تسكين الأزمات

  • 2015/05/10
  • 3:51 م

محمد رشدي شربجي

يعمد الرؤساء الأمريكيون دائمًا إلى جعل سجلاتهم نظيفة في آخر أيامهم في البيت الأبيض، ومن أجل ذلك فإنهم «يسكنون» الأزمات ويرحلونها لتنفجر في وجه الرئيس القادم، الذي يحاول بدوره فعل الشيء ذاته، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة تعيد إنتاج الأزمات وتكرسها.

تتجه الولايات المتحدة إلى اعتماد الاستراتيجية ذاتها قبل الربيع العربي، وهي الاستراتيجية التي أدت إلى قيام الربيع العربي وما خلفه ذلك من تبعات خطيرة على استقرار شعوب المنطقة، وتقوم باختصار على أن الديموقراطية للمنطقة تشكل خطرًا على الولايات المتحدة، فالبديل عن الديكتاتورية هو الإسلامييون والتطرف، وأنظمة عدوة لإسرائيل.

في 28 الشهر الماضي كتب كريستوفر هيل، السفير الأمريكي السابق في عدة دول منها العراق، مقالًا بعنوان «آن أوان الواقعية في الشرق الأوسط»، دعى فيه الولايات المتحدة إلى إعادة العلاقة مع مصر إلى سابق عهدها، وطمأنة المملكة العربية السعودية، مع إمكانية التواصل مع إيران، فإن ذلك سيضمن الاستقرار في المنطقة ويحفظ مصالح الولايات المتحدة.

ذات النتيجة توصل لها تقرير مطول بعنوان «العناصر الرئيسية لاستراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط» قدمته مجموعة من الحزبين الرئيسين في أمريكا «الديموقراطي، الجمهوري» أصدره مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، جاء في توصياته ضرورة إعادة العلاقة مع مصر، ولا يعني هذا التغاضي عن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام هناك بحسب معدي التقرير، بل يعني تثبيت أنظمة الدول في هذه البلاد والدفع بالتدريج نحو الإصلاح، فـ «مخاطر الاضطراب كبيرة جدًا على الولايات المتحدة».

إنها عودة أمريكية إذن لذات السياسة القديمة، الديكتاتورية والاستقرار بديلًا عن الحرية والاضطراب، وفي الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة بعد ثورة النفط الصخري «التفتيت» إلى التركيز أكثر على آسيا لمحاصرة الصين، فإنها تعتمد حيال المنطقة سياسة «تلزيم» المشاكل وتركها للحلفاء الموثوقين لحلها.

يدرك الأمريكيون أن الاستبداد، وليس الديموقراطية، هو من أنتج التطرف والاضطراب في المنطقة، ويدركون كذلك أن مزيدًا من الدعم للديكتاتورية يعني مزيدًا من التطرف والعدمية في المستقبل، فآلاف القتلى في مصر، والذين وجدوا العالم يستقبل قاتلهم بصدر رحب، سيكونون قنابل موقوتة تنفجر في وجه مجتماعتهم ومجتمعات العالم.

ولكن من يهتم بمن ستنفجر هذه القنابل حينها؟ فإخمادها سيكون من مهمة «الرئيس القادم».

مقالات متعلقة

  1. العرس في بلادنا والطبل في وارسو
  2. واقعية أوباما
  3. جعجعة أمريكية
  4. نهاية حلم كردي

رأي

المزيد من رأي