دراسة: جميع وسائل الإعلام السورية استخدمت “خطاب الكراهية”

  • 2019/03/22
  • 7:31 م
مصور سوري يلتقط صورًا لآثار قصف استهدف مركز البحوث العلمية شمال دمشق - نيسان 2018 (AFP)

مصور سوري يلتقط صورًا لآثار قصف استهدف مركز البحوث العلمية شمال دمشق - نيسان 2018 (AFP)

نشر “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” نتائج دراسة أجراها حول خطاب الكراهية والتحريض على العنف في الإعلام السوري، وذلك بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونسكو”.

واختارت الدراسة، التي نشرها المركز قبل أيام، 24 وسيلة إعلامية محلية شملت مختلف أنماط الإعلام السوري، من مختلف التوجهات السياسية.

وتم إنجاز الدراسة في الفترة ما بين كانون الأول من عام 2017 و 29 حزيران من عام 2018، واعتمدت على منهجي “الوصفي التحليلي” و”المقارن” للوصول إلى نتائجها، والتي خلصت إلى أن جميع وسائل الإعلام السورية استخدمت خطاب الكراهية والتحريض على العنف بنسبة بلغت 23.5% من المحتوى الإعلامي لعينة الدراسة.

من استخدم خطاب الكراهية أكثر

وأثبتت الدراسة فرضية أن جميع وسائل الإعلام السورية، المقروءة والمسموعة والمرئية، الموالية للنظام السوري والمعارضة له والكردية، استخدمات خطاب الكراهية والتحريض على العنف.

وجاءت وسائل الإعلام الموالية في المرتبة الأولى بنسبة استخدام خطاب الكراهية (بمعدل 27.4%)، تلتها وسائل الإعلام الكردية (بمعدل 25.7%)، ثم وسائل الإعلام المعارضة (بمعدل 14.1%).

وعزت الدراسة ارتفاع النسبة في وسائل الإعلام الموالية والكردية إلى عاملين، هما “مركزية القرار الإعلامي” و”الرقابة الإعلامية” في كل من مناطق النظام السوري ومناطق الإدارة الذاتية (الكردية)، وهو ما لم تواجهه وسائل الإعلام المعارضة التي تمتعت بهامش حرية أوسع، نتيجة لعدم خضوعها لأي سلطة مركزية تحدد اتجاهها العام أو سياساتها التحريرية.

مدير برنامج “مرصد خطاب الكراهية والتحريض على العنف في الإعلام السوري”، يحيى فارس، قال لعنب بلدي، الجمعة 22 من آذار، إن الإطار النظري للمشروع، بما في ذلك التعريف المعتمد لخطاب الكراهية ومعايير الرصد تم وضعها بشكل أساسي من خلال ورشة عمل للخبراء عُقدت ببرلين في شهر تشرين الأول من عام 2017.

وأشار إلى أنه على الرغم من جميع المحاولات للوصول لتعريف واضح وصريح لخطاب الكراهية، يراعي في الوقت نفسه محددات حرية التعبير، إلا أن الموضوع لم يكن سهلًا، إذ لا يوجد اتفاق حول تعريف محدد.

وأوضح أن بعض المبادئ مثل مبادئ “كامدن” وغيرها، تعمد إلى شرح المجموعات المستهدفة من خطاب الكراهية، وهو ما يشكل تعريفًا إجرائيًا يلائم المعايير السورية والوضع والسياق السوريين، وهو يتلائم في نفس الوقت مع المحددات الأساسية لخطاب الكراهية دوليًا.

وتشرح مبادئ “كامدن” كلمتي “الكراهية” و”العداء” بأنهما تشيران إلى مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء والعداوة والبغضاء تجاه المجموعة المستهدفة، أما كلمة “دعوة إلى العنف أو الكراهية” فتعني وجود نية لترويج البغض للفئة المستهدفة وبطريقة علنية.

تجربة جديدة تبحث عن آليات مستدامة

وعن الصعوبات التي واجهت الباحثين خلال الدراسة، لفت فارس إلى أنها كانت تجربة جديدة في السياق السوري بشكل عام، وقد واجهت بعض التحديات في تدريب الراصدين على آليات الرصد واستخدام قاعدة إلكترونية لتخزين البيانات فيها، إضافة للاستخدام الدقيق لاستمارة الرصد وكيفية تضمين سياق الرصد أثناء العملية، إذ أن اقتطاع كلمات من سياقها سيؤدي إلى تفسيرات مختلفة، ولذلك كان من المهم تدريب الراصدين وتجهيزهم فكريًا وعملياتيًا بشكل جيد.

وبيّن فارس أن الدراسة تعتبر أولية، والهدف منها هو فتح الطريق نحو دراسات أخرى في نفس المجال، إذ أن هذا الموضوع بحاجة لآليات مستدامة للرصد، ولا بد من العمل كمحيط إعلامي سوري على إنتاج آليات مستدامة لمراقبة استخدام خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، من خلال إصدار  مؤشر سنوي أو تقارير دورية عن الموضوع.

وأشار إلى أن هذه المفاهيم تختلف من وسيلة لأخرى تبعًا لاتجاهها السياسي، ومموليها، ومكان وجودها، إذ أن السياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية لا تكون كما تريدها مئة بالمئة،كونها تتعرض لعدة ضغوطات، منها ضغوط الأمر الواقع، والتي تتجسد بسيطرة قوى معينة على الجغرافيا التي تعمل بها هذه الوسيلة، أو سيطرة الداعمين أو الملاك، وهي تؤثر بدرجات متفاوتة على خطاب الوسيلة الإعلامية وخطها التحريري.

