الدراما حين “تستعيد عافيتها”

  • 2019/05/19
  • 12:00 ص

مشهد من مسلسل الكاتب (الإعلان الرسمي للمسلسل)

نبيل محمد

يبحث صناع الدراما السورية من ممثلين ومنتجين ومخرحين وكوادر فنية، وقبلهم نقاد، وقبل الجميع وفوق الجميع سلطات سياسية وأمنية، عن أي ميزة جديدة، أو متجددة، أو أي زاوية تفصيلية يمكن القول من خلالها إن الدراما السورية استعادت عافيتها، قول يتضمن حقيقتين وفق من يرويه، الأولى أن الدراما أصلًا كانت بحالة صحية ثم مرضت، والثانية أنها عادت لما كانت عليه. يبقى الأول مثار جدل بين من يرى الدراما السورية فنًا حقق شعبية واسعة في العالم العربي وطرح أفكارًا وقصصًا وقيمًا كان لها حضورها في فترة من الفترات، وبين من يرى أنها كانت منتجًا بليدًا مكرورًا يكرس ثقافات تقليدية، ويحارب بقية الفنون الأخرى كالمسرح والسينما، ويحدد قيم الجرأة والحرية الفكرية والفنية، فيختصرها في محاربة الفساد مثلًا من خلال النقد والكوميديا أو التراجيديا ـ محاربة الفساد التي باتت أسوأ من الفساد ذاته، كونها كرست ثقافة أن كل ظاهرة سلبية في البلاد خلفها الفساد لا أكثر ولا أقل، مفهوم كرس فيما بعد لوجود طبقة اجتماعية كاملة، مكافئها الشعبي (هوي منيح بس المشكلة باللي حواليه)-.

أما الفكرة الثانية وهي التعافي، فتبدو ضمن سياق محاولات سياسية تشمل جميع القطاعات الأخرى للقول إن البلاد تستعيد صحتها، مفهوم لا يمكن القول عنه إلا أنه ذو صيغة دولية، إذ تحاول غالبية الدول الفاعلة وذات الأثر في سوريا تكريسه، بعد “القضاء على داعش”، و”استعادة النظام لجزء كبير من الجغرافيا”، و”عودة بعض النازحين واللاجئين”، لذا فكان لا بد مع عودة رمضان من توظيف الدراما السورية تحت هذه المظلة، والقول إنها عادت، والدليل حضورها الأكثر نشاطًا من الأعوام السابقة في التلفزيونات العربية وخاصة الخليجية، ودخول المال الإماراتي في إنتاجها بشكل أكبر، وكثافة عدد الأعمال المنتجة والموضوعات المتناولة.

في متابعة قد تكون سريعة (ليس الموسم الدرامي السوري  بحاجة لأكثر من متابعة سريعة تشمل عددًا محدودًا من الحلقات لأهم الأعمال من أجل الإلمام بمحتواها)، سنجد صفة التعافي التي تصدح بها البرامج، ويكررها أبطال الشاشة السورية أينما حضروا، تتجلى إما بأجزاء جديدة من مسلسلات مكرورة (باب الحارة- بقعة ضوء- الهيبة) تحاول شذرًا إعادة أمجاد حصلت عليها بأجزائها الأولى، لتظهر بشكل مترهل ممل، وينتقدها عشاقها قبل كارهيها، أو بمسلسلات “جريئة” تحاول فهم الواقع السوري (مسافة أمان نموذجًا)، وتتمرد على السلطة السياسية، وتتجاوز سلطة المخابرات، لتقدم شخصيات معارضة تشتم الدولة كثيرًا، ثم يقوم كادر المسلسل بكل ما فيه من ممثلين ومصورين ومخرج وكاتب، بأخذ الثأر من أولئك المعارضين، محملين إياهم مسؤولية كل ما يجري في سوريا، مرفقين ذلك بالنوستالجيا (الحنين) لما كانت عليه سوريا من نِعَم “سقالله وين كنا”، مسلسلات تشعر أنها مستقاة من خطب سياسية، ولقاءات تلفزيونية لمحللين، تنقصها القصة (وليس أسهل على السيناريست السوري حاليًا، من تركيب شخصيات “مركبة” والبناء عليها، ثم كتابة عنوان مسلسل في أول صفحات منجزه).

النموذج الثالث هو محاولة التغريد خارج السرب تمامًا، بابتكار أعمال تحاكي الرواية بشقيها التاريخي والمعاصر، وتحاول التركيز على بناء شخصيات محورية تدور حولها القصة كاملةً (شخصية الكاتب في مسلسل الكاتب مثلًا)، فلا تخلو حبكاتها من محاكاة مسلسلات عالمية، أو حتى سورية أنتجت في أعوام سابقة. لهذا النموذج ميزتان، الأولى محاولته الانعتاق كليًا من القيود السياسية والاجتماعية وهو ما قد يكون سمة إيجابية، والثانية المبالغة وعدم القدرة على الإقناع بالمبالغة، فتبدو الثيمة الروائية في الشخصية والعمل ككل ركيكة، ويثير الاستغراب مثلًا قدرتها على التأثير بمحيطها ضمن المسلسل من ممثلين، فكيف بالجمهور؟

الجمهور هو بالفعل الهدف، وهو من يعرف إن كانت هذه الدراما تتعافى بالفعل أم لا. ومن الجيد بمكان أن من بين هذا الجمهور حشدًا غفيرًا، بات مجرد سماع عبارة “دراما سورية” كافيًا لنفوره، وبات يعرف تمامًا وظيفية هذا الفن، ومواكبة الكثير من منتجاته وشخصياته لأيادي السفاحين، ودوره في تشويه التاريخ وتزوير الصورة العامة، بالتالي فشل هذا المنتج فنيًا هو ربح لرافضي هذا الدور على الأقل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي