نبيل محمد
تراشق خلال الأيام الماضية كل من المخرج السينمائي السوري سمير ذكرى، ومدير المؤسسة العامة للسينما، إياد شاهين، تصريحات بدأت مع اتهامات وانتقادات وجهها ذكرى، ولم ينقطع عن توجيهها خلال السنوات السابقة، لوزارة الثقافة ومدير مؤسسة السينما، ليرد عليه المدير بالقول إن المخرج “منفصل عن الواقع”.
لا يبدو انفصال ذكرى عن الواقع بعيدًا جدًا، ولا يبدو مختلفًا عن حصر مشكلة الخبز في أي بقعة يسيطر عليها النظام السوري اليوم، في إدارة فرن معيّن، أو إدارة الأفران كلها، واختصار سبب انقطاع وقود التدفئة عن المنازل في الفساد داخل وزارة النفط. هي مستويات متعددة للانفصال عن الواقع، والضياع في التفاصيل الذي لم يكن يومًا إلا إحدى سياسات النظام السوري العميقة.
المخرج اتهم مدير المؤسسة بأنه لا يجرؤ على الحديث معه، واتهم وزارة الثقافة بتعمّد إبعاده عن الإنتاج السينمائي، وقال إن المدير السابق للمؤسسة الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للثقافة، أي محمد الأحمد، افتخر أمامه بالقول، إنه وخلال إدارته للمؤسسة عبر 15 عامًا، لم يسمح لذكرى سوى بإنجاز فيلمين وحيدين فقط، ويرى المخرج أن الأحمد بتصرفه هذا لم يجعل ذكرى خاسرًا بقدر ما جعل سوريا تخسر الجوائز التي ستجنيها أفلام ذكرى في الخارج.
من المعروف أن مؤسسة السينما لم تكن يومًا إلا جزءًا من منظومة الأمن الثقافي، الذي يشرف على الفن السابع في البلاد، ويمنعه من الاقتراب من الخطوط الحمراء المتكاثرة عامًا بعد آخر، ويضمن إبقاء ثقافة السينما ككل ثقافة قطاع عام، لا يمكن أن تأخذ بعدًا جماهيريًا فتخلق بين الجماهير ثقافة سينمائية لا سمح الله، وعلى هذه الشاكلة كان مديرو المؤسسة بالتأكيد جنودًا أوفياء للوطن والقائد، وكان أن انتقوا مخرجين يستحبّون أعمالهم، ويجدون أن هوامشها الفنية غير مؤذية للنظام الداخلي للبلاد، ففتحوا لهم أبوب الإنتاج، مقابل إغلاقها أو إتاحتها بشكل مقيّد لأسماء مخرجين آخرين، لا شك أن بينهم من هو سينمائي بحق.
هذه القضية المفهومة بكل حيثياتها، إبعاد مخرجين سوريين بشكل تام عن الإنتاج، لكن منهم من عرف تمامًا أن مكانه ليس هنا، فاتجه للبحث عن مكان آخر للعمل والإنتاج، وغادر بلاده متجهًا إلى أي دولة تتيح لكاميرته الحركة وتموّلها، أو تنحى جانبًا عن العمل، ومن المخرجين من استمر بالمحاولة، والحديث عن المظلومية المستمرة، وعملقة الإنتاجات التي قدمها عندما أُتيحت له الفرصة، وكان سمير ذكرى بلا شك واحدًا من هؤلاء. ويستمر حتى اليوم بالحديث الذي لا يخرج عن المعادلة المفهومة والمكررة.
قبل سمير ذكرى، عانى سينمائيون سوريون كثر من سلطة المؤسسة العامة، وعقلية الإنتاج الثقافي في بلادهم، من الراحل نبيل المالح إلى الراحل ريمون بطرس ومحمد ملص وغيرهم، الذين أدركوا أن المكان اليوم هو لجيل جديد من المخرجين تم إعداده عقائديًا في مؤسسة السينما، وبقية مكاتب الأمن الثقافي في سوريا، وصار اسم جود سعيد هو فتّاح أبواب الإنتاج، ووقود عجلة الفن السابع في البلاد.
هنا لا بد من الإشارة إلى المواقف المرتبكة لسينمائيين سوريين يُعتبرون من أبناء هذه المظلومية، والمقصد ليس ذكرى، إنما محمد ملص، الذي كان في يوم من الأيام من أشرس أعداء المؤسسة، والذي حاول اللجوء إلى القضاء في مواجهة مدير المؤسسة، محمد الأحمد، آنذاك، ليزور اليوم موقع تصوير لمسلسل تلفزيوني عرّابه جود سعيد، الذي اتجه مؤخرًا إلى الدراما وقد ضاق على حكاياته وقت الفيلم الذي لا يتجاوز ساعتين، ليربت الجيل المؤسس ممثلًا بمحمد ملص على كتف جيل حاملي الراية ممثلًا بجود سعيد، وكأنه يقول له، لقد لعبت اللعبة بشكل صحيح، أما نحن فكنا مخطئين.