاء سبيل معتقل ما لم يأت أمر بذلك من الفرع الأمني الذي كان المعتقل محتجزًا لديه، وفي هذه الحال لا تنفع حتى ملايين الليرات.
زيارة واحدة للمحكمة كفيلة بأن تطلعك على المعاناة التي يتكبدها المواطنون بسبب هذه المحكمة، حيث أرتال من النساء والرجال يقفون ساعات تحت الظروف الجوية المختلفة سعيًا لمقابلة أحد القضاة لدقيقة واحدة بغية الحصول على طلب زيارة لمعتقل ما، أو بحثًا عن مفقود يتوقع أنه مغيب في أقبية النظام، أو لفك احتباس سيارة أو حاسوب تم حجزها أثناء عملية الاعتقال، وكثيرًا ما يمضي النهار ويرفض القاضي مقابلتهم، ليعاودوا المحاولة في يوم آخر.
يفرج عن المعتقل المحاكَم في محكمة الإرهاب ليجد نفسه مجردًا من كافة حقوقه المدنية وقد حجز على أمواله وأملاكه ومنع من السفر وطرد من وظيفته، فيتمنى أحيانًا لو أنه لم يخرج من سجن عدرا الذي لم يبق فيه مكان إلا وزج فيه بمعتقل، في قسمي الرجال والنساء على حد سواء، ما يدفع للتساؤل «من أين نبع كل هؤلاء الإرهابيين؟».