عنب بلدي – ضياء عودة
في منطقة الجزيرة السورية، على الأراضي الشرقية لنهر الفرات، تدور لعبة تقاسم نفوذ، لا شأن للقوى المحلية اللاعبة على الأرض بها، سواء فصائل المعارضة أو القوات الكردية وقوات النظام السوري، بل تتحكم الدول الإقليمية بقواعدها، وتعمل على ضبط إيقاعها، بحسب الوتر الخاص بكل واحدة، فاللحن الذي تعزف عليها تركيا تحاول أمريكا تغييره، وإلى روسيا فالوضع لا يختلف كثيرًا، لا سيما أنها الطرف الأبرز المتحكم بالوضع السوري، بعد ثماني سنوات من الصراع.
رغم أن اللعبة ليست جديدة على الساحة السورية، إلا أن مراحلها بلغت الذروة، بعد إطلاق تركيا عملية عسكرية حملت اسم “نبع السلام”، على طول الشريط الحدود الشمالي لسوريا، لتستهدف بذلك “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، التي تعتبرها فرعًا سوريًا لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK)، المصنف على قوائم الإرهاب.
العملية أطلقت في 9 من تشرين الأول الحالي، بعد تهديدات استمرت سنوات من جانب أنقرة، وبعد عشرة أيام من الهجوم البري والقصف الجوي الذي نفذه الجيشان التركي و”الوطني” بموجبها، تعقدت نظرية اللعبة إثر عدة تطورات وتحركات، فرضتها تغريدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتضاربة، وهو أمر تبعه دخول موسكو على الخط، التي حاولت ملء الفراغ الذي قد يخلفه انسحاب القوات الأمريكية الجزئي، بعد أمر ترامب وزارة دفاعه به، كون الحرب في المنطقة “مضحكة ولا نهاية لها”.
ومع محدودية الخيوط التي يمكن الإمساك بها لاستشراف ما ستكون عليه المنطقة في الأيام المقبلة (شمالي وشرقي سوريا)، من نافل القول إن ما سبق جاء على وقع تصفيات الحرب النهائية في سوريا، التي تنحصر حاليًا في منطقتين أساسيتين هما: شرق الفرات ومحافظة إدلب في الشمال الغربي، ويتزامن مع التحرك الذي يشهده المسار السياسي، بإطلاق اللجنة الدستورية السورية، التي ستعقد أول اجتماعاتها في نهاية تشرين الأول الحالي، كخطوة أولى يجتمع على طاولتها النظام السوري والمعارضة، برعاية الأمم المتحدة.
120 ساعة تسبق لقاء “القيصر”
بقراءة سريعة لآخر التطورات التي شهدتها مناطق شرق الفرات، في الأيام الماضية، نجد أن التحرك السريع لـ”الجيش الوطني” والجيش التركي على حساب “الوحدات” (عماد قوات سوريا الديمقراطية العسكري) في الشمال السوري، وصل إلى معادلة لها عدة فرضيات، فأنقرة وواشنطن توصلتا إلى اتفاق مدة تنفيذه 120 ساعة، يقضي بوقف إطلاق النار، في ظل انسحاب القوات الكردية من منطقة مساحتها 444 كيلومترًا على طول الحدود، و30 كيلومترًا في العمق، وهي “المنطقة الآمنة” التي رسمت تركيا حدودها، كخطوة لإعادة أكثر من مليوني لاجئ سوري إليها.
الاتفاق لا تزال خطوات تنفيذه غير واضحة المعالم، لا سيما مع حديث “الوحدات” عن استمرار الجيش التركي بأعماله العسكرية في مدينة رأس العين، وعدم إعلانها الانسحاب من المساحة التي حددتها تركيا، بينما لا يمكن فصل ما توصل إليه الطرفان (الأمريكي والتركي) عما تسير فيه موسكو، التي دخلت إلى مناطق شرقي سوريا، بموجب اتفاق وقعه حليفها النظام السوري مع “الإدارة الذاتية”، وقضى بانتشار “الجيش السوري” في عدة مواقع بالحسكة والرقة، إضافة إلى منبج، كخطوة لحماية المنطقة من الهجوم التركي.
