يحاول النظام السوري تأليب حليفه الروسي على محافظة درعا، التي كان لها موقف مغاير عن كافة المناطق السورية الخاضعة لنفوذ النظام، من الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي، الأمر الذي ظهر في مطالبات الروس بتسليم المعارضة لسلاحها الخفيف، وسيطرة حكومة النظام على المنطقة.
ضغط روسي لتسليم السلاح
طالب الجنرال الروسي “أسد الله” المسؤول عن “الشرطة العسكرية الروسية” في درعا، اللجنة المركزية لدرعا البلد، بتسليم 200 بارودة، و20 رشاش من نوع “بيكسي”، مقابل وعود بحل المليشيات التابعة للنظام السوري، والدخول للمدينة وتفتيشها.
ولكن اللجنة المركزية رفضت العرض الروسي، ونفت امتلاكها سلاحًا، إذ سلمت فصائل المعارضة سلاحها في تموز 2018 بعد سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة.
أحد اعضاء اللجنة (طلب عدم ذكر اسمه) قال لعنب بلدي، إن اللجنة المركزية لا تمتلك سلاحًا، والموجود منه حاليًا هو سلاح فردي للحماية الشخصية، والدفاع عن النفس، فالفصائل سلمت سلاحها بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة.
وأضاف أن الروس والنظام يحاولون كسر الحاضنة الشعبية، ودفعها للضغط على اللجنة، للقبول بشروط الروس، والأهالي في درعا البلد أيدت قرار اللجنة في رفض التسليم.
وأوضح أن النظام وروسيا يحاولان اتباع نهج يؤثران من خلاله على السكان، ويعولان على انقسام مجتمعي كما حدث في بلدة أم باطنة في محافظة القنيطرة، عندما أجبروا نحو ثلاثين عائلة على مغادرة البلدة باتجاه الشمال السوري في أيار الماضي.
وأشار إلى أن المفاوضات لم تنتهِ، ولكن الروس لوّحوا بقطع التواصل مع اللجنة في حال رفضت شروطهم، وأن النظام سيقتحم المدينة في إشارة منهم لعدم التدخل.
ويعتبر سكان درعا البلد أن تسليم سلاحهم الفردي هو إضعاف لموقفهم التفاوضي، ويشكل خطرًا مستقبليًا عليهم، كما يعتبرون أن معركتهم مع النظام في حال أصرّ على استلام السلاح معركة وجود.
أبو علي المحاميد، أحد وجهاء درعا، قال لعنب بلدي، إن سكان درعا مستعدين لأي سيناريو حتى لو كان المواجهة، ولن تسلم درعا سلاحها، ولن تسمح لقوات النظام أو الروس بتفتيش المنازل، “أمضينا سبع سنوات حرب ومستعدين لسبعة أخرى”، بحسب تعبيره.
واعتبر حسان العمر، أحد سكان درعا، في حديث إلى عنب بلدي، أن “السلاح قطعة من الروح، وإذا سلمه أهالي درعا يكونوا قد وضعوا حبل المشنقة حوب عنقهم”، مشيرًا إلى أنهم جاهزين لأصعب الخيارات ولن يستسلموا.
وتتمثل اللجان المحلية التي يعد الروس بحلها في حال تسليم السلاح بمجموعات عسكرية تشكلت بعد اتفاق “التسوية”، كانت ضمن فصائل “الجيش الحر”، وأهمها فصيل لمصطفى المسالمة المعروف بـ”الكسم” التابع للأمن العسكري، والذي يتخذ من حي المنشية وجمرك درعا القديم مقرًا لمجموعته.
وتشمل هذه اللجان مجموعة القيادي شادي بجبوج الملقب بـ”العو” التابع للأمن العسكري، والخلية الأمنية التي يديرها وسيم العمر المسالمة، وهو قيادي يعمل مع الميليشيات الإيرانية، والمجموعة التي يتزعمها محمد بسام تركي المسالمة التابعة للفرقة الرابعة.
روسيا تمارس “ابتزازًا رخيصًا” ضد الأهالي
سياسة المراوغة والتهرب من تنفيذ بنود التسوية المبرمة في تموز 2018، تدفع النظام لخلق نزعات وتوترات في كل مناطق درعا، حسبما قال عضو اللجنة المركزية الشيخ فيصل أبازيد، في خطبة الجمعة، في 25 من حزيران.
ومن أهم بنود التسوية، التي لم يلتزم النظام بتنفيذها رغم مضي ثلاث سنوات عليها، إخراج المعتقلين، وسحب الجيش لثكناته، ورفع المطالب الأمنية، وعودة الموظفين المفصولين لدوائر عملهم.
وشبّه الشيخ فيصل الضامن الروسي بـ”الضاغط”، مشيرًا إلى أن الروس اعتمدوا سياسة تبديل الجنرلات كل شهرين، وبعد أن يكون قد فهم معاناة الناس وكشف نفاق النظام يتم استبداله بجنرال جديد وهكذا.
وأوضح أن الجنرال الحالي اجتمع مع اللجنة المركزية ثلاث مرات، لكنهم لجموه بالحجج وأحقية مطالب درعا البلد، فأرسل رسالة ورقية للجنة، يطالب فيها بتسليم سلاح وتعزيز جمرك درعا بعناصر روسية، وسحب المليشيات ومعاينة درعا البلد.
وعند سؤال اللجنة المركزية عن تفسير معاينة درعا البلد، تبيّن أن المقصود منها تفتيش درعا من قبل النظام السوري، الأمر الذي رفضته اللجنة.
وأشار إلى أن الجنرال تعهد في حال الموافقة توقيع اتفاقية توقع عليها الحكومة الروسية، وحكومة النظام السوري، ولجنة درعا البلد.
وتأتي هذه التطورات في درعا بعد مرور شهر على انتهاء الانتخابات الرئاسية، والتي قاطعتها المحافظة.
ناشط من مدينة درعا (طلب عدم ذكر اسمه) قال لعنب بلدي، إن النظام والروس يعاقبون درعا بشكل عام، ودرعا البلد بشكل خاص، على موقفها من انتخابات النظام السوري، التي أجراها في شهر أيار الماضي، والتي قاطعتها درعا برفض وضع صناديق الانتخاب، وخروج مظاهرات منظمة ومركزية ،في درعا البلد، وطفس، وبصرى الشام.
إطباق الحصار وسيلة ضغط
بعد إبلاغ اللجنة المركزية في درعا الجانب الروسي على عدم موافقتها على تسليم السلاح الخفيف، بدأ النظام يتخذ إجراءات يسعى من خلالها الضغط على سكان المدينة، تمثلت بإحكام الحصار على المدينة، بعد إغلاق النظام طريق المخيم- الصناعية.
وكان النظام أغلق في بداية شهر حزيران الحالي طريق درعا البلد- السرايا، وطريق المخيم- سوق الهال، واكتفى بطريق سجنة الذي يسيطر عليه مصطفى المسالمة الملقب بـ”الكسم” والذي يتبع للأمن العسكري،
عضو اللجنة المركزية (طلب عدم ذكر اسمه) قال لعنب بلدي، إن أولى نقاط الضغط كان إغلاق الطرق الذي يربط درعا البلد بمركز المحافظة.
وأوضح العضو أن لهذا الإغلاق أثار سلبية على الحركة الاقتصادية لسكان درعا البلد، ولكنه ذو تأثير كبير على سكان درعا المدينة أيضًا، مشيرًا إلى أن أهالي المدينة عاشوا ثماني سنوات سابقة ودرعا البلد مقطوعة عن المحافظة.
كما أشار إلى إمكانية جلب النظام لتعزيزات وإطلاق تهديدات لإرهاب الناس، ولكنها لن تثني سكان درعا الذين يعتبرونها معركتهم الأخيرة، بحسب تعبيره.
ويرى العضو أن للإغلاق نتائج إيجابية أيضًا على عكس أهداف النظام منه، إذ التفت الحاضنة الشعبية في درعا البلد خلف اللجنة المركزية وأيدتها في قراراتها.
واعتبر عضو اللجنة المركزية في درعا المحامي عدنان مسالمة، في منشور عبر صفحته في “فيس بوك”، أن إغلاق المعابر والحصار “جريمة حرب” يعاقب عليها القانون الدولي المعطّل من قبل روسيا الاتحادية، وأن موقف حوران من الانتخابات الرئاسية دفع الروس والنظام لمعاقبتها سياسيًا.
ودعا مسالمة إلى رصّ الصفوف والابتعاد عن الشائعات، لأن النظام وروسيا يحاولان كسر الإرادة الشعبية في درعا البلد، ومن بعدها حوران وكامل سوريا، بحسب تعبيره.
وخرج، الجمعة 25 من حزيران، أهالٍ في وقفات احتجاجية في مناطق متعددة من محافظة درعا نصرة لدرعا البلد، في بلدات حوض اليرموك، والمزيريب، وتل شهاب، كما انتشرت كتابات على الجدران تناصر الأهالي وتهدد النظام في حال قرر اقتحامها.
وعلى مدار اليومين الماضيين حلق طيران النظام السوري بعلو منخفض في سماء درعا البلد، في خطوة اعتبرها ناشطون تهديدًا باستخدامه في حال رفض مطالب الروس.