القانون رقم 10 وإسرائيل جديدة
إبراهيم العلوش
يتواطأ الروس والإيرانيون مع النظام، من أجل خلق إسرائيل جديدة، تحرم اللاجئين والمهجرين السوريين من وطنهم ومن أملاكهم، وتعمل على خلق بؤر استيطانية من الميليشيات الإيرانية، والعراقية، واللبنانية، وقد تفكر روسيا على المدى البعيد، بتهجير ناعم لبعض الشيشان، والشركس، وبعض مواطنيها المسلمين الذين تحتقر وجودهم داخل روسيا، وهي في حرب معهم منذ قرنين أو أكثر.
القانون رقم 10 لعام 2018، الذي أصدره رأس النظام، والقاضي بمصادرة أملاك المهجرين، واللاجئين السوريين، والمقدرة أعدادهم بأكثر من عشرة ملايين لاجئ ونازح، ومعظمهم غير قادرين على مراجعة أجهزة النظام خلال شهر من صدور أي أوامر للاستيلاء على الأراضي، والبيوت، بحجة إعادة التنظيم والإعمار، وهذا القانون يعيد إلى الذاكرة القانون الإسرائيلي السيئ الذكر في مصادرة أملاك الغائبين.
وقد أثار هذا القانون جزع لبنان والأردن وتركيا وأوروبا، واعتبره المبعوث الأممي ديمستورا مؤشرًا خطيرًا وتصعيدًا ضد الشعب السوري، واعتبرته أوروبا ابتزازًا لمنع عودة اللاجئين السوريين، فحوالي نصف الشعب السوري يسلك المنحى الفلسطيني الذي صممه الإسرائيليون له بكل عنصرية وعدوانية، وصار منهجًا لنظام الأسد، ولشبيحته الذين لم ترتو أحقادهم بعد كل هذا التدمير والقتل والوحشية.
التدمير الشامل الذي انتهجه النظام منذ الأيام الأولى للثورة السورية، نضجت أوهامه الآن، وهو يحاول أن يحقق أهدافه البعيدة، والقاضية بخلق وطن مصمم على قياس الشبيحة وعائلة الأسد، والغلبة فيه للون طائفي واحد، ويتمتع بخصوصيته، التي تضمنها الكراهية العميقة التي خلقها النظام تجاه بقية السوريين، وهو محمي من قوى دولية، أهمها روسيا وإيران، وربما لاحقًا، ستنضم الصين إلى التجربة التي تحاول أن تحاكي التجربة الإسرائيلية.
هذا القانون الاستيطاني يجعل الإيرانيين يتوهمون بأنهم سيختارون نوعية سكان سوريا الجدد، والذين يتلاءمون مع المتطلبات التي يفرضها النظام، والمحتلون الروس. وحسب تصوراتهم سيحقق مجتمعًا متجانسًا، وممانعًا، ويرضخ لأبدية الوجود الأسدي، طالما هو يخدم المحتلين، ويؤمّن لهم القواعد العسكرية، والممرات البرية، والجوية والبحرية، اللازمة لمد نفوذهم على حساب الشعب السوري واستقلالية قراره.
