لم تتوقف التهديد الإيرانية منذ مقتل أحد كبار مستشاري “الحرس الثوري الإيراني” لدى وحدة “إسناد محور المقاومة” في سوريا، السيد رضي موسوي، بغارة إسرائيلية استهدفت منزله بمنطقة السيدة زينب في محافظة ريف دمشق.
أحدث هذه التهديدات جاءت اليوم الأربعاء، 27 من كانون الأول، عندما قال سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، إن إيران تحتفظ بحقها “المشروع والأصيل” استنادًا إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بالرد في الوقت المناسب الذي تراه ضروريًا، بحسب ما نقلته وكالة “إرنا” الإيرانية.
سبق ذلك خلال منشور لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عبر “إكس” قال فيه “على تل أبيب أن تنتظر عدًا تنازليًا قاسيًا”.
في الوقت نفسه، لم يعّلق النظام السوري على الحدث الذي لقي صدى في أروقة الدبلوماسية الإيرانية، إذ سبق وتحدث السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، عن أن موسوي كان دبلوماسيًا والمستشار الثاني في لسفارة بلاده.
وأشار إلى أنه بناء على الاتفاقيات الدولية لعامي 1961 و1973، يعتبر اغتيال المسؤول الإيراني “جريمة”، إذ تعدت إسرائيل على المنطقة الأمنية في سوريا، لأن أمن الدبلوماسيين هو مسؤولية الدولة المضيفة، بحسب ما نقلته وكالة “مهر” الإيرانية عن أكبري.
يلقب موسوي بـ(السيد رضي)، وهو القيادي الإيراني الأول الذي يقتل خارج الحدود بعد قائد (فيلق القدس) السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أمريكية قرب مطار بغداد، مطلع عام 2020.
وبحسب تقرير نشرته وكالة (تسنيم) الإيرانية، فإن موسوي كان أحد كبار مستشاري (الحرس الثوري) في سوريا، ومسؤولًا عن دعم (جبهة المقاومة). ووفقًا للمتحدث باسم (الحرس الثوري)، العميد رمضان شريف، فإن موسوي كان مسؤولًا عن تقديم المشورة والدعم لمحور المقاومة في سوريا ولبنان منذ أكثر من 25 عامًا. |
أسباب محتملة
في مقال تحليلي للصحفي، والمحلل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، جاء أن إسرائيل قررت تنفيذ عملية اغتيال موسوي بعد أن هاجمت طائرة إيرانية دون طيار سفينة تديرها شركة مملوكة لقطب الشحن الإسرائيلي “عيدان عوفر” قبالة سواحل الهند في وقت سابق.
واعتُبر الهجوم في إسرائيل بمثابة تصعيد في الهجمات الإيرانية على المصالح الإسرائيلية، ما أدى إلى زيادة الإجراءات الإسرائيلية ضد الإيرانيين، بحسب بن يشاي.
وأضاف أنه إذا كانت التقارير التي تتحدث عن تصعيد إيراني ضد إسرائيل، قابله تصعيد إسرائيلي دقيقة، فإن الاغتيال الأحدث كان جزءًا من “الحرب السرية” الدائرة بين إسرائيل وإيران المسؤولة عن هجمات “الحوثيين” ضد إسرائيل في البحر الأحمر، فضلًا عن الهجمات المنفذة من سوريا.
بن يشاي قال أيضًا، إن إيران زودت مؤخرًا “حزب الله” اللبناني بأنظمة متقدمة مضادة للطائرات لإسقاط طائرات دون طيار والمروحيات الهجومية، واستخدمت هذه الأنظمة بالفعل، إذ حاولت أنظمة صواريخ أرض-جو “358” إيرانية الصنع إسقاط طائرات دون طيار إسرائيلية، لكن الجيش الإسرائيلي اعترضها.
ومن خلال “الحرس الثوري الإيراني”، صارت طهران أكثر تورطًا في “الاعتداءات” مما كان معروف سابقًا بحسب الصحفي الإسرائيلي، وبشكل منفصل عن دعمها لـ”حزب الله” ضد إسرائيل.
وفي محاولة لمساعدة “حماس” في غزة، أطلقت ميليشيات متمركزة في سوريا، بناء على تعليمات من إيران، طائرة مسيّرة هجومية على مدينة إيلات الساحلية الجنوبية، تحت إشراف العقيد داود جعفري من القوات الجوية لـ”الحرس الثوري”.
عقب ذلك قُتل جعفري، الذي ظهر في صورة إلى جانب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، عقب الهجوم نفسه، في غارة جوية نُسبت لإسرائيل، بحسب بن يشاي.
لماذا لم يعلّق النظام
رغم الجدل، وسيل التحليلات الذي أحدثه اغتيال موسوي في سوريا، حافظ النظام على صمته، في الوقت الذي اعتبرت إيران فيه أن موسوي هو دبلوماسي يتبع لها في سوريا، وتتحمل الدولة المضيفة مسؤوليته حمايته.
المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، قال لعنب بلدي، إن النظام لا يملك كلمات يدلي بها عقب اغتيال موسوي، وفضل أخذ وضعية “امتصاص الصدمات”، إذ يعتقد أن إسرائيل تحاول جره للحرب، وبمجرد عدم اكتراثه باعتداءات إسرائيل، سيكون قد انتصر، كونه لم يسمح لإسرائيل بتحقيق هدفها.
المحلل مصطفى النعيمي، قال من جانبه إن تعليق النظام على مقتل موسوي سيشكل إدانة صريحة بالنسبة له، على اعتبار أنه لم يعترف بالتوغل الإيراني في سوريا علنًا، ووجود شخصية مثل موسوي في سوريا يعتبر اعترافًا في هذا الإطار.
النعيمي أشار إلى أن موسوي ليس أول جنرال إيراني يقتل في سوريا، ويتجاهل النظام السوري الحدث بالمقابل، إذ سبق وأعلنت إيران عن مقتل اثنين من مستشاري “الحرس الثوري” خلال قصف إسرائيلي في سوريا، مطلع كانون الأول الحالي، ولم يعلّق النظام على الحدث.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن العلاقات العامة في “الحرس الثوري”، أن محمد علي عطايي، وتقي زاده، وهما مستشاران لدى “الحرس الثوري” قُتلا على يد “الكيان الصهيوني”، خلال “مهمتها الاستشارية” في سوريا.
التداعيات في سوريا
منذ بدء “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “المقاومة الإسلامية” (حماس) ضد إسرائيل في غلاف غزة، كان الجنوب السوري المتصل مع الشمال الإسرائيلي حاضرًا بشكل متقطع، إذ نفذت جهات مجهولة هجمات متفرقة استهدفت خلالها مستوطنات إسرائيلية في الجولان السوري المحتل.
ودائمًا ما ترد إسرائيل على هذا النوع من الهجمات، وتعلن مسؤوليتها عنه بمعزل عن “الحرب السرية” الدائرة بينها وبين إسرائيل في سوريا، التي لا تتبنى إسرائيل أي هجمات تندرج تحتها عادة.
المحلل السياسي مروان فرزات، اعتبر أن الواقع يفرض على إيران أن ترد، وهو ما ستفعله خلال الفترة القادمة، ورجح أن تكون الجبهة الجنوبية في سوريا نقطة انطلاق لهذا الرد.
وأضاف أن طهران لن تكتفي باستهداف الداخل الإسرائيلي من الجنوب السوري، وقد تعمل على استهداف دبلوماسي إسرائيلي في الخارج أيضًا، مرجحًا أن يكون هذا الاستهداف في أمريكا الجنوبية التي تشهد نفوذ إيراني متنامي.
فرزات يرى أن الجنرال الإيراني السيد رضي موسوي، من أهم الشخصيات على مستوى قادة “الحرس الثوري”، ويعرف بكونه المسؤول المالي عن نشاطات إيران في الخارج، ولا تقتصر مهامه على سوريا وحسب، إنما يدير مسؤوليات مالية على نطاق أوسع، ومن هنا تأتي أهميته.
من جانبه رأى المحلل المتخصص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن إيران قد تستعمل الجبهة الجنوبية السورية للرد على إسرائيل، لكن بالطريقة النمطية نفسها القائمة حاليًا عبر ما أسماه “صواريخ عبثية” لا تتسبب بأضرار.
وأضاف أنه منذ أكثر من شهرين، يستعمل وكلاء إيران صواريخ من نوع “كاتيوشا” محلية الصنع، ذات جودة رديئة لشغل الجبهة الجنوبية في لبنان، وفي سوريا في بعض الأحيان، لكنها لا تحقق أي أضرار فعليًا.
بيئة إيران الاستراتيجية
دراسة صدرت في كانون الأول 2020، حملت عنوان “مجموعات الوكلاء الإيرانيين في العراق وسوريا واليمن: تحليل مقارن بين الوكيل الرئيسي”، طرحت إجابات لتساؤلات حول البيئة الاستراتجية لإيران، وحرب الوكلاء التي أطلقتها ضد الولايات المتحدة منذ سنوات.
الدراسة التي التي نشرتها وكالة نظم المعلومات الدفاعية الأمريكية، وهي هيئة حكومية، وجاءت في 154 صفحة، ذكرت في فصلها الأول أن جميع العمليات الهجومية الإيرانية ضد المصالح الأمريكية تقريبًا، تنفذها طهران بالتعاون مع وكيل مدعوم من قبلها، تساعده من خلال توفير المعدات والتدريب، تجنبًا للانخراط في صراع مع أعدائها.
وحول أهداف إيران قالت الدراسة، إن طهران تستخدم نهجًا ثوريًا في سياستها الخارجية التي تهدف لتحسين وضعها في الشرق الأوسط، والنظام الدولي على نطاق أوسع.
وأضافت أن أهداف سياسة طهران الخارجية المعلنة متعددة الجوانب، لكن يمكن ترتيبها في أربع فئات عريضة، هي تصدير الثورة الإيرانية، وبسط النفوذ الاقتصادي والسياسي على المنطقة، وحماية أتباع “النظام الشيعي”، وتعزيز قوتها التقليدية.
ويسعى نظام الحكم في إيران حاله حال جميع الحكومات إلى البقاء بأي ثمن، ويشمل ذلك الاستفادة من قوة الجماعات سواء كانت تتفق معها أيديولوجيًا أم لا، على سبيل المثال، بعد الحرب العراقية- الإيرانية، غض نظام صدام حسين العراقي الطرف عن نشاط جماعات سنية بمحافظة الأنبار العراقية بعمليات تهريب بضائع كانت تمنع العقوبات دخولها إلى البلاد.
بمجرد مغادرة القوات الأمريكية العراق عام 2011، استخدمت إيران المجموعات نفسها كوكلاء لاحتواء طرق الإمداد القبلية السنية، لتحقيق وصول غير مقيد إلى المواني على البحر الأبيض المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا.