“الربع الأصفر” يقترب من قبضة النظام

  • 2018/08/05
  • 12:07 م
خريطة النفوذ في سوريا - 4 آب 2018 (عنب بلدي)

خريطة النفوذ في سوريا - 4 آب 2018 (عنب بلدي)

ضياء عودة | نور عبد النور | عمار زيادة

شهد الملف السوري منذ مطلع العام الحالي تطورات على المستويين العسكري والسياسي، وكانت بمجملها لصالح النظام السوري، الذي تمكن بمساندة حلفائه الدوليين (روسيا، وإيران) من استعادة مناطق واسعة كان قد خسرها في السنوات الماضية من الثورة، كما استمر باللعب على الوتر السياسي، محاولًا التنصل من التهم التي وجهت له، ومتبنيًا سردية “الحرب على الإرهاب”.

على الجانب الآخر، لم تعط الظروف نقاطًا إيجابية لصالح القوى المحلية المعارضة، بل على العكس، فالمعارضة السورية تقلص نشاطها عسكريًا على الأرض وسياسيًا بفشل المطالب التي تريدها، وكان لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وضع مشابهٌ لسابقتها، لكن بوتيرة أبطأ، بدءًا من بوادر الانسحاب الأمريكي، الذي قابله الهاجس التركي من انتشار قوة كردية في المناطق الحدودية مع أراضيه.

ثلاث سنوات مرت على تشكيل “قسد”، وبدت في السنوات الماضية جسمًا عسكريًا ورقمًا صعبًا في المعادلة السورية، على خلفية الزخم العسكري الذي امتلكته للحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما التزمت بخطاب سياسي واحد انطلق من مفهوم “الفيدرالية”، وقتال أي طرف من شأنه أن يخل بالأركان التي تقوم عليها.

لكن الأمر اختلف حاليًا، إذ سارعت “قسد” لاغتنام الفرصة لتعيد العلاقات مع النظام السوري وحليفه الروسي، بسلسلة من المفاوضات بدأت في حزيران الماضي، وكان للانسحاب الأمريكي من ملف الجنوب السوري والتصريحات الأخيرة للرئيس، دونالد ترامب، دور رئيسي دفعها إلى ذلك.

يمكن القول إن القوات، التي تسيطر على نحو 25% من مساحة سوريا، فقدت نقاط القوة التي كانت تمسكها طوال السنوات الماضية، وخاصةً الورقة الأمريكية التي تعتمد عليها عسكريًا وسياسيًا، كما أنها لم تتمكن من إدارة مناطقها بالشكل المطلوب، لا سيما فيما يتعلق بالاستفادة من القدرات الاقتصادية التي تمتلكها المنطقة.

كما لم تكن السياسة التي تتبعها أمريكا واضحة منذ أواخر العام الماضي، ووسمت استراتيجيتها بالغامضة والمبهمة، ولا سيما فيما يخص المناطق التي تسيطر عليها “قسد”.

وربما اتضحت قليلًا في شهر حزيران الماضي، بعد الخارطة التي توصلت لها أمريكا مع تركيا في مدينة منبج، والتي قضت بانسحاب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) بشكل كامل من المدينة، على أن يتم تسيير دوريات مشتركة فيها ريثما يتم تشكيل مجلس محلي لإدارة الحياة المدنية والخدمية، الأمر الذي اعتبر انسحابًا مفاجئًا لأبرز القوى التي تدعمها في سوريا.

أعطت خارطة الطريق هذه فكرة عن تذبذب أمريكي، واتضحت الصورة بأن واشنطن لا يمكن الوثوق بسياستها، وما أكد ذلك الموقف الذي اتخذته بخصوص مدينة عفرين بعد اعتبارها أن معركة الجيش التركي لا يمكن توقيفها لأنها تندرج تحت “حماية الأمن القومي”.

الظروف السابقة كانت من أبرز الأسباب وراء رضوخ “قسد” للتفاوض مع النظام، والذي بدأت أولى بوادره في حزيران الماضي خلال زيارة للناطقة الرسمية باسم “الجبهة الديمقراطية السورية” المعارضة، ميس الكريدي، التقت فيها الرئيسة المشتركة لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” (الجناح السياسي لـ “قسد”)، إلهام أحمد، والتي أبدت استعدادها للتفاوض المباشر مع النظام السوري في دمشق دون شروط مسبقة.

