مذابح شرقية ومذابح غربية

  • 2023/11/05
  • 12:40 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

في استثمار روسي- إيراني لانشغال العالم بمذابح غزة التي تتم برعاية غربية، وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قتل 161 مدنيًا في الشمال السوري، وهي مذابح وقع معظمها على يد قوات النظام المدعومة من روسيا ومن إيران، خلال تشرين الأول الماضي، الذي يعتبر الأكثر عنفًا خلال هذه السنة.

هذه المذابح الشرقية ترعاها الدول التي تدّعي محاربة الاستعمار والغرب، وتسمي نفسها محور الممانعة الذي يمثّله نظام بشار الأسد في سوريا بكل طواقم مخابراته وبراميل جيشه.

ويقابل تلك المذابح أخرى غربية تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة برعاية أمريكية وأوروبية علنية، تحيي فيها الذكرى 106 لوعد بلفور (2 من تشرين الثاني 1917)، الذي تحول إلى حقيقة على الأرض وليس مجرد كلام دبلوماسي ووعود فضفاضة، وهذه المذابح الغربية تعيد لوعد بلفور ألقه بالنسبة للإسرائيليين، الذين يعتبرون الفلسطينيين مجرد “حيوانات بشرية” كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي.

إذا كان التهجير السوري قد تم خلال عشر سنوات على يد الإيرانيين والروس ونظام الأسد، فإن الغربيين يطمحون إلى تهجير سكان غزة خلال أشهر قليلة تحت القصف المتواصل منذ 7 من تشرين الأول الماضي بلا هوادة، مع قطع الماء والكهرباء والإنترنت وقصف المستشفيات والمدارس.

والتمويل الأمريكي جاهز لبناء مخيمات للفلسطينيين في سيناء المصرية، إذا نجح القصف المتواصل بتهجير الشعب الفلسطيني إلى هناك، وقد تكون هذه نكبة جديدة للشعب الفلسطيني بعد نكبة العام 1948، يخطط لها الحلف الغربي وبجدارة تكنولوجية وإعلامية شديدة العدوانية.

الرئيس بوتين والمرشد خامنئي يتباكيان على الشعب الفلسطيني في غزة، ويدينان العدوان الغربي، في نفس الوقت الذي تقصف فيه قواتهما مخيمات اللاجئين في الشمال السوري وتزيد بؤسهم وتنقلهم من مخيم إلى آخر تحت عناوين الأسد، بأنهم خونة وإرهابيون ويعتدون على سيادة الجيش والدولة.

أما “حزب الله”، صاحب الباع الطويل في الدمار السوري، والذي حول مسار الأحداث إلى صراع طائفي منذ دخوله إلى مدينة القصير، فإنه مشغول عن المشاركة في مذابح إدلب بادعاء وحدة الجبهات الممانعة التي خدع بها حركة “حماس” وباعها الوعود الكاذبة.

ولعل جبهة الجنوب اللبناني تظل مجرد تهويش وخطابات، حتى ولو تم الترحيل أو القضاء على آخر مواطن في غزة، وخطاب حسن نصر الله الأخير، في 3 من تشرين الثاني الحالي، مجرد تبجح وتبرئة ذمة إيران والدفاع عنها، كونها الممولة لميليشياته.

البوارج الأمريكية والإعلام الغربي يحميان الانتقام الإسرائيلي، ويطلقان جنون اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو من أجل محو قطاع غزة، وتحويله إلى منتجع سياحي بعد قتل وترحيل الغزاويين، كما يحلم.

وتهدد هذه البوارج إيران إذا تدخلت، فالمذابح مسموحة لها في سوريا فقط، ولا يحق لها استعمال ميليشياتها ضد دولة إسرائيل، الخارجة عن القانون الدولي منذ إنشائها 1948 حتى اليوم، وربما حتى نهاية آخر فلسطيني.

إيران متخوفة من الحرب، وعلى الأرجح لن تسمح لـ”حزب الله” بالخروج عن نمط المناوشات الحدودية، فالحزب مكسب إيراني كبير يسمح لها بالتحكم بلبنان وسوريا، وإذا خسرته فإن قبضتها ستتراجع إلى العراق، وفي أحسن الأحوال إلى شرقي سوريا الذي أصبح مستوطنة إيرانية، وخاصة بين منطقتي الميادين والبوكمال.

إيران تعاني أيضًا في الداخل ضغوطات احتجاجية كبيرة من قبل نسائها الرافضات للحجاب القسري، بالإضافة إلى ارتفاع الأصوات من قبل السياسيين السابقين والنخب الثقافية، التي قدمت بعد وصول البوارج الأمريكية عريضة إلى الخامنئي بمنع وصول الحرب إلى طهران، ودعته إلى حفظ استقلال إيران وسلامتها، والتخلي عن مغامراته “الدونكيشوتية” وعن أوهامه التي يتصور بها العالم.

أما روسيا فتنعم بالصمت الدولي في أوكرانيا وتستمر بمذابحها الخاصة هناك، بالإضافة إلى مذابح الشمال السوري التي تشارك بها الطائرات الروسية، حسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.

المذابح الشرقية في إدلب وسوريا، والمذابح الغربية في غزة وفلسطين، تقود إلى إعادة بناء الشرق الأوسط من جديد، فإما أن نحصل على شرق أوسط جديد بقيادة روسية- صينية- إيرانية تعزز وضع الاستبداد، ويُعتبر نظام بشار الأسد أحد المنتجات المثالية لهذا الحلف، وإما أن نحصل على شرق أوسط جديد بقيادة غربية وإسرائيلية تعتبر سكان المنطقة مجرد حيوانات بشرية.

وفي كلتا الحالتين ستعاني شعوب المنطقة، وستظل مستنقعًا للعنف، ولن يذوق أحد السلام ما دامت شعوب هذه المنطقة محكومة بالاستبداد أو بالانتقاص من قيمتها.

ونحن السوريين بانتظار الجحيم القادم، هل سيعود مقاتلو “حزب الله” بعد انتصار محور الممانعة إلى سوريا لتهجير ما تبقى من شعبها؟ أم ستعقد إسرائيل صفقة مع نظام الأسد تشرعن جرائمه وتحوّله من وكيل إيراني- روسي إلى وكيل لها؟

أم أن دماء السوريين التي طالبت بالكرامة والحرية لن تجف، وتظل أرواح شهدائنا تحلّق فوق رؤوسنا وتذكّرنا بحلم الحرية؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي