قانون إعلام “الإدارة الذاتية”.. بين ضمان حرية التعبير ومنع المساس بـ”المقدسات”

camera icon"دائرة الإعلام" في "الإدارة الذاتية" تكرّم فريق عمل قناة "روناهي" لتغطيته أحداث سجن "غويران" في الحسكة- 21 من شباط 2022 (المكتب التنفيذي لشمالي وشرقي سوريا)

tag icon ع ع ع

تشهد مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا ارتفاعًا في وتيرة الانتهاكات المرتكبة ضد المؤسسات الإعلامية والعاملين في المجال الإعلامي، رغم إقرار قانون للإعلام في المنطقة من المفترض أن يكون ضامنًا للحريات الإعلامية.

تكريم يقابله توقيف عن العمل

تواصل مختلف القوى “الأمنية والعسكرية والسياسية” في شمال شرقي سوريا التضييق على الحريات الإعلامية في شمال شرقي سوريا، من خلال منع إعلاميين ومؤسسات إعلامية من العمل، وكذلك ملاحقة واحتجاز واعتقال إعلاميين، وسط محاولات من “الإدارة الذاتية” لإظهار صورة جيدة في تعاملها مع وسائل الإعلام، عبر تكريم بعض المؤسسات الإعلامية.

وأعلنت “دائرة الإعلام” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، في 21 من شباط الحالي، تكريم قناتي “روهاني” و”الآن”، لتغطيتهما بشكل كامل ومتابعتهما التطورات التي كانت تحدث باللحظة في أثناء أحداث سجن “غويران” (الصناعة) في مدينة الحسكة، إثر هجوم لخلايا تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” على السجن، انتهت بسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على السجن بدعم من التحالف الدولي لمحارية التنظيم.

الرئيسة المشتركة لـ”دائرة الإعلام”، نور السعيد، شكرت الوسائل الإعلامية كافة التي أسهمت بتغطية أحداث السجن وقالت، “بعد أسبوع من الخوف والترقّب والخطر الذي حصل بسبب الأحداث الأخيرة في الحسكة (…) بالمقابل لم تتوقف الوسائل الإعلامية العاملة في مناطق شمالي وشرقي سوريا عن تغطية الخبر بشكل مستمر منذ بداية الأحداث وإلى نهايتها، وبذلت جهدًا كبيرًا واهتمامًا واضحًا بأدق التفاصيل، وتمّ نقل الصورة على أكمل وجه”.

ووجهت السعيد الشكر على وجه الخصوص لقناتي “روناهي” و”الآن”، لتغطيتهما المستمرة على مدار الساعة، ووجودهما في الأماكن الخطرة لنقل الحدث في لحظته، والتغطية الشاملة والدقيقة وبروح المسؤولية العالية، وفق تعبيرها.

في المقابل، كانت “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ “قسد”، اتهمت، في 5 من شباط الحالي، شبكة “رووداو” الإعلامية الكردية “بإثارة النعرات وتشويه صورة المؤسسات العاملة في شمالي وشرقي سوريا”، مانعة إياها من ممارسة العمل الصحفي بمناطق نفوذها.

وذكرت وثيقة نشرتها “رووداو” صادرة عن “الإدارة”، أن الأخيرة قررت إيقاف عمل الشبكة الإعلامية في مناطق شمال شرقي سوريا، مشيرة إلى سحب جميع رخص العمل والمهمات الصحفية التي مُنحت للشبكة والعاملين فيها.

“المجلس الوطني الكردي” أصدر بيانًا، في 6 من شباط الحالي، دان فيه ملاحقة “قسد” صحفيين وإعلاميين في مناطق نفوذها شمال شرقي سوريا، إضافة إلى اعتداء عناصر تابعين لها على مكاتب صحفية، ومنع أخرى بشكل رسمي من ممارسة عملها في المنطقة.

وقال “المجلس” في بيانه، إن إيقاف عمل شبكة “رووداو” الإعلامية هو “خطوة تصعيدية جديدة تؤكد استبداد ومعاداة (قسد) لأبسط مبادئ حرية التعبير والرأي”.

كما دان البيان مداهمة مجموعة ملثمة تابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) في وقت سابق من الشهر الحالي، منزل مراسل موقع “يكيتي ميديا” الإعلامي باور ملا أحمد، واقتياده إلى جهة مجهولة بعد مصادرة هاتفه وهاتف زوجته، وهو ما وثّقته منظمة “RASTI” المختصة برصد الانتهاكات في مناطق نفوذ “قسد”.

وداهمت مجموعة أخرى تابعة لـ”قسد” منزل الإعلامي صبري فخري مراسل تلفزيون “ARK”، وصادرت هاتفه واقتادته إلى جهة مجهولة، بحسب البيان.

عدم المساس بـ”المقدسات”

الرئيس المشترك لـ”دائرة الإعلام”، جوان ملا إبراهيم، برّر بشكل غير مباشر الإجراءات المتخذة بموجب قانون الإعلام المعمول به في المنطقة منذ إقراره عام 2021.