الاتفاق بين النظام و”الإدارة الذاتية” كان أول التحركات الروسية للدخول إلى خط شرق الفرات، وهو أمر عقّد من معادلة المنطقة، وفتح الباب أمام لعبة تقاسم نفوذ، التي من المفترض أن تتبين مراحلها وما ستكون عليه، في أثناء اللقاء المقبل في مدينة سوتشي الروسية بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، الثلاثاء المقبل 22 من تشرين الأول الحالي.
ومن جملة المواقف لروسيا بشأن الهجوم التركي شمالي سوريا، إعلانها أنها لا تستبعد مشاركة قوات عسكرية لها في إقامة “المنطقة الآمنة” على الحدود السورية الشمالية مع تركيا، وهو أمر يمكن ربطه مع ما أعلن عنه وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في 19 من تشرين الأول الحالي، إذ استبعد مشاركة قوات برية أمريكية في إنشاء “المنطقة الآمنة”.
وفي تصريحات سابقة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال إن الحديث دار عن إقامة منطقة عازلة على “أساس الاتفاق الذي وقعته تركيا وسوريا عام 1998 (اتفاقية أضنة)”.
ونصت الاتفاقية على تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب، وإنهاء دمشق جميع أشكال “حزب العمال الكردستاني” وإخراج زعيمه عبد الله أوجلان، وإعطاء تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و”اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر”.
وأضاف لافروف، لوكالات روسية، أن الحديث لا يدور عن إجراء أي عملية عسكرية مشتركة بين روسيا وتركيا وإيران على الأراضي السورية، وتابع “نتمنى إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريا بالتعاون مع حلفائنا، لكن في حال تعذر ذلك فإننا مصممون على إقامتها بإمكاناتنا الخاصة مهما كانت الأحوال والظروف”.
إلى أبعد من ذلك
رغم حصر تصريحات الأطراف اللاعبة والتحركات في مناطق شرق الفرات، إلا أنها قد تذهب إلى أبعد من ذلك، إلى الشمال الغربي من سوريا، في محافظة إدلب، التي تشهد هدوءًا حذرًا في الوقت الحالي، كسرته على مدار الأيام السبعة الماضية، ضربات جوية روسية غير اعتيادية، استهدفت قرى وبلدات الريف الجنوبي لإدلب، وصولًا إلى منطقة الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي.
وحتى اليوم لم تتضح ماهية الضربات الجوية، وما إذا كانت تمهيدًا لاستئناف العمليات العسكرية، أم إجراء اعتياديًا ضمن حملة القصف التي تشهدها المحافظة منذ أشهر، والتي تعتبر خرقًا لوقف إطلاق النار، الذي أعلنت عنه موسكو مؤخرًا من جانب واحد، دون أن تبدي فصائل المعارضة موقفًا رسميًا منه.
وكما جرت عليه العادة في السنوات الماضية، وفي كل لقاء يجمع أردوغان وبوتين، تتصدر محافظة إدلب حديث الطرفين، وبشكل خاص “هيئة تحرير الشام”، التي تتذرع روسيا بها في عملياتها العسكرية في المحافظة، لذلك من المفترض أن يتطرق الزعيمان (بوتين وأردوغان) في لقائهما القريب لوضع محافظة إدلب، التي تشير المعطيات على الأرض إلى أن أمرها لن يبقى على هذا الحال، خاصة أن مسارات الحل السياسي يتم العمل عليها، والأمور تتجه إلى إنهاء الصراع على الأرض، والتوجه لشكل الدولة السورية المستقبلي، والدستور الذي من المقرر أن يضعه أعضاء اللجنة الدستورية.