الأعياد الاجتماعية في سوريا.. بروباغندا ثقافية لأهداف سياسية

  • 2020/10/18
  • 11:00 ص

بمناسبة "ثورة 8 آذار" احتفال لمواطنين سوريين و"حركة الاشتراكيين العرب" في إحدى المسارح المحلية السورية- 8 من آذار 2014 (سانا)

عنب بلدي – صالح ملص

في 5 من تشرين الأول الحالي، احتفل العالم باليوم العالمي لـ“المعلم”، وفقًا لأجندة الأيام الدولية الخاصة بالأمم المتحدة، بينما يحتفل السوريون بهذا العيد في ثالث خميس من آذار من كل عام، بموجب موافقة رئيس مجلس الوزراء تحت اسم عيد “المعلم العربي“.

لا يعتبر عيد “المعلم العربي” المناسبة الوحيدة التي يحتفل السوريون فيها بتاريخ مغاير للتاريخ العالمي الخاص بها، بل هناك العديد من المناسبات والأعياد الاجتماعية التي تغير تاريخها الدولي، وحتى المحلي في سوريا، بقرار من حكومة النظام السوري منذ تسلّم حافظ الأسد للحكم.

تناقش هذه المادة محاولة استثمار النظام في سوريا المناسبات والأعياد لتكريس فكره السياسي والقومي داخل المجتمع السوري.

الأعياد أداة استثمارية بيد النظام السوري

عمد النظام في سوريا إلى إحالة كل حدث سياسي أو ثقافي أو اجتماعي إلى دائرة أهدافه الحزبية أو القومية، وتطويع الشعب لتمجيد شخصية القائد والمؤسسة العسكرية، بشكل إجباري ضمن الحياة الثقافية الملازمة للعمل السياسي، وفق ما قاله القيادي السابق في حزب “البعث” الدكتور ناصر سابا، في حديثه مع عنب بلدي.

و”ربط النظام المناسبات والأعياد الثقافية والاجتماعية بخدمة فكره القائم على التهميش، وإبراز نظام الحزب الواحد الرافض لأي تعدد لا يتلاءم مع أهدافه في الدولة”، نتج عن ذلك، وفق ما يراه الدكتور سابا، تحويل الثقافة ومؤسساتها إلى “آلات تخدم استبداد عائلة الأسد”، بينما كان من المفترض بهذه المؤسسات أن ترسم أفقًا للمعرفة يتطور من خلالها الفكر السياسي، وتحمي الحقائق التاريخية للأحداث التي عاشتها سوريا منذ تأسيسها إلى فترة تسلّم النظام للسلطة.

وبحسب وجهة نظر سابا، فإن تاريخ تسلّم الحزب للسلطة في بداية السبعينيات يعتبر تاريخ “بداية التزوير الصريح والمباشر رسميًا” للأحداث التاريخية، فـ”بموجب المرسوم رقم 104 لعام 1988، قرر حاظ الأسد تغيير تاريخ موعد الاحتفال بعيد الأم في سوريا من 13 من أيار إلى 21 من آذار”، ليكون بذلك عيدًا رسميًا في الدولة، دون ذكر عيد “النيروز” الذي يصادف اليوم نفسه، وهي مناسبة شعبية واسعة بين أكراد سوريا تعني “اليوم الجديد” احتفالًا ببداية الاعتدال الربيعي.

وبذلك غيّب النظام السوري أفراد المجتمع عن احتفال يعتبر مدخلًا، كما عبر سابا، للتعرف إلى ثقافة مكوّن مجتمعي أساسي، وهم كرد سوريا، و”انعكست الخلافات السياسية والأهداف القومية على المناسبات والأعياد بين السوريين”.

ولطالما سعت الحكومات في سوريا للتضييق على كل من يحتفل بعيد “النيروز”، حيث كان النظام في احتفالية كل عام يعتقل العشرات من الناشطين والمدنيين الأكراد لمحاولتهم الاحتفال بهذا العيد في المدن والأحياء الكردية في سوريا.

ويعتبر فرض تسمية عيد “المعلم العربي” في دولة مثل سوريا، لها خصوصية بتنوعها العرقي والقومي، تحجيمًا لجهود العاملين في القطاع التعليمي بالدولة، بحسب سابا، واقتصاره فقط على العرب منهم دون غيرهم من أبناء الشعب السوري من قوميات أخرى، و”هذا يعتبر دلالة أخرى في ذات نطاق موضوع المناسبات والأعياد واستخدامها من قبل النظام لتهميش الأفكار التي تعارض خططه”.

و”احتفل السوريون خلال نصف قرن بمناسبات وهمية صاغها نظام عائلة الأسد”، وفق ما ذكره سابا، طُبعت في ذاكرة السوريين بشكل ممنهج.

وأبرز تلك “المناسبات الوهمية” هي “ثورة 8 من آذار” أو ذكرى تسلّم حزب “البعث” للسلطة في سوريا، وحينها كان لدى السوريين “تغييب”، بحسب ما اعتبره سابا، عن أهمية دور المرأة السورية في بناء مجتمعها، فبدلًا من الاحتفال بيوم “المرأة” الدولي، الذي يعتبر فرصة لتعزيز أهمية مشاركة المرأة في العمل واتخاذ القرار، “استخدم النظام هذا اليوم لتكريس ذكرى وصوله إلى السلطة والبقاء فيها ضمن سياسة استبدادية عانى منها السوريون طوال عقود”.

وخلال الثورة السورية، شهد الحراك المدني والصحف السورية المعارضة تعزيزًا لإبراز الاحتفال باليوم الدولي لـ“المرأة” دون “ثورة 8 من آذار”، كنوع من التعبير السلمي عن معارضة النظام السوري في ذكرى وصوله إلى الحكم.

سوريا “جزيرة معزولة عن العالم”

هناك مشكلة اجتماعية في سوريا، وهي أن بعض فئات المجتمع تميل إلى الانغلاق والانكماش على نفسها، ومن غير الممكن فهم ظاهرة الانغلاق هذه في كيفية بناء هوية المجتمع السوري اليوم خارج سياق الطروحات الفكرية التي أسست لهذا الانغلاق.

ووفقًا لما قاله الباحث الاجتماعي السوري حسام السعد لعنب بلدي، فإن مرحلة ما قبل دخول الإنترنت إلى سوريا كان المجتمع يعتمد ببناء معرفته على ما تقدمه له المؤسسات الحكومية من إنتاج ثقافي وفكري، ضمن الإعلام الموجه والمراكز الثقافية الحكومية.

وكانت المناسبات والأعياد الاجتماعية والسياسية فرصة استغلها النظام السوري في بناء دعاية لأفكاره بهدف السيطرة على طريقة تفكير الشارع، كي لا يستطيع التمرد عليه أو إفشال أي حركة تمرد يمكن أن تحدث، حتى وإن خالفت تاريخ موعدها ضمن النطاق العالمي، لتصبح سوريا كـ “جزيرة معزولة عن العالم”، وفق تعبير الباحث الاجتماعي السعد.

وتكريس الوعي الجمعي لدى السوريين من خلال ربط المناسبات العالمية أو تلك التي تخص مكونات قومية أو عرقية بمناسبات محلية بحتة خاصة بتوجهات حزب “البعث”، ينتج عنه “شرخ المجتمع فكريًا وثقافيًا، وإدخاله بصراعات وخلافات مع مكونات قومية هو بغنى عنها”، وبذلك، يحقق النظام ما يبتغيه وهو التنافر وعدم الانسجام المجتمعي، ما يُسهم في وجود الانغلاق والانكماش لدى بعض الفئات أو المكونات الاجتماعية على نفسها، وفق الباحث الاجتماعي.

وهذا ظهر خلال السنوات التسع الماضية، ففي تموز الماضي، قررت “الإدارة الذاتية”، العاملة في شمال شرقي سوريا، تغيير موعد الاحتفال بمناسبة عيد “الأم”، وذلك بموجب قرار رسمي صادر عن المجلس التنفيذي التابع لـ”الإدارة”.

وبحسب القرار، حُدد الاحتفال بعيد “الأم” في 13 من أيار بدلًا من 21 من آذار، بالإضافة إلى تغيير موعد عيد “المعلم” ليُحدد في 5 من تشرين الأول، بدلًا من ثالث خميس من آذار من كل عام، مع حذف عبارة “العربي” من اسم العيد.

ويرى الباحث الاجتماعي السعد بأن في مثل هذه القرارات ما يزيد الانقسام الفكري والاجتماعي في سوريا، فكل سلطة ستستخدم المناسبات والأعياد في منطقة نفوذها العسكري لتخدم مصالحها حتى وإن كان ذلك فيه ضرر للمجتمع في المستقبل.

مقالات متعلقة

  1. في موسم البيع الرئيسي.. أسواق الألبسة مأزومة في حمص وحلب
  2. اليوم الدولي للنوروز
  3. عنب بلدي – العدد 452 – الأحد 18 تشرين الأول 2020
  4. الثامن من آذار في سوريا.. عيد المرأة أم عيد "الثورة"؟

مجتمع

المزيد من مجتمع