وقال ملا إبراهيم عبر بيان نُشر في موقع المكتب التنفيذي لـ”الإدارة”، في 20 من شباط الحالي، إن “هناك أسسًا وضوابط بقانون الإعلام ولائحته التنفيذية لجانبين أساسيين، هما حماية الصحفيين وحماية حق حصولهم على المعلومة، فمهمة دائرة الإعلام الأساسية هي الارتقاء بالمستوى الإعلامي لشمالي وشرقي سوريا”، على حد تعبيره.

اعتبر ملا إبراهيم أن منح الترخيص الإعلامي لأي شخص أو وسيلة ترغب بالعمل في مناطق “الإدارة الذاتية” يتم وفق ضوابط وشروط معيّنة، منها “عدم المساس بمقدسات شعب مناطق شمالي وشرقي سوريا وقيمه الاجتماعية، كالشهداء والقوات العسكرية و(الإدارة الذاتية)”.

وأضاف أن “دائرة الإعلام” تمنح تراخيص مزاولة المهنة الإعلامية، أما “اتحاد الإعلام الحر” فهو الذي يمنح صفة الإعلامي لأي شخص يستوفي الشروط الموضوعة.

بحسب ملا إبراهيم، يختلف الواقع الإعلامي في مناطق شمال شرقي سوريا عن الإعلام في مناطق سيطرة النظام السوري وتلك المدعومة من تركيا، لافتًا إلى أنه “لا يحق لدائرة الإعلام التدخل بالسياسة التحريرية لأي وسيلة إعلامية، وهذا يدل على الحرية الإعلامية، والدليل على ذلك الوفود الإعلامية القادمة يوميًا إلى مناطق شمالي وشرقي سوريا”، وفق قوله.

وفي ختام البيان، وجّه ملا إبراهيم توصية للإعلاميين في مناطق “الإدارة الذاتية”، أبدى فيها استعداد “دائرة الإعلام” لتقديم المساعدة لهم لإنجاز العمل الإعلامي على أكمل وجه، بشرط أن يمارسوا حرية التعبير بضوابط وبعيدًا عن الفوضى الإعلامية.

“قانون إعلام” مقيّد بشروط عجيبة

رئيس تحرير صحيفة ” كوردستان”، الصحفي عمر كوجري، قال لعنب بلدي، “إن مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ومنذ حكمهم (بأمر الواقع) في مناطق شمال شرقي سوريا وللآن، يناصبون العداء المكشوف لكل ما هو مخالف ولو قليلًا من دائرة مناصريهم ومحازبيهم من الإعلاميين”.

وأضاف أن “الانتهاكات صارت بحكم اليومية لعمل الإعلاميين، وصار شغلنا الشاغل كهيئات وشبكات ونقابات صحفية كردية ومحلية ودولية رصد هذه الانتهاكات التي تطال زملاءنا الإعلاميين، والدفاع عنهم بوضع الصورة السيئة التي يمر بها الإعلام للمنظمات الدولية التي تهتم بحقوق الصحفيين، وتنبري للدفاع عنهم”.

كوجري أضاف، “نعم هناك قانون الإعلام الذي صدر عن (الإدارة الذاتية) وعن الدائرة الإعلامية التابعة لهذه الإدارة، وفيه مواد وأبواب وغيرها، لكن مسلحي (PYD) لا يعترفون بهذا القانون، وحتى هذا القانون لا معنى له ولا فائدة تُرتجى منه طالما أن حرية العمل الصحفي محصورة ومقيدة بقيود وشروط غريبة، كما صرّح مؤخرًا رئيس دائرة الإعلام، جوان ملا إبراهيم، مثل عدم المساس بالقيم الاجتماعية كالشهداء والقوات العسكرية و(الإدارة الذاتية)”.

واعتبر كوجري أن “هذا ما يفسح المجال واسعًا للتأويل والتفسير بحسب مزاج القوات الأمنية غالبًا، إذ لا محاكم عادلة لزملائنا، وقبل يومين اختطف مسلحو (PYD) اثنين من زملائنا، أحمد صوفي ودارا عبدو، وقبل أيام اختطفوا الزميل صبري فخري، بلا أي مبرر ومسوغ قانوني”.

وأوضح أنه “في هذه الحالة سيكون هناك نسف كامل لكل القانون، فالدائرة الإعلامية هي ليست جهة مستقلة، بل تابعة لـ(الإدارة الذاتية)، وبالتالي هي جزء من المشكلة لا الحل، والأمر نفسه ينطبق على بقية الهيئات الإعلامية التابعة لـ(PYD) بشكل محدد كاتحاد الإعلام الحر، فهذه الهيئات لا تتولى موضوع الدفاع عن الانتهاكات التي تحدث بحق الصحفيين في مناطق شمال شرقي سوريا”.

