ثنائيات قتل “مفطر” في ألمانيا

  • 2017/06/04
  • 12:07 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

نقاش الجريمة على وسائل التواصل الاجتماعي يزيدها مأساوية. سوريان صائمان “باركا” صيامهما بقتل سوري غير صائم في ألمانيا! وبدل إبداء التعاطف مع أسرة فقدت لتوّها أبًا لطفلين، وثالثٍ لن يرى والده، انكبّ كثيرون على استغلال الحادثة لكسب معارك وإشعال أخرى في حفلات شتائم جماعية مشحونة بالكراهية.

وقد حدث ما يشبه التراكب في المعارك، فالمقتول غير صائم وكردي أيضًا، وهو ما شوش على دوافع الجريمة، هل قتل لأنه مفطر أم قتل لأنه كردي؟ ما يجعل المعركة غاية في التعقيد والتركيب: إسلامي- علماني بداية، ثم عربي- كردي ثانيًا، ولعل العلماني العربي أو الإسلامي الكردي هما سيئا الحظ في المعركة هذه، فقد تبدي تعاطفًا مع القتيل في إطار هجومك على التراث الإسلامي، لكن تعاطفك هذا لا تريد أن يفهم منه أنه تعاطف لأنه كردي وعليه قس.

وتظهر الثنائيات هذه الخلل في تعاملنا مع جريمة موصوفة، ومأساة عائلة دمرت للتو لأن معيلها مارس حريته في ظل قانون يكفل له ذلك، وهو يشبه مرة أخرى تعاملنا كل مرة كلما اكتشفنا أن القاع المستقرين فيه يزداد عمقًا، بدل إدانة الجريمة بكونها جريمة ضد إنسان، ندينها لأنها ضد طرف يخصنا، ندينها -أو نسكت عنها- لأن القتيل كردي، أو لأنه يمس الإسلام وما يثار حوله.

ومن الضروري والمُلح بالتأكيد أن يثار نقاش الحرية واحترام حقوق الإنسان داخل الإسلام وخارجه كلما سنحت الفرصة لذلك، وإن كنت على المستوى الشخصي لا أعتقد بتأثير النصوص على المسلمين بالشكل الذي يصوّره المنهمكون بانتقاد التراث وهذا نقاش آخر، ولكن ما هو مهم وضروري هو ألا نضيع مأساة عائلة في صراع أيديولوجي كما يحدث في كل مرة.

بكل أسف هناك نمط من التدين يزداد انتشارًا، وتدعمه حملات التحريض والحرب الفاشلة على الإرهاب، نمط يرى في العنف طريقة وحيدة ومفضلة للتعامل مع مخالفي الدين، أو مخالفي آرائهم، هذا نمط التدين السلفي دمر أي معنى في حياة المسلمين في عدة دول، وهو يطاردهم في كل مكان.

يستطيع أي مسلم أن يعصي الله سبحانه وتعالى طالما أنه لم يؤذ أحدًا، وهذه المعصية قد تكون تركًا للصلاة، أو للصيام، أو تركًا للدين كله حتى، من يزعجه هذا الواقع عليه بالنصح بالحسنى والدعاء بالهداية أو الشكوى للسلطات المحلية إن كان في الأمر أذية للآخرين، أما إجبار الناس وقتلهم فلن يحولهم لمسلمين حق، بل إلى منافقين حق.

“لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، الأفراد أحرار سواء فكّروا أم كفروا، والله لم يعط لأحد مفاتيح الجنة أو النار، فتلك ليست من مهمة المتدينين، هذه قيم عامة يجب أن تكون لدى كل متديّن. أقول هذا الكلام ولم يتضج بعد إن كانت جريمة القتل الحاصلة بدافع الصيام أو القومية أو غيره.

في كل مرة يرتكب فيها لاجئ في ألمانيا جرمًا ما، أو تحدث عملية قتل جماعي لا يعرف على وجه الدقة في اللحظات الأولى دافع القتل، تمتلئ على الفور وسائل التواصل الاجتماعي لدينا بتحليلات ومعارك وشتائم وكراهية، في حين تكون الشرطة والمسؤولون الألمان في غاية الحذر قبل الإدلاء بأي تصريح من شأنه أن يثير كراهية ضد لاجئ، أو يزيد من ضبابية المشهد. حدث هذا سابقًا مع هجوم برلين، وقبله هجوم ميونخ واليوم مع حادثة القتل هذه التي اكتفت الشرطة بالقول إنه كان “شجارًا دينيًا”.

مقالات متعلقة

  1. في ذكرى انقلاب يوليو
  2. كل المعارك هراء
  3. "الإسلامي السوري" يصدر أحكامًا بشأن لقاحات "كورونا" في أثناء الصيام
  4. من سوري إلى السودان والجزائر

رأي

المزيد من رأي