اتضح موقف “قسد” في التفاوض بعد شهر من الزيارة، وعقب مؤتمر لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، في 16 من تموز الماضي، توجهت إلى دمشق واجتمعت مع وفد النظام السوري بشكل مباشر، في زيارة هي الأولى من نوعها.

وبحسب المخرجات التي عرضتها عقب الزيارة، قالت إن الهدف منها هو “وضع الأسس التي تمهد لحوارات أوسع وأشمل، ولحل كافة المشاكل العالقة، وحل الأزمة السورية على مختلف الصعد”.

وأضافت أن “هذه اللقاءات كانت قد سبقتها حوارات تمهيدية في مدينة الطبقة بين اللجان الفرعية للطرفين، والتي ناقشت القضايا الخدمية”، كما أفضى اللقاء بين الطرفين إلى اتخاذ قرارات بتشكيل لجان على مختلف المستويات لتطوير الحوار والمفاوضات.

وحتى اليوم، لم تعرض التفاصيل الدقيقة للزيارة، ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن قيادي كردي أن المحادثات الأولية في دمشق تخللتها تفاهمات كي يرسل النظام مهندسين وفنيين وعمالًا لتشغيل وتصليح سد الفرات، والذي أصر على إرسال الحماية الأمنية، ليقابله رفض من قبل “قسد” ومجلس الطبقة المحلي.

وقال القيادي إن وفد “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ركز على أولوية استعادة الخدمات: الكهرباء، التعليم، النفوس، الصحة، بحيث يتم إصلاح العنفات السبع في سد الفرات، وإعمار المدارس وتشغيلها، واستعادة النفوس والسجلات المدنية عملها، وتكون هذه الخطوات بمثابة إجراءات للثقة ومرحلة أولى، وفيما بعد يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وبحسب القيادي تتضمن تسليم المعابر الحدودية والوجود الأمني للنظام السوري.

تهديدات سبقت التفاوض

“مسد” يطمح للامركزية..  النظام يريد منهم “الاستسلام”

لم يكن الانسحاب الأمريكي السبب الوحيد الذي دفع “قسد” إلى التفاوض مع النظام، وربما كانت تهديدات الأسد الأخيرة سببًا آخر، خاصةً بعد بروزه كلاعب “فعال” على الأرض، بدعم روسي وإيراني.

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وضع “قسد” أمام خيارين، واعتبر أنها المشكلة الوحيدة التي تعترض قواته في سوريا، وذلك في مقابلة مع “روسيا اليوم” في 31 من أيار الماضي.

الخيار الأول من وجهة نظر الأسد هو “فتح الأبواب أمام المفاوضات، لأن أغلبية القوات هي من السوريين، ويفترض أنهم يحبون بلدهم، ولا يرغبون بأن يكونوا دُمى بيد الأجانب”.

ونوه رئيس النظام السوري إلى الدعم الأمريكي لهذه القوات، واعتبر أنه يجب عدم الوثوق بالأمريكيين لأنهم “دائمًا يقولون شيئًا ويفعلون عكسه، إنهم يكذبون بشكل يومي، إذًا لدينا خيار وحيد وهو أن نعيش مع بعضنا كسوريين وإلى الأبد”.

أما الخيار الثاني فهو السيطرة على مناطق “قسد” بالقوة، قائلًا، “إذا لم يحدث الخيار الأول، سنلجأ إلى تحرير تلك المناطق بالقوة، ليست لدينا أي خيارات أخرى، بوجود الأمريكيين أو بعدم وجودهم، ليس لدينا خيار آخر”.

وأضاف أن الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية “أرضنا وهذا حقنا ومن واجبنا تحرير تلك المنطقة، وعلى الأمريكيين أن يغادروا، وسيغادرون بشكل ما”.

الخيارات التي طرحها الأسد كانت قد سبقها تهديدات مباشرة، إذ وصف الأسد “قسد” بأنها “خائنة”، وقال في تصريح صحفي في كانون الأول 2017، إن “كل من يعمل تحت قيادة أي بلد أجنبي في بلده وضد جيشه وضد شعبه هو خائن”.

في حين وصفها نائب وزير الخارجية، فيصل مقداد، بأنها “داعش جديدة” في الشمال الشرقي من سوريا.

ولم تسكت “قسد” على الاتهامات الموجهة، وقالت في بيان بعد وصفها بـ “الخائنة”، إن “النظام السوري هو من فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام جحافل الإرهاب الأجنبي، التي جاءت من كل أصقاع الأرض”.

وأضاف البيان أن “النظام هو بالذات الذي أطلق كل الإرهابيين من سجونه ليوغلوا في دماء السوريين بمختلف تشعباتهم”.

واعتبرت “قسد” أن “بشار الأسد وما تبقى من نظام حكمه، هم آخر من يحق لهم الحديث عن الخيانة وتجلياتها”، معتبرةً أن الأسد هو المسؤول مباشرة عن إطلاق يد الفصائل الطائفية في البلاد و”التي عاثت فسادًا في نسيج سوريا أرضًا وشعبًا”.

مؤتمر فعاليات المؤتمر الاعتيادي الثالث لمجلس سوريا الديمقراطية- 17 تموز 2018 (قوات سوريا الديمقراطية)

على الطاولة.. مصالح لا اتهامات

يتم في الإدارة اللامركزية توزيع الوظائف الإدارية في الدولة بين السلطة المركزية وهيئات محلية أو مرفقية مستقلة تباشر نشاطها تحت إشراف السلطة المركزية ورقابتها، ويعرف هذا النمط بأنه نظام الإدارة المحلية.

أما الإدارة المركزية فتتركز الوظيفة الإدارية فيها بيد هيئة واحدة تتولى دواوينها في العاصمة وفروعها في المحافظات، وتتولى إدارة جميع الشؤون والمرافق العامة من قومية ومحلية.

خلال الزيارة الأخيرة لوفد “مسد” إلى دمشق، برزت نقطة خلافية مع النظام السوري، تتعلق باللامركزية الإدارية التي يطمح لها الكرد في شمال شرقي سوريا، ورغم تأكيد “مجلس سوريا الديمقراطية” على طرح الموضوع خلال الزيارة، نفى النظام الدخول بالتفاوض على هذه النقطة، وغابت تغطية وسائل إعلامه للقاء الثنائي، واقتصر الأمر على خبر أوردته صحيفة “الثورة” قالت فيه إن موضوع اللامركزية لم يتم التطرق إليه بشكل نهائي.

وتعتبر اللامركزية الإدارية الطموح والهدف الذي يريده “مسد” ويركز عليه حاليًا، بعد الرؤية التي تبناها سابقًا من النظام الفيدرالي، والذي قسم مناطق “قسد” إلى ثلاث مقاطعات، لكن الطم

وح يعترضه تعنت واضح من النظام السوري، الذي رفع سقف شروطه، ويمكن اختصارها بالاستسلام ودخول قواته الأمنية والعسكرية كمرحلة أولى في أي عملية تفاوضية.

رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية

ويقول الرئيس المشترك لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” رياض درار، إن الإدارة التي يطمح لها “مسد” هي اللامركزية الديمقراطية، وهذا “يساعد في تكريس المبادئ الديمقراطية ويحتاج لدستور توافقي يعتبر الضامن الذي يوحد بين الإدارات الذاتية الديمقراطية ضمن الوطن المشترك”، وفق تعبيره.

ويضيف درار، في حديث إلى عنب بلدي، أن الحكم اللامركزي لمستقبل سوريا هو هدف مهم بالنسبة لتطلعات “مجلس سوريا الديمقراطية” المستقبلية، مشيرًا إلى أن الوثيقة السياسية التي التزم بها المجلس سابقًا أكدت على سوريا اتحادية لامركزية بمعنى لا يلغي المركز كليًا، بل إنه سيتحول من أداة تحكم إلى وسيلة توحيد وتنسيق بين جميع المناطق التي تشكل الكل، مع احتفاظه بإدارة وظائف أساسية محددة تحمل الصفة السيادية والاستراتيجية العامة.

وكان الرئيس السابق لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”، صالح مسلم، قال بعد أيام من زيارة وفد المجلس إلى دمشق “نريد جس النبض واستطلاع إمكانات التفاوض بحيث يتم بعد ذلك الدخول في مفاوضات جدية حول سوريا المستقبل”.

وأضاف مسلم، الذي يشكل حزبه نواة “مجلس سوريا الديمقراطية”، “لدينا نموذج وهو الإدارات المحلية ونريد تعميم هذا النموذج والتفاوض حول النماذج المتوفرة (الفيدرالية، الإدارات المحلية، اللامركزية، الدستور الجديد)”، معتبرًا أن أي اتفاق يعقد يجب أن يكون له ضامن دولي لأن النظام يريد التلاعب وفرض الاستسلام كما حصل في درعا ومناطق أخرى.

ورغم الحدث الأبرز الذي شغلته الزيارة واللقاء الذي جمع النظام و”مسد”، لم تعط حتى اليوم أي خطوات واضحة للعلاقة المستقبلية بين الطرفين، فلا يزال المجلس السياسي يتمسك بالمناطق التي يسيطر عليها ويعتبرها غير قابلة للنقاش حاليًا، وهو ما أكدت عليه الرئيسة المشتركة لـ “مسد” بالقول إن مجلسها لن يسلم أي منطقة لدمشق.

وأضافت في لقاء مع تلفزيون “روسيا اليوم” أن “الحكومة السورية لم تقدم أي ضمانات للمجلس حول المناطق رغم مطالبته بها”.

لماذا الإصرار على “الحكم اللامركزي”

ويرى درار أن الحكم اللامركزي يؤكد على وحدة الأراضي السورية، وهو معيار قوة وتمكين وتجاوز للأزمة، والتي وصفها بـ “البنيوية، التي ارتكزت على الدولة القومية أحادية الصيغة، وعلى الاستبداد وإنكار الأخر”.

ويعتبر أنّ الحل السياسي لا بد أن يتجه إلى اللامركزية والتشاركية والديمقراطية الحقيقية، لتمكين جميع المكونات على اختلاف الخصوصيات من تحقيق ذاتها في الوطن المشترك، الذي يجب أن يحضن الجميع دون إقصاء أو إبعاد أو تحكم أو تسلط أو احتكار، كما يجب أن تسود فيه القوانين العادلة، وتديره المؤسسات الديمقراطية التي ستكون الضمانة الدستورية الحقيقية لسوريا المنسجمة مع هذا العصر.

وتطرق درار إلى “تعنت” النظام السوري ورفضه للهدف الذي يسعى له “مسد”، ويقول إن النظام لا يقبل النظام اللامركزي والإدارة اللامركزية وهو ضدها، لكن ذلك لا يمنع من الإصرار على التفاوض على فائدة اللامركزية وعلى أن يسير عليها لأن هناك تجربة هي “الإدارة الذاتية” في الشمال والمجالس المدنية، والتي تعمل دون أن يكون حاجة للعودة إلى المركز، لأن القضية المحلية تدار محليًا من قبل أبنائها المنتخبين ديمقراطيًا.

وكان النظام السوري طرح فكرة اللامركزية في قانون الإدارة المحلية الصادر في عام 2011 بالمرسوم التشريعي رقم 107 والمطبق حتى اليوم، وقال إن القانون هدفه الأول تطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي فئات الشعب، تطبيقًا لمبدأ الديمقراطية الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة وذلك من خلال توسيع وتحديد واضح وغير مزدوج لسلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية لتمكينها من تأدية اختصاصاتها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية اقتصادياً واجتماعيًا وثقافيًا وعمرانيًا.

لكن درار يقول إن القانون الذي أصدره النظام السوري مجتزأ ولم يطبق، إذ تم تحويل قراراته للمحافظة ووزير الإدارة المحلية، وكانت مرجعيته في التحاكم المحاكم الإدارية، و”هذا لا يمكن أن يكون نافعًا في مستقبل العمل لأن تغول الدولة والحزب والأشخاص في الحزب يجعل المركزية شديدة والفساد مستمرًا”، مؤكدًا أن “مسد” مع اللامركزية ويسعى لفرضها وإجبار النظام على أن يأخذ بها لأنها “الحل المستقبلي الأمثل”.

نقاط عدة يتمسك بها “مسد” في عملية التفاوض، وبحسب الرئيس المشترك يقوم المشروع التفاوضي على البناء الذاتي أولًا، و”أننا جزء من سوريا ولا ندعو إلى الانقسام والانفصال كما يشاع”.

ويعتبر درار أن “التفاوض هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الثورة إلى جانبها السلمي والمدني، ويفتح الحل السياسي المجال أمام الأحزاب والعمل السياسي، وبذلك يمكن المحاربة من الداخل عن طريق الصراع السياسي والبرامج السياسية، وهذا يتطلب أن نحقق رؤية دستورية تسمح بهذا التفاعل”.

ومع تعنت النظام السوري وعدم وضوح الرؤية التي يريدها في شمال شرقي سوريا، يرى درار استحالة عودة الأشياء كما كانت عليه، وعودة النظام إلى الاستبداد.

هل نرى سلاحًا أمريكيًا بيد قوات الأسد؟

أنفقت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) 2.2 مليار دولار لشراء أسلحة من الحقبة السوفيتية، مدت بها “قوات سوريا الديمقراطية” وعمادها “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، بحسب تحقيق لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) وشبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان (BIRN)، نشر في أيلول 2017.

وعمدت “البنتاغون” إلى دعم “الوحدات” بهذه الأسلحة، وأخفت سجلات تثبت وصولها إلى سوريا، للالتفاف على فشل برامج التدريب الرسمية للمعارضة واعتقال من استفاد منها من قبل جهات متطرفة، بحسب التحقيق.

لكن سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي تسلم زمام البيت الأبيض مطلع 2017، كانت أوضح في دعم “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ رصدت وزارة الدفاع بشكل رسمي مبلغ 500 مليون دولار لتدريب وتجهيز القوات لعام 2018.

كما خصصت 550 مليونًا في ميزانية عام 2019، 300 مليون منها للتدريب والتجهيز، و250 لدعم قوة أمنية حدودية تديرها القوات.

وفي وقت تعذر التواصل مع مدير المركز الإعلامي في “قوات سوريا الديمقراطية”، مصطفى بالي، لم يجزم الرئيس المشترك، لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، رياض درار، بمصير السلاح في حال تمت التسوية مع النظام السوري، متوقعًا أن تذهب “قسد” إلى الدفاع عن المناطق كقوات حماية، وأن يكون هناك تفاهم عبر مجلس عسكري لتصبح جزءًا من الجيش السوري الذي يحمي الحدود والبلاد.

ولم يستعجل درار النتائج، تاركًا مصير السلاح والقوات مرهونًا بالتفاوض، ومؤكدًا أن “قسد ستحمي كل مقررات مجلسها السياسي ومواقفها إلى أن يتم الحل النهائي”.

وسبق أن فرض النظام السوري تسليم السلاح الثقيل على المناطق التي توصل فيها إلى تسوية مع فصائل المعارضة، على غرار أرياف دمشق ودرعا وريف حمص، وفي حال أصر على هذا الشرط شمال شرقي سوريا، سيحصل لأول مرة بشكل علني على سلاح أمريكي، إلا في حال استعادته من قبل واشنطن قبل أن يصل إلى أيدي قوات الأسد.

والجيش السوري مجهز بعتاد وسلاح روسي معظمه صنع في زمن الاتحاد السوفيتي، واعتاد النظام إجراء صفقات أسلحة مع روسيا ودول أوروبا الشرقية (سوفيتية سابقة)، لكنه لم يجر أي صفقات رسمية مع واشنطن.

 

أبرز الأسلحة الأمريكية بيد “قوات سوريا الديمقراطية” (عنب بلدي)

ملفات اقتصادية قد تحول دون التسوية

تتميز المساحة المدارة حاليًا من “الإدارة الذاتية” باحتوائها على موارد اقتصادية مهمة في الناتج الوطني السوري، ما قد يجعل التنافس عليها عقبة أمام التوصل إلى تسوية سياسية.

وبلغت ميزانية الإدارة الذاتية في عام 2016 مليارين و700 مليون ليرة سورية، اعتمدت بشكل أساسي على عدة مصادر، أبرزها النفط والغاز والموارد الزراعية، إلى جانب الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تدخل أراضي الجزيرة من إقليم كردستان العراق.

أكبر حقول النفط

تضم منطقة الجزيرة حقولًا نفطية وغازية ذات أهمية “استراتيجية”، منها الرميلان والشدادي والجبسة والسويدية، التي سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب” (الكردية) منتصف العام 2012، إضافةً إلى مصفاة الرميلان، وحقول كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك.

كما ضمت إلى سيطرتها حقولًا استراتيجية، في ريف دير الزور الشرقي، إثر معارك ضد تنظيم “الدولة” بين أيلول وتشرين الأول 2017، وأهمها حقل العمر وكونيكو والجفرة.

ويعتبر حقل العمر الواقع في الريف الشرقي لدير الزور أكبر حقول النفط في سوريا، وبلغ إنتاجه قبل عام 2011 حوالي 30 ألف برميل يوميًا.

ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة لحقل “رميلان” 1322 بئرًا، إلى جانب 25 بئرًا للغاز المسال في حقل السويدية.

سلة سوريا الغذائية

يشكل الاقتصاد الزراعي حاليًا حوالي 75% من خريطة اقتصاد المنطقة، بينما تحتل الثروة الحيوانية نسبة 15%، وتضاف إليها التجارة عن طرق المعابر التجارية سواء إلى العمق السوري، أو إلى كردستان العراق مرورًا بمعبر سيمالكا، أو عبر مدينة جرابلس إلى مناطق “درع الفرات”، بحسب نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، ديروك ملا بشير.

وأوضح ملا بشير لعنب بلدي في وقت سابق أن القطاع الزراعي له أولوية في المنطقة، وعلى رأسه زراعة القمح، والتي تراوح إنتاجها في الأعوام الماضية بين 550 و600 ألف طن، إضافة إلى زراعة الشعير والبقوليات.

معابر استراتيجية قد تفتح

لا يزال ملف عدد من المعابر السورية- التركية عالقًا منذ سيطرة “الوحدات” على المنطقة، إذ ترفض تركيا أي تعاون معها وتصنفها على أنها “إرهابية”، وهو ما تسبب بخسارة “الإدارة الذاتية” موارد أربعة معابر أساسية هي: مرشد بينار، تل أبيض، رأس العين، نصيبين.

وبموجب التفاهمات الأخيرة في شمالي غربي سوريا، والتخطيط لافتتاح مشاريع حيوية بالتنسيق بين روسيا وتركيا، لا يستبعد التوصل إلى تفاهم لتشغيل هذه المعابر بإدارة النظام السوري.

كما سيطرت القوات على معبر اليعربية مع العراق عام 2013، لكنه غير مفعل أيضًا.

وتحتفظ “الإدارة الذاتية” حاليًا بمعبر وحيد مفعل غير رسمي مع كردستان العراق، المتعارف عليه بـ “سيمالكا”، ويفتح ويغلق لأسباب سياسية.

خريطة توضح توزع حقول النفط والمعابر الحدودية الموجودة في منطقة الجزيرة (عنب بلدي)

الوطني الكردي: نرفض أي تفاهمات غير مبنية على القرارات الدولية

رغم سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي” على مفاصل الحياة في الجزيرة السورية، سواء على الصعيد الأمني أو العسكري أو السياسي أو المدني، حافظ المجلس الوطني الكردي المعارض على وجوده في “مقاطعات” الإدارة الذاتية منذ تأسيسها، واستمر أعضاؤه والناشطون الموالون له بممارسة أنشطتهم على نطاق محدود وتحت رقابة أمنية صارمة من قبل أجهزة الإدارة الذاتية.

هذا الوجود، وعلى الرغم من تقييده، مهدد اليوم بالاندثار، مع طرح احتمالية دخول النظام السوري مدنيًا وعسكريًا إلى الجزيرة السورية وفق التفاهمات الأخيرة بين “مجلس سوريا الديمقراطية” ومسؤولين من النظام السوري في العاصمة دمشق.

ملفات عدة بين الوطني الكردي والإدارة الذاتية لم يتم حلّها حتى الآن، وعلى رأسها ملفّ المعتقلين الذين تتكتم عليهم الإدارة الذاتية وترفض الإفصاح عن مصيرهم، ما يخلق مخاوف وتساؤلات حول مصيرهم في حال دخول النظام السوري.

إلى جانب ذلك، فإن المجلس الوطني الكردي يشارك إلى جانب المعارضة السوري في الهيئات السياسية، ويتبنى موقفًا معاديًا للنظام، وهو ما يمكن أن يعرّض أعضاءه أو مواليه في الحسكة لخطر الاعتقالات التعسفية.

في صالح النظام

يشير ممثل المجلس الوطني الكردي في الائتلاف السوري المعارض وعضو الهيئة السياسية ضمنه، حواس سعدون، إلى أن بيانات “مجلس سوريا الديمقراطية” لم تفصح عن نتائج اجتماعات الأخير مع النظام، بل كان هناك “تركيز على الأمور الخدمية، ومن ثم الانطلاق لبناء الثقة للبحث في المواضيع الأخرى”.

وأضاف سعدون في لقاء مع عنب بلدي “بالنسبة لموقفنا نحن نركز على أهمية الحوار السياسي استنادًا إلى بيان جنيف 1 والقرارات الدولية وتحديدًا 2254″، لافتًا إلى أن “أي مفاوضات دون الاستناد إلى هذه القرارات الدولية ستصب في صالح النظام”.

وحول الأسباب التي دفعت إلى التقارب بين “مجلس سوريا الديمقراطية” والنظام، قال سعدون، “هناك الكثير من القضايا الإشكالية التي حدثت مؤخرًا، منها ما في الجنوب السوري وتخلي الدول الضامنة عن دورها في الجنوب السوري، وكان ذلك أحد الأسباب إضافة إلى ما حدث مؤخرًا في عفرين”، مضيفًا، “لا أتوقع أن يكون هذا الوفد قد ذهب إلى دمشق دون ضوء أمريكي”.

مصير مجهول لمعتقلي “الوطني”

تجاوزت الإدارة الذاتية سياسة “التضييق” بحق المجلس الوطني وأعضائه إلى “القمع” الذي تجلّى في إغلاق المقار الحزبية، واعتقال الأعضاء، ومنع التظاهرات السلمية.

وكان ممثل المجلس الوطني الكردي في الائتلاف الوطني المعارض، فؤاد عليكو، أكد لعنب بلدي في لقاء سابق أن الإدارة الذاتية أغلقت جميع مقار المجلس والأحزاب التابعة له، والتي يصل إجمالي عددها إلى 70.

إضافة إلى ذلك اعتقلت الإدارة الذاتية عددًا من أعضاء المجلس الوطني الكردي، ووفق حواس سعدون فإن “هناك الكثير من المعتقلين الذين لا يزال مصيرهم مجهولًا أمثال بهزاد دورسن، وعبد الرحمن آبو، وفؤاد إبراهيم، إضافة إلى العديد من مؤيدي المجلس الوطني الكردي والناشطين الثوريين من الشباب الكرد الموجودين في سجون الإدارة الذاتية، والذين لا تتوفر معلومات كافية حولهم، لأنهم لم يعترفوا حتى الآن بمصير العديد منهم”.

سعدون أكد في لقائه مع عنب بلدي أن عودة النظام إلى أي منطقة سورية تخلق مخاوف “لأن النظام مستمر بعنجهيته ولا يزال يفكر بالحل العسكري، ويمارس سياسة الاعتقال التعسفي والتهجير القسري”، مضيفًا “هذا النظام لا يؤتمن له بأي شكل من الأشكال”.

استطلاع رأي:

تخلي أمريكا والخوف من تركيا سببان لتقارب النظام و”قسد”

أظهر استطلاع للرأي أجرته جريدة عنب بلدي أن التخلي الأمريكي عن قوات سوريا الديمقراطية، وتخوف الأخيرة من تدخل تركي محتمل، هما السببان اللذان دفعا قوات سوريا الديمقراطية للتفاوض مع النظام.

وطرحت عنب بلدي على قرائها عبر الموقع الإلكتروني وصفحتها على “فيس بوك” السؤال التالي: “ما الذي دفع “قوات سوريا الديمقراطية” للتفاوض مع النظام؟”.

شارك في الاستطلاع ألف مستخدم، انقسم أغلبهم بين الخيارين: “التدخل الأمريكي” و”التخوف من التدخل التركي” بنسبة 46% و45% على الترتيب، بينما رجح 8% من المشاركين في الاستطلاع أن يكون الضغط الروسي هو السبب.

وعلق عدد من المستخدمين على منشور الاستطلاع في صفحة عنب بلدي على “فيس بوك”، إذ كتب المستخدم رأفت أبو خالد “هكذا أرادت أمريكا أن تسلم الأمور لروسيا بعد المراوغة والكذب والضحك على الشعب”.

فيما ذهب المستخدمان زهير والي وخالد فتال، إلى ترجيح وجود تقارب قديم بين النظام و”قوات سوريا الديمقراطية”.

مقالات متعلقة

  1. الأمن لإسرائيل والتحجيم لإيران.. انسحاب أمريكي محتمل يسلم مفاتيح سوريا لموسكو
  2. إلهام أحمد.. "سيدة مسد الأولى" تدير عمليات الإنقاذ الكردي
  3. "قوات سوريا الديمقراطية": لا نبيع النفط لإيران
  4. تقارب كردي- كردي يرسم خريطة تحالفات جديدة

في العمق

المزيد من في العمق