وهدفت الدراسة، إلى جانب تقييم مدى استخدام خطاب الكراهية، إلى رفع الوعي المجتمعي حول أسباب استخدام هذا الخطاب وأشكاله وعواقبه، إضافة إلى إنشاء أدوات للحد من استخدامه.

وتُظهر تقارير الرصد الإعلامي التي أجريت في عدة دول عربية أن خطاب الكراهية في إعلام المنظقة تزايد بعد الحراك السياسي في العام 2011، وما قابله من عنف الأنظمة الحاكمة، الذي أسهم بخلق صراعات دامية، زاد في تعقيدها طبيعة البنى الطائفية والعشائرية للمجتمعات العربية، إضافة للتدخلات الإقليمية والدولية، وذلك بحسب الدراسة.

 

“معًا لنبذ الكراهية”.. جهود مستمرة

وكانت مؤسسة عنب بلدي عقدت، في أيار من 2017، ملتقى إعلاميًا سوريًا في اسطنبول لمناقشة واقع الإعلام المحلي ودوره في معالجة خطاب الكراهية.

حمل الملتقى عنوان “الصحافة السورية معًا لنبذ الكراهية”، وحضرته 14 مؤسسة إعلامية سورية، مرئية ومسموعة ومقروءة.

وخرج المشاركون بمجموعة من التوصيات، الموجهة إلى وسائل الإعلام السورية وإلى العاملين فيها، بهدف التقليل من الرسائل الإعلامية التي تحتوي أفكارًا أو معلومات أو مفردات من شأنها أن تسبب أو تزيد الاحتقان بين مكونات المجتمع السوري، بما يؤدي للوصول إلى خطاب إعلامي مهني ووطني، يعزز السلم الأهلي في سوريا.

وتوصل الملتقى إلى تعريف اتفق عليه المشاركون، حدد خطاب الكراهية بأنه “كل خطاب يتضمن إقصاءً أو تهميشًا أو إهانة أو تحريضًا أو تمييزًا سلبيًا أو تنميطًا مسيئًا أو ذمًا موجهًا ضد مجموعة بشرية، بشكل مباشر أو مبطنٍ، وفق سياسة ممنهجة أو اعتباطية”.

بماذا خرج المجتمعون؟

على مستوى المصطلحات والألفاظ، شدد الملتقى على ضرورة “تجنب المفردات والمصطلحات التي قد يثير تعميمها حفيظة أي مجموعة بشرية في سوريا، واستخدام مصطلحات تميّز بوضوح بين تقييم الجهات السياسية أو الحزبية أو العسكرية، وبين وصف مجموعة بشرية بأكملها، واستخدام مصطلحات جامعة، تكرس مفهوم المواطنة، وتسهم في الحفاظ على السلم المجتمعي”.

أما على صعيد المحتوى الإعلامي، فشدد المشاركون على ضرورة تطبيق وسائل الإعلام السورية للمعايير المهنية في الصحافة، ونقل المعلومات للجمهور وشرحها بموضوعيّة وتوازن، وتحري الدقة باختيار المصادر في القضايا المثيرة للجدل، وعدم الخلط بين الرأي والخبر، والتمييز بين العمل السياسي والعمل الصحفي، وإغلاق المنابر في وجه الأصوات التي تثير الكراهية.

كذلك أوصى الملتقى بضرورة “تنويع المحتوى الإعلامي بما يضمن تغطية عادلة لكل المكونات السورية، وتخفيف التوتر في الرسائل الإعلامية بين العرب والكرد، وتطبيق ذلك بين بقية المكونات”.

واتفقت الوسائل المشاركة على تضمين الرسائل الإعلامية التي تحض على “الامتناع عن نشر كل ما يشكل دعوة إلى العنف والتمييز وإثارة النعرات، ونشر مواد إعلامية تهدف إلى تعزيز ثقافة تقبّل الآخر والتعريف به، وتسهم في ترسيخ قيم العيش المشترك، وإطلاق حملات إعلامية ضدّ التطرف والإقصاء والإلغاء”.

ورأى المجتمعون ضرورة انضمام المؤسسات الإعلامية السورية لمواثيق شرف إعلامية، محلية أو دولية، تحض على نبذ الكراهية، وتبني سياسات توظيف “تعزز التنوع المناطقي والعرقي والإثني، ضمن كوادر المؤسسات الإعلامية السورية”، ووضع قواعد سلوك للعاملين في المؤسسات الصحفية، تضمن ابتعادهم عن خطاب الكراهية، في تغطياتهم الصحفية، وفي منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وشدد الملتقى على أهمية تكثيف البرامج التدريبية التي تتناول القضايا الميثاقية والحقوقية في الإعلام، وإبرام شراكات بين المؤسسات الإعلامية المحلية من خلفيات مختلفة، من أجل تعزيز التعاون الإعلامي بين المؤسسات الوطنية، والوصول إلى الجمهور السوري بكل مكوناته، والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية السورية، لإنتاج دليل مشترك للمصطلحات الإعلامية “الإيجابية والسلبية”، التي قد تؤدي إلى زيادة أو تقليل الكراهية في الخطاب الإعلامي.

مقالات متعلقة

  1. "محاكم ثورية" تكبح حرية التعبير في فضاء التواصل السوري
  2. كيف تُذكي الصحافة نار الصراع في سوريا؟
  3. هل يعزز الإعلام المحلي الكراهية بين العرب والكرد في سوريا؟
  4. أين خرق الإعلام اللبناني أخلاقيات الصحافة في قضية نانسي عجرم

حريات صحفية

المزيد من حريات صحفية