عنب بلدي ــ العدد 131 ـ الأحد 24/8/2014
الخراب الكبير الذي لحق بالبنية التعليمية في ظروف الحرب فرصة كبيرة لإعادة بنائها على أسس صحيحة، لكن من الواضح لنا جميعًا أن أنظمتنا التعليمية غير مستعدة لذلك وليس لديها النية الجدية لتبنّي ما يساهم في النهوض بالواقع التعليمي.
بين أهمية العلم و “لامبالاة” القائمين عليه، تأتي الحاجة الملحّة إلى إيجاد طريق ثالث لإسعاف العقول التي هي أساس الحضارة، هنا تجدنا أمام سؤال يطرح نفسه: هل التعليم لا يأتي إلا عبر المنظمات الرّسمية؟ وهل الطريق إلى العلم لابد أن يمر بالمدارس والصفوف وقاعات المحاضرات؟
من المهم قبل الإجابة على هذا السؤال أن نذكر أمرين:
الأول أن نسبة كبيرة جدًا (تفوق الـ 90% في بلادنا و80% في الدول المتقدمة) من خريجي الجامعات والأكاديميات يعملون في اختصاصات لا علاقة لها بدراستهم، ما يعني ضياع سنوات من عمر الطلبة يؤدي إلى هدر كبير في المواهب والطاقات البشرية.
والثاني أن أكثر من نبغ من العباقرة عبر التاريخ لم يتلقوا تعليمهم في مدارس نظامية ولم يرهنوا عقولهم لمؤسسات تقليدية، معظمهم طردوا من المدرسة وعلّموا أنفسهم بأنفسهم ليصبحوا مفكرين ومخترعين مؤثرين، من أمثال إبراهيم لينكولن، توماس إيديسون، جورج واشنطن، بنجامين فرانكل، هنري فورد، العقاد، بيل غيتس، عمر المختار، أحمد ديدات، البارودي، شكسبير، ستيف جوبز ومايكل فاراداي.
“لم تكن المناهج المدرسية إلا عائقًا مملًا لتأملاته العبقرية، ومن الواضح أن إينشتاين نبغ على الرغم من المدرسة، وليس بسببها” (كارل ساجان)
بالعودة إلى السؤال يمكننا أن نقول أن “درب التعليم الذاتي” الذي سلكه العباقرة والنابغون عبر التاريخ، أحد الوسائل المناسبة جدّا والذي يمكن أن يكون بديلًا حقيقيًا عن التعليم الرسمي، بل إنه يتفوق عليه من نواحٍ عدة، من أهمها:
أنها تقوم على الاختيار الحر للمادة العلمية وفق معيار الشغف والرغبة والاهتمام، وليس ما يفرضه نظام العلامات وتحدده درجة التحصيل العلمي، وهو مفتوح للجميع بدرجة واحدة، إضافة إلى أنها لا تحتاج أن تدفع لها مالًا كثيرًا، ولا انضباطًا أو تقيدًا بوقت أو عمر محدد، ولا تحتاج معلمًا أو مرشدًا، كل ما تحتاجه هو إنسان يريد أن يتعلم.
وأن المتعلم يكون محور العملية التعليمية وأساسها فيختار الأسلوب الذي يناسبه ويشرف على نفسه بكل خطوة.
كيف يمكن أن يتعلم الإنسان ذاتيًا؟
وسائل التعليم الذاتي (بأشكالها المسموعة والمرئية والمكتوبة) أصبحت متوفرة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بفضل شبكات الإنترنت والأجهزة الذكية وأجهزة التسجيل والأقراص المدمجة والآي فون وشبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أنظمة التعليم عبر النت وكورسات الجامعات المتوفرة مجانًا من أرقى جامعات العالم، وتوفر الكتب والمراجع والموسوعات، ودورات الـ mooc.
هذا كله فتح آفاقًا جديدة خلّاقة أمام الجميع، وهو كفيل أن يغير منهجيتنا في التعامل مع المعرفة.
“أنا لا أعلم طلابي… كل ما أفعله أني أجهز لهم المناخ الذي يسمح لهم بذلك” (إينشتاين)
العقبات أمام التعليم الذاتي:
الطريق في التعليم الرسمي معبّد، وذو منهجية واضحة على خلافه في التعليم الذاتي حيث يبدو مجهول البداية وغامض النهاية، بالإضافة إلى أن الطريق الجديد روداه قلّة ويحتاج الخوض فيه شجاعةً حقيقية.
غير أن غياب المشرف يؤدي للتشتت والكسل في كثير من الأحيان، لذلك يحتاج انضباطًا شديدًا وشغفًا للعلم أضعاف ما يحتاج التعليم الرسمي، ما يجعل النجاح فيه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقوة الإرادة.
وهناك عقبات أخرى مثل ندرة المصادر العربية، الأمر الذي يحتاج جهودًا حقيقية من الجميع، وعدم وجود من يسأله المتعلم، إلا أن جوجل تكفل بهذا الأمر.
أخيرًا، إذا كان التعليم الرسمي والأكاديمي يمنحك وظيفة ومكانة اجتماعية ودخلًا، فإن التعليم الذاتي يمنحك ثروة (بحسب تعبير جيم رون).
حريّ بطلاب البكالوريا الذين ينتظرون نتائج المفاضلة أن لا ييأسوا إن لم يتمكنوا من دخول الفرع الذي يحبونه أو أغلق أمامهم باب الدراسة الجامعية، فأبواب التعليم الذاتي مفتوحة على مصراعيها أمامهم.