أين “قانون الإعلام” من الانتهاكات

تأتي الانتهاكات المستمرة ضد الإعلاميين في شمال شرقي سوريا، في ظل وجود قانون للإعلام صدّق عليه المجلس العام لـ”الإدارة الذاتية” في 18 من أيار 2021، بعد أن تمت مناقشة أبوابه السبعة والتصويت عليها بعد تعديلها من قبل الحضور.

وذكرت “الإدارة” حينها أن القانون يتضمن في مجمل مواده الحقوق والواجبات المترتبة على الوسائل الإعلامية والإعلاميين العاملين في عموم شمال شرقي سوريا.

وفي أيلول 2019، بدأ الإعداد لمسودة قانون الإعلام عن طريق لجنة تضم ممثلين عن مكتب الإعلام في “الإدارة الذاتية”، و”اتحاد الإعلام الحر”، وممثلين عن الصحفيين المستقلين وممثلين عن التلفزيونات العاملة في الداخل والإعلام العسكري.

وأثار القانون بعد التصديق عليه تحفظات هيئات صحفية وعاملين في المجال الإعلامي بالمنطقة، بسبب عدم استقلالية دائرة الإعلام، ووجود مواد تحدّ من الحريات الإعلامية، كسحب الترخيص من المؤسسات الإعلامية.

كما يتضمّن القانون مواد تمنع الإعلامي من التعرض للحياة الشخصية للشخصيات العامة ومسؤولي “الإدارة”، وكذلك بنود تخوّل القضاء مطالبة الإعلامي بالإفشاء عن مصدر معلوماته، إلى جانب عقوبات مسلكية ومالية تترتب على المخالفات، أبرزها توقيف عن العمل لمدة تتراوح بين شهر وأربعة أشهر، ودفع مخالفة مالية تبدأ بـ100 دولار أمريكي وتصل إلى 500 دولار، وللجهات والمؤسسات الإعلامية تصل إلى ألف دولار.

2021.. سنة انتهاكات “الإدارة الذاتية”

الباحث في “المركز السوري للحريات الصحفية” في “رابطة الصحفيين السوريين” محمد الصطوف، قال لعنب بلدي، إن مناطق “الإدارة الذاتية” شهدت في عام 2021 وقوع أكبر عدد من الانتهاكات ضد الإعلام في سوريا، وذلك لأول مرة خلال السنوات العشر الماضية.

وبحسب الصطوف، تصدّرت “الإدارة الذاتية” واجهة الجهات المنتهِكة للحريات الإعلامية خلال عام 2021، وذلك بمسؤولياتها عن ارتكاب 41 انتهاكًا من أصل 68 انتهاكًا وثقها المركز خلال العام الماضي في عموم سوريا.

وأوضح أن تلك الانتهاكات توزعت بين حزب “PYD” الذي كان مسؤولًا عن ارتكاب 32 انتهاكًا، في حين ارتكبت “قسد” تسعة انتهاكات.

الصطوف أشار إلى أن معظم الانتهاكات المرتكَبة في مناطق “الإدارة الذاتية” خلال 2021 كانت في خانة التضييق على الحريات الإعلامية، إذ وثّق المركز 24 حالة اعتقال واحتجاز واختطاف، بينما تنوعت الحالات الأخرى بين اعتداء بالضرب لإعلاميين وتلك المرتكَبة بحق المؤسسات الإعلامية.

واعتبر الصطوف أن التضييق على الحريات الإعلامية في مناطق “الإدارة الذاتية” ازداد بعد إقرار قانون للإعلام عام 2021، كان من المفترض أن ينظم العمل الإعلامي ويحدّ من ارتكاب الانتهاكات في المنطقة.

إلا أن الانتهاكات استمرت ضد الإعلام بوتيرة مرتفعة تحت مظلة ذلك القانون الذي لا يعد إلا كونه “حبرًا على ورق”، بحسب الصطوف، موضحًا أن القانون يتضمن مواد تقيّد حرية الإعلام، ومن أهمها سياق استخدام القانون لمنح الترخيص للمؤسسات الإعلامية كوسيلة للتضييق على الإعلام.

وذكر أن “ذلك القانون لا ينفذ منه أي شيء مرتبط بصيانة حرية الإعلام، ويعتبر أداة بيد الإدارة لتحقيق مصالحها، وما العدد الكبير للانتهاكات المرتكبة في مناطق الإدارة خلال عام 2021 على يد كل من (قسد) و(PYD) وقوى الأمن الداخلي (أسايش) والشبيبة الثورية وغيرها، إلا دليل على ذلك”.

وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، قُتل 709 من الصحفيين والعاملين بمجال الإعلام في سوريا منذ آذار 2011 حتى أيار 2021، كانت “قسد” مسؤولة عن مقتل تسعة منهم.

وتحتل سوريا المرتبة 173 من أصل 180 بلدًا في ذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2021، بحسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” العالمي لحرية الصحافة.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة