الذرّات العربية في المفاعلات النووية الإيرانية

  • 2015/07/20
  • 6:11 م

شكل الاتفاق النووي الغربي الإيراني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية خطوة فعلية رئيسية في إعادة رسم خريطة المنطقة، من حيث تبديل مناطق النفوذ من جهة وبناء التحالفات الإقليمية من جهة أخرى، واتخذت إدارة أوباما هذه الخطوة بناء على دراسة أعدها المحلل الاستراتيجي في وكالة المخابرات الأمريكية بروس ريدل، كان قد قدمهما إلى ثلاثة رؤساء أمريكيين ورفضوها، إلى أن اقتنع بها الرئيس أوباما وعمل على تحقيقها.

المحامي عبد الناصر حوشان

يجب إعادة العلاقة بين واشنطن وطهران

تتلخص دراسة ريدل في أن مقاطعة إيران وفرض الحصار عليها عاد بالضرر على الولايات المتحدة أكثر مما لحق النظام الإيراني اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن معظم إنتاج إيران من الثروات الباطنية يذهب لصالح كل من روسيا والصين، وفي الفترة الأخيرة إلى دول أمريكا اللاتينية.

وعلى الصعيد السياسي، استطاعت إيران بناء تحالفات سياسية قوية وصلت إلى حدود الولايات المتحدة مع أمريكا اللاتينية غربًا وروسيا شمالًا والصين والهند شرقًا، من خلال مجموعة “البريكس” أو التحالفات الثنائية الأخرى، وكذلك أثبتت إيران أنها قادرة على التحكم بمصير المنطقة العربية كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.

أما اجتماعيًا، فالشعبان الأمريكي والإيراني تواقان لإعادة الانفتاح على بعضهما، واللذان عاشا عصره الذهبي إبان حكم الشاه قبل ثورة الخميني، ويمكن من خلال هذا الانفتاح ترويج قيم الديمقراطية ودعمهما بين الإيرانيين، معولين على قيادات الحركة الإصلاحية الإيرانية للوصول إلى دولة إيرانية ديمقراطية منفتحة على العالم.

كما يهدف الأمريكيون من هذا الاتفاق إلى إبعاد روسيا عسكريًا عن مناطق نفوذهم في المياه الدافئة، وضمان استقرار منطقة أفغانستان وباكستان من خلال ضبط تحركات تنظيم القاعدة في تلك المنطقة.

تحالفات جديدة .. والثمن؟

باتت الولايات المتحدة على قناعة أن النفوذ الإيراني في المنطقة أصبح قويًا ولا يمكن مجابهته عسكريًا لتكاليفه الباهظة التي ستترتب جراء أي حرب معها، فقررت اللجوء إلى الخيار الدبلوماسي، ومن أهداف هذه الرؤية إجبار الإيرانيين على قطع الدعم عن الحركات الإسلامية في المنطقة، ولاسيما المعادية لإسرائيل، وهي حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.

الأمريكيون يعولون على الإصلاحيين في تسلم دفة القيادة في إيران لتحقيق أهدافهم المذكورة من خلال دعمهم ليكونوا الضلع الآخر في مثلث القوة المقبل، المؤلف من كل من تركيا والغرب وإيران، في مواجهة روسيا والصين ومجموعة البريكس، وهذا ما يعيه نظام “الملالي” في إيران، وقبل على أساسه الدخول في هذه اللعبة، وسيكون الخيار أمامه مفتوحًا لتغيير أوضاع حلفاء أمريكا الحقيقيين في المنطقة، سواء في تركيا أو إيران أو في المنطقة العربية، كي لا يعطيهم الفرصة للانقلاب عليه.

وستشهد المنطقة بعد الاتفاق أحداثًا يكون محورها إعادة بناء التحالفات على ضوء المعطيات والمواقف التي ستظهر بعد الاتفاق النووي الأخير، وسيكون نظام الملالي هو العنصر الأساسي والقيادي فيها معتمدًا على “النصر” الذي يظن أنه حققه في هذه الصفقة، وإعادة انتعاش الاقتصاد من خلال رفع العقوبات المفروضة عليه وإعادة الأموال الهائلة المحجوزة التي سيستخدمها في معركة الدفاع عن وجوده، بالإضافة إلى عودته إلى الساحة الدولية كشريك في إحلال السلام في المنطقة، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين الغربيين.

النتائج المترتبة على الاتفاق

على الصعيد العربي، إن هذه الشراكة ستكون على حساب القضية الفلسطينية، من خلال تجميد الدعم الإيراني عن كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي والإبقاء على قوة حزب الله ليكون “شرطي حدود” إسرائيل تحت قيادة الحرس الثوري.

وفي سوريا، سيتم الحفاظ على النظام الطائفي القائم حتى وإن اضطروا للتخلي عن بشار الأسد، فقد يستعيضون عنه بشخصية تحقق لهم طموحاتهم في هذا المشروع ويضمن استمرار الاستقرار على الحدود الشمالية لإسرائيل، وسيتم التعاون بين الأخيرة وإيران في بناء تحالفات قوية مع الأحزاب والفصائل الكردية شمال سوريا، ولا سيما تلك الأحزاب الشيوعية والقريبة من النظام.

كذلك ستلعب إيران على إبراز “مظلومية الشيعة” في دول الخليج العربي وستكون مطالبتها بحقوقهم علنية، وستجد المبررات لدعمهم بكافة أشكال الدعم لزعزعة أمن الخليج بحجة حماية الحقوق، كما هو حاصل اليوم في العراق والبحرين والكويت واليمن والسعودية.

الولايات المتحدة بدورها ستطلق يد نظام “الملالي” في المنطقة ليثير مزيدًا من الفوضى، ووضعه في مواجهة مباشرة مع العرب انطلاقًا من الأراضي العراقية التي سلمت زمامها إلى قوات الحرس الثوري الإيراني كمنصة إطلاق عملياته الحربية سواء على أرضه أو باتجاه الخليج وتركيا وأي اتجاه آخر.

حتى إذا ضعف النظام الحالي أوعزت إلى قادة الحركة الإصلاحية بالانقضاض عليه فتكون ضربت عدة عصافير بحجر واحد، منها التخلص من العبء الذي شلكته عليها حكومات الخليج المصابة بالشيخوخة، والتخلص من نظام الملالي المتمرد، وإعادة ترتيب المنطقة وفق استراتيجية جديدة حدد لها من خمس إلى عشر سنوات لتحقيق المرحلة الأولى، وعشرون عامًا لتحقيق الخطة بشكل نهائي، كما يرى خبراء.

كل ما يجري يمكن اختصاره بأن الغرب وضعوا العرب بين قوسين، أحدهما شيعي قاعدته في الكويت ورأسه في العقبة والآخر كردي قاعدته في حلبجة ورأسه في كسب على البحر المتوسط. 

كما سيكون أمام إيران بناء تحالفات مع القوى التركية المفتوحة على ثلاثة اتجاهات، الأول أكراد تركيا والثاني جماعة فتح الله كولن والثالث الحزب الجمهوري، الذي يضم في قيادته أغلبية علوية تركية، وهذه التحالفات سترتطم بعقبة العداء العلني بين الأكراد والحزب الجمهوري، وستكون المهمة صعبة ومكلفة لإيران في حال قررت الدخول بها، وسيكون هذا التحالف سلاحها ضد أي تحركات قد تقوم بها تركيا تعرقل مشروعها القادم وبناء تحالفات مع الدول العربية المستهدفة من قبلها.

على صعيد التحالفات القائمة مع روسيا والصين والبريكس، أعتقد أن النظام الإيراني قرر استغلال هذا التحالف لمساومة الأمريكان والغرب للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية، ولن يفرط بهذا التحالف تحت أي ظرف لأنه يعتبر الورقة الرئيسية الرابحة بيده في مواجهة أي انقلاب غربي بعد هذا الاتفاق، والذي ستستخدمه روسيا أيضًا في تحقيق أهدافها في الحفاظ على مكتسباتها أو تحقيق مكاسب أخرى في المنطقة وأوكرانيا وغيرها من مناطق النفوذ.

في نهاية المطاف، نجد أن المستهدف الرئيسي من هذا الاتفاق هم العرب، إذ إن الولايات المتحدة قررت التخلي عن الشراكة الاستراتيجية التي كانت تربطها بالعرب ولاسيما دول الخليج لصالح إيران سواء بنظامها الحالي أو النظام القادم الذي تعوِّل عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن المستهدف الآخر هو تركيا (حزب العدالة والتنمية) أو بالأحرى مشروع طموح أردوغان للوصول بتركيا إلى مصاف الدول العظمى في العالم.

 وأعتقد أن أمام العرب وتركيا فرصة تاريخية للنهوض بمشروع تحالف إقليمي قوي يحفظ استقلال قرار دول المنطقة ويقف في وجه الطموح الإيراني المدعوم من الغرب في السيطرة والتحكم في المنطقة وإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي، والاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع كل من قطر والسعودية في الفترة الماضية هو خطوة بالاتجاه الصحيح.

وعلى العرب وتركيا الإسراع بإعلان تحالفهم الاستراتيجي لبناء منطقة جديدة تضم بالإضافة إليهم كلّاً من باكستان وأذربيجان على أساس دعم التنمية واستثمار مقدراتها في سبيل تحسين أوضاع المجتمعات وتشكيل قوة سياسية واقتصادية تحظى باحترام العالم.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي