عنب بلدي – مارينا مرهج
لم يحيي سقوط النظام السابق وهروب المتنفذين الذي استغلوا سلطتهم، أراضي منطقة “المرج” في الغوطة الشرقية بريف دمشق.
تحولت أراضي الفلاحين في المنطقة من مروج خضراء ممتلئة بالمحاصيل، لا يمكن رؤية نهاية الأراضي عبرها، إلى صحراء قاحلة تحكي قصص عذاب مرت به المنطقة لسنوات طويلة.
واشتكى فلاحون في المنطقة، في استطلاع أجرته عنب بلدي، نقص المياه إثر تحويل مجاري نهر بردى إلى مناطق أخرى كعدرا والعتيبة، وانخفاض منسوب المياه في آبارهم إلى 110 أمتار (يتطلب الحفر إلى هذا العمق لاستخراج المياه)، نتيجة قلة الأمطار التي شهدتها المنطقة العام الحالي، ما أثر على مزورعاتهم.
سياق المشكلة
تفاجأ أهالي منطقة “المرج”، بعد عودتهم في 2018 من رحلة نزوحهم، نتيجة المعارك التي شهدتها الغوطة الشرقية في ريف دمشق، من غياب مياه الصرف الصحي المحلى ومجاري نهر بردى التي كانت تغذي أراضيهم، عبر قناة تدعى “BC1″، وتحويلها إلى المنطقة الشرقية التي تضم بلدة العتيبة والفروسية والجربة وما حولها.
وبحسب فلاحين التقتهم عنب بلدي، فإن الضباط والمتنفذين سابقًا، استولوا على الأراضي في تلك المناطق وقاموا بتحويل المياه إلى مزارعهم ومشاريعهم، مما زاد من معاناتهم.
وجرى اقتطاع ما يقارب ثلاثة دونمات، من كل أرض مرت بها قناة “BC1” عند إنشائها، لإيصال المياه من خلالها ما يقارب عشرة أيام في الشهر الواحد، ما يساعد على المحافظة على منسوب المياه داخل الحوض، ويحميه من الجفاف.
حاول الأهالي المطالبة بعودة ضخ المياه التي تغذي أراضيهم، عن طريق الجمعيات الفلاحية، وإيصال صوتهم إلى المعنيين لحل مشكلة الجفاف والتصحر، التي أصابت مزروعاتهم، خلال فترة النظام السابق دون الوصول إلى نتائج تذكر.
وبالرغم من سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، لا تزال هذه المشكلة تهدد حياة الأهالي في عملهم كمزارعين ومربي للحيوانات.
وتستمر مطالبهم بعودة المياه، ومناشداتهم للمعنيين في السلطة الحالية والمنظمات الدولية، للتعاون معهم والتدخل وحل هذه المشكلة قبل دخول موسم المزروعات الصيفية.
حلول بديلة مكلفة
يلجأ فلاحو “المرج” لاستئجار أراضٍ زراعية في مناطق تصلها المياه مثل حرستا القنطرة، كحل بديل يستطيعون من خلاله ممارسة عملهم وتأمين قوت يومهم وحاجيات أسرهم.
واضطر باسين برو كغيره من فلاحي بلدة دير سلمان، لدفع حوالي مليون ونصف مليون ليرة سورية مقابل كل متر من الأرض التي استأجرها في منطقة مروية أخرى.
وبحسرة، تجمعه مع غيره من أهالي بلدته، قال لعنب بلدي ” لدي أرض في بلدة دير سلمان، بمساحة 100 دونم، لا يمكنني استثمارها، فقط بسبب غياب المياه”.
وأوضح أن السبب لا يقتصر على قلة مياه الأمطار التي هطلت هذا العام، وإنما هو عدم تفعيل قناة مياه تحلية مجاري نهر بردى، المخصصة لتغذية أراضيهم.
تحرك حكومي لحل المشكلة
معاون مسؤول المنطقة للشؤون الزراعية، خالد مكبتل، قال لعنب بلدي إن شبكة المياه القادمة من دمشق إلى محطة تحلية المياه في عدرا البلد، تتعرض لتعديات في منطقة عين ترما وبعض القرى المحيطة في الغوطة الشرقية، ما يمنع وصول هذه المياه إلى المحطة ومعالجتها ثم تحويلها إلى مسارها عبر الخط العائد المتضمن قنوات “BC1″ و”BC2” و “BC3″و “BC4″باتجاه منطقة الغوطة الشرقية.
وأوضح أن هذه المشكلة تلقى اهتمامًا من المسؤوليين، إذ عقد اجتماع في 12 من أيار، بين هيئة الموارد المائية، ووزارة الزراعة واتحاد الفلاحيين مع بعض رؤوساء البلديات في المناطق المعنية.
وخلص الاجتماع بالإيعاز لرؤساء البلديات والجمعيات الفلاحية، لمنع التعديات، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق المعتدين.
وأكد مكبتل تشكيل لجان في مناطق التعديات، بمؤازرة كل من عناصر الشرطة وقوات الأمن العام، للاستعانة بهم في حال حصول أي مخالفة، وقمع التعديات وإيقاف المخالفات.
وكان مكبتل وعد خلال لقاء مصور مع عنب بلدي بحل المشكلة العالقة منذ سنوات، مشيرًا إلى البدء بعمل مؤسساتي تطمح إليه الحكومة الجديدة، وإعادة ضخ المياه إلى مجاريها ضمن قنوات الصرف الصحي، وإلغاء ما يعرف بـ “الباي باس”، التي تباع من المحطة مباشرة ولا تضخ عبر الخطوط.
وتطلق تسمية “الباي باس” على المياه غير المعالجة نتيجة توقف محطة تحلية مياه الصرف الصحي لسبب ما، فيتم تحويلها نحو بحيرة “العتيبة”، لتقوم التربة بدورها بتحليلها.
وأشار مكبتل إلى أنه من الممكن خلال هذه الفترة إعطاء جزء من هذه المياه فقط للفلاحين، زارعي محصول القمح، ثم فلاحة الأراضي من جديد وإلغاء “الباي باس” نهائيًا.
وبعد إلغاء مياه “الباي باس” سيعود ضخ المياه إلى القنوات، ضمن خطط مدروسة، لتوزيعها بشكل عادل على القرى التابعة لمنطقة الغوطة الشرقية، وضمن جدول زمني محدد.