لقد مهد الأسد الأب لهذا القانون بمجموعة من الأنظمة والقوانين التي أوصلت البلاد إلى هذا الخراب، وهذا الضياع، فالقانون رقم 60 لعام 1979، كان أيضًا يشبه قانون الأحكام العرفية، ولكن بشكل عقاري، هذا القانون كان يصادر كل قطعة أرض تدخل المخطط التنظيمي إذا كانت مساحتها أكثر من 800 متر مربع، فالأراضي المجاورة للمدن تم الاستيلاء عليها بموجب هذا القانون، وتم تحويلها إلى بؤر لمخالفات البناء التي تزيد مساحتها في دمشق -مثلًا- على 60% من مساحة مدينة دمشق، وصارت هذه البؤر في كل المدن السورية مجالًا لنهب الأراضي، وإعادة بيعها على شكل مقاسم معدة للبناء المخالف. ذلك البناء المفتقد للبنية التنظيمية وللسلامة الإنشائية، كان يضخ أكداسًا من الأموال لأجهزة المخابرات، للمسؤولين المقربين من النظام، وتقدر قيمة الأموال المدفوعة على مخالفات البناء بمليارات الليرات السورية، عبر سنين طويلة من رعاية الفساد، ومن غض الطرف عن هذا التعفيش شبه الرسمي لأموال الناس الفقراء المحتاجين للسكن، نتيجة هجرة الريف إلى المدينة، والتي تدفق عبرها الناس إلى المدن الكبيرة بسبب فشل النمو الاقتصادي، وبسبب تحطيم البنية الزراعية، وعدم تطويرها بما يتناسب وقدرات البلاد ومواردها.
قطع الأراضي التي نجت من البناء المخالف تحولت إلى مقاسم لجمعيات سكنية فارهة، يتم تخصيصها للمسؤولين، ولأجهزة المخابرات وعناصرها المهمين، والذين يتاجرون بهذه المقاسم، ويربحون الملايين منها، علمًا بأن التعويض لأصحاب الأراضي المصادرة كان بخسًا، وجزافيًّا في التقدير.
فإذا كان قانون الأحكام العرفية قد ضمن الأبدية السياسية لعائلة الأسد، فإن القانون رقم 60 ضمن التعفيش والتمويل لهذا النظام خلال سنوات طويلة، وهو نفس النظام الذي يدفع اليوم بسوريا إلى فم المحتلين الأجانب، والذي يدعم مؤيديه وشركات التشبيح، بالقانون رقم 10 لعام 2018، وكذلك يدعمهم بالتعفيش الذي صارت أسواقه من أهم أسواق النشاط التجاري في البلاد في عصر بشار الأسد.
في محادثات رئيس الاحتلال الروسي بوتين والمستشارة الألمانية ميركل الأخيرة، والتي تمت هذا الشهر (أيار)، طلب بوتين أن تقوم أوروبا، ودول الخليج، بتقديم مبلغ 296 مليار دولار من أجل أن يجعل النظام، والإيرانيين، يمهدون لإعادة اللاجئين، وطبعًا حسب رؤيتهم، وحسب ما يتواءم مع مفاهيمهم عن سوريا، والتي يفصّلونها وفق مصالحهم ووفق رؤيتهم للبقاء في سوريا.
إنهم يريدون ثمن الصواريخ والقنابل التي قصفونا بها، ويريدون أن تقوم شركاتهم بإعادة الإعمار وفق القانون رقم 10، ووفق ما يماثله من إصدارات تنتظر الظهور. وهم يفترضون بأنهم هم المنتصرون وبشكل نهائي، وأن نصف الشعب السوري قد تم ترحيله إلى الأبد، وبتصورهم لن يجرؤ السوريون على النظر إلى بلادهم، ولا إلى بيوتهم، فالقوزاق الذين يحمون النظام سيظلون يحمونه مع القواعد الأجنبية، بهمجيتهم وبعدوانيتهم.
هذا القانون وغيره من القوانين لن تنفع معالجته، ما لم يتم إسقاط هذا النظام، فهذا السرطان السياسي، لا علاج له إلا بالاستئصال، وهذه هي حكمة الثورة الأولى (الشعب يريد إسقاط النظام)، وستظل هي العلاج الشعبي لهذا الألم ولهذه المرارة. ولن يهنأ أحد من الشبيحة، ولا من المحتلين بالسلام، ولن يهنأ أحد بعودة أبنائه إليه، ما لم يتم إسقاط هذا النظام، وبناء سوريا جديدة، غير استيطانية، ولا طائفية، ولا يحرسها القوزاق من الشبيحة ومن المعفشين، بل يحرسها القانون العادل الذي يتساوى الجميع أمام هيبته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :