في منتصف الخط الحدودي بين سوريا وجارتيها الأردن والعراق، الممتد بطول نحو 416 كيلومترًا، أقامت الولايات المتحدة قبل سنوات ما يعرف اليوم باسم منطقة “55 كيلومتر” أو “حامية التنف”، أو قاعدة “التنف”.
كلمة “التنف” التي ترد دائمًا خلال الإشارة لهذه القاعدة العسكرية ترجع إلى قرية التنف، الواقعة شرقي حمص على المفترق الحدودي نفسه، حيث يقع مركز القاعدة نفسها، وعلى امتداد 55 كيلومترًا، تنتشر قوات محلية مدعومة من واشنطن في محيط مركز القاعدة.
وعلى بعد كيلومترات قليلة نحو الجنوب من القاعدة، يقع مخيم “الركبان” الذي يضم آلاف النازحين السوريين والمرحلين من الأردن، يعانون ظروفًا معيشية متردية في بقعة جغرافية صحراوية، لم تكن معدة ليسكنها بشر قبل نزوح السوريين.
قاعدة أجنبية
تردد اسم قاعدة “التنف” مرارًا، منذ أمس الأحد 28 من كانون الثاني، بعد استهداف طالها عبر طائرات مسيّرة، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، تبنته مجموعة تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية في العراق” وهي تجمع لفصائل شيعية مدعومة من إيران في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان.
وبينما تتوعد أمريكا بالرد في المكان والزمان المناسبين، تنفي إيران مسؤوليتها عن هذا الهجوم، معتبرة أن “صراعًا” قائمًا بين الولايات المتحدة وفصائل “المقاومة” على خلفية الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من 100 يوم، ولا علاقة لها فيها.
وتضم منطقة الـ”55 كيلومتر” فصائل محلية تدعمها واشنطن أبرزها ما كان يعرف باسم “جيش مغاوير الثورة” (جيش سوريا الحرة اليوم)، وينتشر إلى جانبه في المنطقة نفسها بقايا فصيلين محليين انهارا سابقًا، هما “قوات الشهيد أحمد العبدو”، و”أسود الشرقية”.
وسبق أن نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عن مصادر محلية لم تسمّها في المنطقة أن وفدًا من قوات التحالف زار مخيم “الركبان”، المجاور لقاعدة “التنف”، في 24 من كانون الثاني الحالي، وأشارت إلى أنه لدى “التحالف” توجه لزيادة عدد مقاتلي الفصائل المحلية في القاعدة، والعمل على دمجها بشكل نهائي، تحسبًا لأي مواجهات مع ميليشيات إيرانية في سوريا.
وفي أيلول 2022، عيّن التحالف الدولي، قائدًا جديدًا لـ”مغاوير الثورة”، إذ قال عضو المكتب الإعلامي لـ”مغاوير الثورة” أحمد الخضر، لعنب بلدي حينها، إنه بعد سفر العميد مهند الطلاع، وهو القائد السابق للفصيل السوري، إلى تركيا، صدر قرار من التحالف الدولي بـ”إحالته إلى التقاعد”.
وعيّن التحالف محمد فريد القاسم، وهو قائد “لواء شهداء القريتين”، بدلًا عن الطلاع، لقيادة “مغاوير الثورة”، بحسب الخضر.
البرج “22”
الهجوم الذي أسفر عن مقتل الجنود الأمريكيين، أمس الأحد، أحدث جدلًا حول موقعه، إذ قيل في بداية الحدث إنه داخل الأراضي الأردنية، لكن الأردن نفت مباشرة، وقالت إن القاعدة العسكرية المستهدفة تقع داخل الأراضي السورية بمحاذاة حدودها الشمالية.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمريكي أن الهجوم وقع ليلًا، واستهدف “البرج 22″، وهو موقع صغير في الأردن قرب الحدود السورية.
وقالت وكالة “رويترز” إن “البرج 22” وهو المنطقة المتسهدفة يحمل أهمية استراتيجية في الأردن، في أقصى نقطة في الشمال الشرقي حيث تلتقي حدود البلاد بسوريا والعراق.
وأضافت أن البرج يقع بالقرب من حامية “التنف”، التي تضم عددًا صغيرًا من القوات الأمريكية، وهي موقع أساسي في القتال ضد تنظيم “الدولة” وذو دور في إطار استراتيجية أمريكية لاحتواء الحشد العسكري الإيراني شرقي سوريا، بحسب “رويترز”.
فصيل محلي
لا تعتبر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الفصيل العسكري الوحيد المدعوم أمريكيًا في سوريا رغم أنه الأكبر من حيث تعداد المقاتلين، والعتاد العسكري، ومناطق السيطرة، فعلى بعد نحو 200 كلومتر جنوبًا، حيث تقع قاعدة “التنف”، ينتشر فصيل “جيش سوريا الحرة” المدعوم أمريكيًا.
الفصيل تأسس عام 2015، بهدف محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقوات النظام السوري، وحمل اسم “جيش سوريا الجديد” حينها، لكن تطورات متتالية في الأحداث أدت إلى تفكك الفصيل، وبقاء نواته متمركزة في “منطقة 55 كيلومتر” تحت اسم “جيش مغاوير الثورة”.
لاحقًا ومع التغييرات التي أحدثتها أمريكا في الفصيل، تغير قائده، واسمه، وصار يعرف اليوم باسم “جيش سوريا الحرة”، ويضم نحو 500 مقاتل.
ويقود الفصيل حاليًا النقيب فريد القاسم، وهو عسكري منشق عن قوات النظام السوري، وينحدر من مدينة القريتين شرقي محافظة حمص، وكان قائدًا لـ”لواء شهداء القريتين” عام 2014، المنضوي تحت راية “الجيش السوري الحر” حينذاك.
القاسم حمل العديد من الألقاب خلال عمله في صفوف المعارضة السورية، إذ عُرف باسم “فريد الساعاتي”، كما كُنّي بـ”أبو حسام قريتين” أيضًا.
وسبق أن اعتقلت قوات النظام السوري القاسم، في أواخر عام 2011، وأفرجت عنه عام 2014 بموجب صفقة لتبادل الأسرى والمعتقلين مع فصائل المعارضة، التي كان يعمل بها شقيق فريد، طارق الساعاتي الملقب بـ”تكتك”.
علاقة القاسم بالتحالف الدولي سبق وشابها التوتر، إذ أعلنت قوات التحالف في وقت سابق، عن إيقاف دعمها لـ”شهداء القريتين” بسبب عدم الالتزام بمحاربة تنظيم “الدولة” واستهدافهم مواقع لقوات النظام السوري.
ويضم “شهداء القريتين” حوالي 80 مقاتلًا، ينحدرون من بلدة القريتين في ريف حمص الشرقي، التي سيطر عليها تنظيم “الدولة”، ثم النظام السوري نهاية عام 2016، ما ترك معظم سكانها مهجرين خارجها.
وفي 5 من شباط 2022، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن “رصد وتحييد مجموعة إرهابيين من جماعة (لواء شهداء القريتين)”، خلال دوريات جوية في سوريا بمنطقة التنف شرقي حمص.
مخيم “الركبان”
أنشئ مخيم “الركبان” عام 2014، عندما كان نقطة عبور للمهجرين من مناطق حمص والرقة ودير الزور باتجاه الأردن، وبطبيعة الحال لم تسمح عمّان بعبور السوريين بشكل عشوائي، إذ كانت تجري تدقيقًا أمنيًا لهم قبل السماح بعبورهم الحدود، وتمنع جزءًا منهم من العبور بموجب هذا التدقيق.
ومع عمليات المنع المتكررة للسوريين نحو الأراضي الأردنية، فضل بعضهم البقاء في نقطة العبور، التي صارت تعرف اليوم باسم “مخيم الركبان”.
وكان المخيم قبل عام 2018 يضم حوالي 70 ألف نسمة، إلا أن أغلبية السكان خرجوا باتجاه مناطق النظام السوري، ولم يبقَ فيه سوى 8000 نسمة، بحسب ما قاله ناشطون مطّلعون على الوضع الإداري في المخيم.
وتشدد قوات النظام حصارها على “الركبان” منذ سنوات، وتتحكم بإدخال المواد الغذائية، في حين تغيب المساعدات الانسانية عن النازحين المقيميه داخله منذ نحو أربع سنوات.
وفي آذار 2020، أغلق الأردن الحدود مع مخيم “الركبان” بما فيها النقطة الطبية، وأرجعت الحكومة الأردنية سبب الإغلاق لإجراءات الحد من انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ولم تعد فتحه بعد السيطرة على الوباء حتى اليوم.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قال حينها، إن “(الركبان) ليس مسؤولية الأردن، إمكانية تلبية احتياجاته من داخل سوريا متاحة، أولويتنا صحة مواطنينا، نحن نحارب (كورونا) ولن نخاطر بالسماح بدخول أي شخص من المخيم”.
وتشير الميليشيات المدعومة من إيران إلى المخيم على أنه قاعدة عسكرية أمريكية، إذ سبق واستهدفت المناطق المأهولة بالنازحين فيه عبر طائرة مسيّرة، اقتصرت أضرارها على المادية.