محمد حسام حلمي
أعلنت عدة جهات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري بدء التعامل بالليرة التركية عوضًا عن الليرة السورية، بشكل غير رسمي منذ مطلع آب الجاري، عازية ذلك إلى الضغط على نظام الأسد بعدم تداول عملات أصدرها، معتبرين أنها بدون رصيد.
استخدام عملة أخرى إلى جانب العملة المحلية ليس أمرًا جديدًا في عالم الاقتصاد، فقد لجأت العديد من الدول التي تعاني من عدم الاستقرار في سعر صرف عملتها إلى التعامل بعملة عالمية أخرى كالدولار، وذلك بهدف تحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي الداخلي في أسعارها المحلية وفي تجارتها الخارجية، وهذا ما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
أما في الحالة السورية فهل تُعَدُّ عملية استبدال الليرة السورية بالتركية ضرورة اقتصادية؟ وهل سيحقق هذا الإجراء استقرارًا في أسعار السلع والخدمات المحلية في المناطق المحررة؟ أم أنه سيشكِّل مزيدًا من التبعية الاقتصادية لتركيا، وارتهان اقتصاد المناطق المحررة لتقلبات الاقتصاد التركي وتقلبات سعر صرف الليرة التركية أمام العملات العالمية؟
ربما تواجه عملية استبدال الليرة السورية بالتركية عدة معوقات اقتصادية واجتماعية وأمنية، قد تحول دون تحقيق الغاية الأساسية منها، وهي استقرار الأسعار المحلية ومحاربة النظام اقتصاديًا؛ ومن هذه المعوقات يمكن الإشارة إلى:
– استخدام الليرة السورية في التعاملات المالية والتجارية بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
– المتقاعدون والموظفون في المناطق المحررة الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم من النظام بالليرة السورية.
– مدى استعداد البنك المركزي التركي لطرح العرض النقدي من الليرة التركية الكافي للمعاملات التجارية واستبدالها بالليرة السورية.
– معوقات تتعلق بتعقيد آليات تسعير البضائع والسلع لدى الباعة، فهل سيتم التسعير بالليرة السورية أم الدولار أم الليرة التركية؟
ولا بد هنا من ذكر المزايا والعيوب من استخدام الليرة التركية كبديل عن الليرة السورية، وتكمن المزايا في النقاط التالية:
– زيادة التبادل التجاري بين الشمال السوري وتركيا بسبب زوال تكاليف التحويل.
– تحقيق استقرار نسبي في مدخول الأفراد الذين يتعاملون بالليرة التركية.
– ربما تحقق استقرارًا نسبيًا في أسعار السلع والخدمات داخل المناطق المحررة.
– ربما تشكل مزيدًا من الضغط على المصرف المركزي السوري في المحافظة على سعر صرف الليرة السورية.
أما العيوب فتشمل:
– خضوع اقتصاد الشمال السوري للاقتصاد التركي على المدى القصير والطويل.
– خسارة المتعاملين بالليرة السورية لقيمة مدخراتهم (داخل مناطق النظام والمناطق المحررة) وزيادة معاناتهم.
– نتيجة الانخفاض المتوقع في قيمة الليرة السورية الناجم عن زيادة عرض الليرة.
– المشكلات الأمنية التي ربما يتعرض لها المتنقلون بين المناطق المحررة ومناطق النظام في حال حيازتهم لليرة التركية.
– زيادة أرباح سماسرة ومكاتب الصرافة وتحكمهم بأسعار صرف الليرة السورية مقابل العملة التركية والعملات الأخرى.
– عدم وجود مؤسسة مصرفية ذات سلطة وسيادة في المناطق المحررة (مصرف مركزي) لضبط كمية العرض النقدي وأسعار الصرف ومراقبة آليات استبدال الليرة السورية بالتركية، إذ لا يمكن إيكال مهمة الحفاظ على استقرار أسعار الصرف إلى الكتائب والقيادات العسكرية ولا أي سلطة مدنية أخرى كالمجلس المحلي لحلب.
– استمرار تقلبات الأسعار الداخلية بسبب عدم الاستقرار السياسي وحالة الحرب التي تعيشها سوريا والمناطق التي ستتعامل بالليرة التركية بشكل خاص.
في ضوء ما ذُكر أعلاه، لا يمكن التخلي الكامل عن التعامل بالليرة السورية في المناطق المحررة، فهناك الكثير من التعاملات المالية وعمليات البيع والشراء التي تحصل بين المناطق المحررة و الخاضعة لسيطرة النظام.
كما سيضطر الناس والتجار للتعامل بثلاث عملات أو أكثر (الليرة السورية، والتركية، والدولار) كما هو الوضع في الاقتصاد اللبناني.
وفي النهاية يبقى التساؤل: هل قرار استبدال العملة السورية خطوة ارتجالية من المعارضة السورية التي لم تُصَرِّح رسميًا حتى اليوم سوى عبر المجلس الإسلامي السوري، وهو مظلة الهيئات الدينية في الداخل وتركيا، أم أنها قرار اقتصادي وسياسي مدروس من قبل لجنة اقتصادية ومالية متخصصة بكافة أبعاده وآثاره الإيجابية والسلبية؟