مرة واحدة… وإلى الأبد

  • 2014/09/28
  • 6:49 م

تلعب الدراما دورًا مهمًا، دون سائر أنواع الإعلام الأخرى، في التأثير بحياة الناس، في حين نشعر أنها هي من يتأثر بهم فقط، فترسم نماذج سرعان ما تصبح ظواهر اجتماعية، تتحدث عن مشكلات لنراها قد شاعت بيننا، تظهر نمطًا معينًا للشخصيات والعائلات فنراه حولنا بكثرة.

ليس الأمر تقليدًا مباشرًا من الناس، لكن الدراما تكمل مع بعض العوامل الأخرى عملية القولبة لشخصية رجل الشارع بشكل عام، فترى نمطًا معينًا للبيئة الشعبية، نمطًا معينًا للبيئة المثقفة، نمطًا معينًا للبيئة المترفة، للموظفين، للمسؤولين، للطلاب، للأطباء… إلخ.

التعليم المدرسي والإرث الاجتماعي لهما دور مهم في هذا أيضًا، فنرى أن للابن البار نمطه المعين عند الأهل، للطالب المتفوق شكله وأسئلته وأسلوبه الخاص، حتى الشخص المتدين هو إنسان “ملتزم” بشكل ونموذج وحياة من نوع معين.

بالنهاية ما نقوم بفعله اجتماعيًا هو صناعة قوالب استنساخ بشري، نقيّم الناس وفق مطابقتهم لمواصفاتها التعبوية المعيارية، ليغدو المختلف هنا شخصًا خارج السرب والمنظومة الاجتماعية، يحلق بعيدًا بأفكاره وأسلوبه وحياته.

الأمر الناتج عن هذا يتضح لنا في الدراما مجددًا، كم نبدو في الدراما متشابهين!.

السوريون جميعًا لهم ذات الملامح والكلام والهموم والبيوت، ذات شخصية الأب والأم، العائلة ومشاكل الشباب والدراسة والعمل والوظيفة، السوريون الذين يتم اختصارهم غالبًا بأهل دمشق واللهجة الدمشقية. الأمر ليس حكرًا على الدراما السورية، لكننا نراه عربيًا بل وعالميًا؛ هي صناعة “كاركترات” معينة نتخيل أن المجتمع كلّه على شاكلتها، ليتماهى البعض معها لاحقًا بالألفاظ والأشكال والأفكار، ولنشعر أنها النموذج الحي لأهل هذه المنطقة؛ أليست لدينا صورة واحدة نمطية عن أهل الخليج مثلًا؟

وبالطبع، تلعب الحكومات الديكتاتورية بشدة على هذا الوتر بإعلامها ومساجدها ومنظوماتها التعليمية لترسيخ هذا التشابه واستثماره، فأي شيء أفضل من حكم شعب متشابه تشغله ذات الهموم والأهداف، وتخيفه ذات الأساليب، وتقمعه ذات التهديدات.

والنتيجة من كل ذلك، المزيد من التشابه الموجود أساسًا، ثمة نمط معين مثالي يسعى الجميع له؛ حيوات متشابهة، ولادة، مدرسة، عمل، زواج، وموت، وكأن شكل الحياة وروتينها جينٌ يعطى من الآباء للأبناء ويسري في دماء الشعوب.

كيف لشعوب متشابهة أن تأتي بنتاج مختلف، كيف ﻷفراد متماثلين أن ينتجوا إبداعًا ما لم يخرج من بينهم من يفارق دائرة العرف والمعروف.

الغريب أننا نحتفي بتشابهنا بذات القدر الذي نحتفي فيه بالأشياء الفريدة الغريبة في هذا الكون، عجائب وغرائب وأمور لا تتكرر، تعامد كواكب عطارد والزهرة والمريخ فوق الأهرامات لن يحدث إلا مرة كل 2737 سنة، الكسوف الكلي في منطقة الشرق الأوسط لن يتكرر حتى عام كذا، حوادث كونية فريدة نحتفي بها بشدة؛ ناسين أو متناسين، أن كل منا هو عبارة عن حدث كوني، لمرة واحدة فقط، ولن يتكرر… دمتم مختلفين.

مقالات متعلقة

  1. ثماني قواعد لتكوين الصورة فوتوغرافيًا
  2. «الدين لله والوطن للجميع»
  3. الأخلاق الحديثة والمشكلات النفسية- الاجتماعية
  4. منحة لإتمام الدراسات الجامعية في سنغافورة

مجتمع

المزيد من مجتمع